خبر تجليات ثقافة المؤسسين في الساسة الأميركيين ..علي عقلة عرسان

الساعة 10:07 ص|03 سبتمبر 2013

يحار المرء، حين يلجأ إلى النهج الموضوعي الخالص، في تفسير السلوك الأميركي وفهم مقاصد ومنابت المرجعيات وسلامة المعايير والقيم التي يتحدث عنها المثقف الأميركي ويعتز بها الساسة الأميركيون على الخصوص.. فالسياسي الأميركي وحتى المثقف العضوي في ذلك المجتمع البالغ الهُجنة يتحدثان عن مسؤولية إنسانية وأخلاقية وحتى قانونية تلزم الولايات المتحدة الأميركية القيام بأعمال عسكرية في العالم يريانها " إنسانية"، وربما تكليفاً إلاهياً مقدساً كما هي حال الرئيس الأسوأ في تاريح الدولة جورج بوش ومنظري اليمين المتطرف الذين عملوا معه وناصروه.. فمن حيث المنطق والقانون وحكم العقل والضمير كانت تلك الأعمال والممارسات عدواناً وحشياً وإبادة جماعية وإرهاب دولة وغطرسة عنصرية فظيعة وخدمة للمصالح الأميركية ترقى إلى مراحل التقديس هلى حساب الدول والشعوب.

اليوم تعد الإدارة الأميركية لعدوان ضد سورية، متهمة إياها باستخدام السلاح الكيمياوي في الغوطتين يوم21 /8/2013، وتذهب الدولة ذات التاريخ الأسود في العدوان والممارسات الإرهابية وتجاوز المؤسسات والقوانين الدولية وكل ما يتصل بحوق الإنسان إلى شن عدوان إجرامي يهدم أسس القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، ويلغي دور هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ويشيع مزيداً من الفوضى والاقتتال في المنطقة وفي العالم ويهدد الأمن والسلم العالميين ويرمي إلى تدمير دولة وشعب، لتحقيق هدفين رئيسين معلنين على لسان الرئيس أوباما هما حماية إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الأميركية والدفاع عن المصالح الأميركية وهيبة الدولة الأغظم وعن مكانتها في العالم..؟!! وكل أميركي غير مصاب بمرض الشيزوفرينيا هذا يدرك أن دولته التي تدعي أنها تحارب الإرهاب ستكون حليفاً للإرهاب في عدوانها على سورية وستمارس إرهاب الدولة بأبشع صوره، تعزز العنصرية الصهيونية البغيضة وممارساتها، وتقوض فرص الحلول السياسية للأزمة السورية التي تدعي أنها تعمل مع روسيا الاتحادية عليها.. وهذا الفعل يدخل بجدارة في دائرة الجنون المطبق والنفاق السياسي المكشوف، من وجهة نظر المنطق السليم وروح القانون وحكم المراقب الموضوعي السليم الرؤية والتفكير والمعايير.

لا يمكننا مقاربة السلوك الأميركي بهدف فهمه من دون مقاربة سريعة جداً لمعرفة مفاصل رئيسة في تاريخ تلك الدولة وممارساتها العدوانية على الصعد السياسية والاقتصادية والإنسانية، منذ تأسيسها والحروب العنصرية والعدوانية التي شنتها على الهنود الحمر والزنوج وعلى دول وشعوب في العالم.. ومن دون مقاربة أسباب وأسس ومقومات الغطرسة والتعالي العنصري الكامن في التكوين الثقافي والنفسي والاجتماعي والعقائدي التلمودي للأميركي صاحب القرار.

فمنذ وطئت أقدام " الأباء المؤسسين" أرض القارة الجديدة بدأت حرب إبادة ضد سكان البلاد الأصليين، وذهب ضحية تلك الحرب أكثر من خمسة وخمسين مليوناً من الهنود الحمر صفاهم أبناء العم سام ودمروا حضارتهم في حرب كانوا يخوضونها بمفاهيم عنصرية تلمودية دموية.. فهم هناك كانوا يحاربون الكنعانيين "؟!؟" كما حارب يوشع بن نون ومن جاء بعده من اليهود الكنعانيين العرب في فلسطين، وهم أصحاب البلاد الأصليين ليقيموا على أنقاض وجودهم دولة.. ومن لم يقرأ شيئاً عن تلك الإبادة والثقافة التي شرعتها وسوغتها، وعن خروج اليانكي لصيد الهنود الحمر وعن مآسي من تبقى منهم ممن رحِّلوا قيما عرف بطريق الدموع مسافة ألفي كيلو متر عبر أراضي البلاد ليوضع من يصل حياً منهم في متحف بشري.. من لا يعرف ذلك أو بعضاً منه قد لا يتصور مدى إجرام الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية الذين رفعهم انتصار الجريمة إلى مرتبة التقديس، ولا ما أسس له ذلك من جرائم نسلهم من بعدهم التي طالت شعوباً كثيرة. أما حكاية الزنوج واستعبادهم والاتجار بهم وسلخ جلودهم وممارسة التفرقة العنصرية ضدهم فتلك شواهدها أقرب إلينا وبعض ممثليها ورموزها ومن ناضل ضد العبودية والمستعبدين من الزنوج وعلى رأسهم مارتن لوثر كينغ فمعروفة نسبياً وماثلة اليوم في الولايات المتحدة الأميركية بانتصار رئيس من أصول زنجية ـ إفريقية يتقاتل في داخله الإنسان الطيب والثقافة ـ التربية السياسية المؤسساتية الشريرة في الولايات المتحدة الأميركية: عملاق الشر والبطش والإرهاب الدولي في العالم أجمع.. وهي دولة لا تستطيع أن تخفي تاريخاً شديد السواد للأميركي العنصري المجرم الذي ما زال يمد ظلاله القاتمة على العالم.

وفي تشطيبات سريعة لتوضيح بعض معالم المشهد الإجرامي للدولة العظمى بحق دول وشعوب، لا سيما منذ العالمية الثانية نشير إلى الآتي: استخدام القنابل الذرية في هيروشيما وناغازاكي في سابقة تاريخية، استخدام السلاح الكيمياوي ضد الفيتناميين في حرب سقط فيها أكثر من مليوني فييتنامي وهو سابقة أيضاً، الحرب المدمرة التي أشعلتها بين الكوريتين حيث كانت طرفاً فيها، تدمير أفغانستان الدولة والمجتمع، وتدمير العراق الحضارة والجيش وقدرات الشعب ولحمته التاريخية بذرائع السلاح النووي، وهي ذرائع كاذبة تماماً، ممارسات الدولة العظمى غير المسبوقة في الإساءة لحقوق الإنسان ولكلقيمة إنسانية وخلقية وروحية في سجون: غوانتانامو وأبي غريب وباغرام وفي السجون الطيارة الأخرى التي أقامتها في بلدان عدة، نهب اللص الأميركي الكبير لثروات شعوب كثيرة وعدوانه عليها لا سيما في دول أميركا اللاتينية، وقوف الدولة التي تتاجر بالقيم والإنسانية والحرية وتقرير المصير..إلخ ضد حقوق الشعب الفلسطيني الذي طالت معاناته، مؤيدة بذلك الإرهاب والاحتلال والعنصرية المؤسسة للعنصريات عبر العالم عنصرية إسرائيل والحركة الصهيونية في قلسطين العربية المحتلة.. إلخ. وجرائم الولايات المتحدة الأميركية أكثر من أن تحصى، ولذا لا يمكن النظر إلى سلوك هذه الدولة إلا بوصفها قاطع طريق خارج على القانون والقيم والأخلاق، يملك من القوة ووسائل الإفساد ما يجعله إرهابياً خطراً على القوانين الدولية وعلى العدل والحق والقيم وسيادة الدول، ومن ثم على الأمن والسلم الدوليين والثقة أو الاعتماد المتبادل الذي ينبغي أن يقوم بين الدول والشعوب على أسس الخير لخدمة الإنسان والحضارة.. وهذا التاريخ الأسود لا يؤهل الولايات المتحدة الأميركية إلا لصفة إرهابي مجرم عابر للقارات مالك للمال والسلاح ويهدد بالقوة كل من يخالفه ولا يخضع لإرادته وهيمنته وابتزازه وغطرسته. 

في مسوغات الإدارة الأميركية للقيام بعدوان مباشر على سورية " استخدام النظام للسلاح الكيمياوي في الغوطتين الأمر الذي أسفر عن إصابة 281 شخصاً بغاز السارين"، مكتفية بما وضعته " أجهزتها وأدواتها" من معلومات وتقارير للوصول إلى اتهام سورية بصورة قاطعة واتخاذ القرار الرئاسي بتوجيه صربة لها.. وتثق واشنطن بأن تقارير استخباراتها وما توفر لديها من أدلة يكفي لاتهام سورية ومعاقبتها، وأنها بنت قرارها بتوجيه ضربة عسكرية لسورية غلى ذلك مكتفية بما لديها من أدلة. وهي لا تريد أن تنتظر نتائج عمل المحققين الدوليين الموجودين في دمشق إبان الضربة الكيمياوية/ " ضربة 21 آب 2013"/ في الوقت الذي طلب فيه وزير خارجيتها جون كيري من وزير الخارجية السورية وليد المعلم أن تسمح سورية لهم بالتحقيق فيما جرى في الغوطتين، ويبدو أنه كان ينتظر عدم موافقة سورية على ذلك ليغزز موقف بلاده ويزيد من ضورة التدخل العسكري، لكن سورية وافقت على الطلب، رغم أن مهمة المحققين الأصلية المتفق عليها بين الأمم المتحدة وسورية لم تكن تتضمن التحقيق بذلك الذي حدث بعد وصولها إلى دمشق.. وألح كيري في طلب واستجيب له.. لكن دولته سارعت إلى اتهام سورية والإعلان عن تكوين تحالف ضدها وتوجيه ضربة عسكرية لها قبل أن ينهي المحققون جمع عينات من المواقع في الغوطتين"المعضمية وزملكا وجوبر وغيرها؟! وقالت إنها متأكدة من أن الجيش العربي السوري هو الذي وجه الضربة الكيمياوية، مع أنه المتضرر منها حيث هو في حالة تقدم عسكري في أماكن وقوعها مما لا يحتاج معه لاستخدام سلاح من ذلك النوع حتى إذا ملكه هذا من جهة، ولأنه يضر به وبعناصره البشرية والمناطق التي يسيطر عليها منجهة أخرى.!!

لقد قامت روسيا الاتحادية بتحقيق في خان العسل والغوطتين، وقالت إنها لا تحمِّل سورية المسؤولية عن استخدام السلاح الكيمياوي وإنما تحمِّل ذلك للمعارضة المسلحة.. وإذا وضعنا التقريرين الروسي والأميركي بمواجهة بعضهما بعضاً للمقارنة وجدنا أنفسنا أمام معطيات متضاربة وتقارير تتفاوت مصداقيتها، ووجدنا أيضاً أن حجج التقرير الروسي منطقية وهي أقوى بكثير من حجج التقرير الأميركي الذرائعية.. إن التقريرين يتفقان على أن الكيمياوي قد استخدم في الغوطتين ولكنهما يختلفان حول من استخدمهما، فالروس يتهمون المعارضة المسلحة والأميركيون يتهمون الدولة السورية.. وفي هذه الحالة من المنطقي انتظار تقرير لجنة التحقيق الدولية وتحقيق المنظمة الدولية وقرار مجلس الأمن الدولي لتحديد الفاعل ومعاقبته.. هذا إذا كانت هناك عدالة تهمها الحقيقة وتستهدف الفاعل الذي ينبغي ألا ينجو من العقاب.. لكن الأمور عند راعي البقر ذي التاريخ الإجرامي الأسود ليست كذلك، فهو يقرر الذهاب إلى العدوان من دون تردد بناء على معطيات واهية ومعلومات استخباراتية لأنه يبحث عن ذرائع ولا تهمه الأدلة القاطعة والدامغة ومن ثم الحقيقة والعدالة فريق المحققين لم يكمل مهمته التي جاء من أجلها، وغادر دمشق بعد انتهائه من جمع العينات المتصلة بضربة 21 آب/ أغسطس 2013 وكأنه إنما وصل قبل يومين من وقوعها ليحقق فيها فقط وليس للقيام بالمهمة الأصلية التي كلف بها من الأمم المتحدة. ومن الغفلة بمكان ألا نقرأ في هذا التصرف ما يشير إلى ترتيب غربي خبيث مع المعارضة السورية الأداة والمنظمة الدولية الأداة لإتمام فعل وتضخيمه إعلامياً وسياسياً والبناء عليه والانطلاق منه لعدوان غربي ـ صهيوني بمشاركة وتمويل ومباركة عربية، لتدمير سورية الجيش والدولة، من قِبَل تحالف شرير مكشوف تقوده دولة الإرهاب الأولى في العالم... الأمر الذي يشير بوضوج إلى طبيعته الهمجية الغوغائية من جهة وإلى تدبير وتواطؤ منظمين لا يخلوان من تآمر وغباء مستحكم، يدخل فيه ترتيب إطلاق السلاح الكيمياوي في الغوطتين بمعرفة أجهزة خارجية والعمل على استثماره بتهييج سياسي وإعلامي، للقضاء على الجيش العربي السوري وتدمير الدولة السورية تحت شعار " عمل إنساني أو الدفاع عن الشأن الإنساني" ومنع استخدام أسلحة الدمار الشامل التي كان أول من استخدمها هو الأميركي، وهو من يملك أعظم ترسانة نووية وكيمياوية وجرثومية في العالم أجمع.؟!!

فريق المحققين لم يكمل مهمته التي جاء من أجلها، وغادر دمشق بعد انتهائه من جمع العينات المتصلة بضربة 21 آب/أغسطس 2013 وكأنه إنما وصل قبل يومين من وقوعها ليحقق فيها فقط وليس للقيام بالمهمة الأصلية التي كلف بها من الأمم المتحدة. ومن الغفلة بمكان ألا نقرأ في هذا التصرف ما يشير إلى ترتيب غربي خبيث مع المعارضة السورية الأداة والمنظمة الدولية الأداة لإتمام فعل وتضخيمه إعلامياً وسياسياً والبناء عليه والانطلاق منه لعدوان غربي ـ صهيوني بمشاركة وتمويل ومباركة عربية، لتدمير سورية الجيش والدولة، من قِبَل تحالف شرير مكشوف تقوده دولة الإرهاب الأولى في العالم.

سيعرض الرئيس أوباما موضوع التدخل العسكري المباشر في سورية على مجلسي الكونغرس، في خطوة منه لتوسيع دائرة تحمل المسؤولية ومراعاة ما يترتب على ضربة يقول إنه يريدها محدودة لكنه يدرك أنه يمكن أن يتحكم ببدايتها ونطاقها ولكنه لا يمكن أن يتحكم بسيرورتها ولا نهايتها ولا بما تتوسع فيه دوائرها في دول المنطقة ولا بردود الفعل الدولية على ذلك.. إنه يسير الآن في ثلاثة محاور متزامنة: إقناع مجلسي الكونغرس، وتجميع حلفاء للقيام بعمل عدواني خارج نطاق مجلس الأمن الدولي، واستكمال الحشد العسكري والترتيبات العدوانية.. ومن الطبيغي أن يتواكب ذلك مع استطلاع ما يقوم به المستهدَف بالعدوان ومن يناصرونه ويقفون معه.. وأن يتم الوقوف كذلك على ردود فعل الرأي العام في الداخل والخارج لقراءة الحدث ومدى تفاعلاته من زوايا مختلفة.

إننا لا نستبعد موافقة مجلسي الكونغرس، ولا استمرار تحالف واشنطن وباريس وأنقرة ودول عربية معروفة، ولا إمكانية زج حلف شمال الأطلسي ولو بصورة ما وبمقدر ما في العدوان، بعد أن أعرب اندرس فوغ راسموسن من بروكسل في 2/9/2013 "عن اقتناعه بان النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية ضد شعبه، وأنه "ينبغي ان يرد المجتمع الدولي بقوة لتجنب الهجمات الكيميائية في المستقبل". و" أنه على حلف شمال الأطلسي أن يحمي جناحه الجتوبي الشرقي".. وهو يعني تركيا، وكأن تركيا مهددة من سورية التي تعاني من تركيا ما تعاني.. وهذا عجيب.!! إن كل ما نعلق عليه الأمل والأهمية هو قدرة جيشنا ووحدة شعبنا، وثبات مواقف حلفائنا ومن يناصروننا في ضد هذا العدوان، وستكون مواقف جماهير أمتنا العربية وأحرار العالم الذين يرفضون العدوان سنداً لنا وبلسماً.. ولا نشك في أنه حان الوقت للدول ذات الحضور والمبادئ والقوة والموقف والرأي في الأوضاع الدولية.. لكي تعبر عن ذاتها ومصالحها ومصالح شعوب العالم، ولكي ترسخ تغييراً وتحدث توازناً في السياسة الدولية، وتفرض احترام القوانين والمواثيق والمنظمات الدولية، وتلجم إرهاب الإمبراطور وإرهاب اللصوص وذوي النزوع الاستعماري والعنصري البغيض والذرائعية غير الأخلاقية.. فقد ضاق العالم ذرعاً بالظلم والقهر والحرب والتهديد واستبداد القوة الغاشمة، وبكل ما نتج وينتج عن ذلك من مآسٍ وأوضاع تثير التوتر والقلق والفتن وتقضي على الأمن والسلم، وقد تحملنا نحن في البلاد العربية والإسلامية عامة وفي سورية بصورة خاصة من ذلك كله ومن الأميركي وحلفائه وعلى رأسهم الصهاينة ما لا يُطاق وما لا يمكن أن يستمر ويُحتَمَل.. وقد آن أوان رفع الظلم والقهر والاستبداد والتهديد بكل ألوانها وأشكالها وصورها ومظاهرها من أية مصادر جاءت أو كانت لكي يعيش الناس بأمن وتُفتَح أمام الأجيال القادمة كوى المستقبل بثقة وأمل.

دمشق في 3/9/2013

 

                                                                  علي عقلة عرسان