خبر ضبط النفس قوة -هآرتس

الساعة 09:19 ص|01 سبتمبر 2013

ضبط النفس قوة -هآرتس

بقلم: الوف بن

        (المضمون: تأجيل العملية الامريكية في سوريا كان ضروريا لاحتياج اوباما الى التأييد الداخلي والدولي، ولعله بالصبر يصل الى صيغة تنزع سلاح بشار الاسد دون أن يطلق صاروخا واحدا - المصدر).

        اتخذ الرئيس الامريكي براك اوباما القرار السليم باعلانه "عملية مع وقف التنفيذ" ضد سوريا. فقد أوضح بان القوات جاهزة والاهداف محددة ولكنه كسب وقتا لبلورة مخرج ليس بالقوة من الازمة. وفي الايام القريبة القادمة، في قمة العشرين الكبار في سانت بطرسبورغ، سيفحص الحائز على جائزة نوبل للسلام قدراته كدبلوماسي: فهل سينجح في أن يربط الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتسوية تعزز الاستقرار والامن في الشرق الاوسط. اذا حاول اوباما وفشل، فانه سيتمتع بالشرعية لعملية عسكرية.

        لقد كان التأجيل حيويا، وذلك لان اوباما يحتاج الى دعم داخلي ودولي بعملية موضع خلاف، أهدافها الإستراتيجية غير واضحة. وستسمح له المهلة الزمنية بالتدقيق في اهداف الحملة العسكرية وتجنيد المؤيدين لها. هذا ما روج له منذ ايامه الاولى في السياسة.

        في اسرائيل يعجبون بمن يسحبون السلاح بسرعة. وقد وصفت ترددات اوباما هنا كتعبير عن الضعف وانعدام الزعامة من جانب "القائد الاعلى". قادة الدولة والجيش الاسرائيلي ومعظم وسائل الاعلام حثوه على ان يضرب الاسد منذ الان والا ينتظر المزيد. والمرة تلو الاخرى اعيد الكليشيه من الفيلم "الطيب، الشرير والبشع" ("اذا كان لا بد ان تطلق النار، فتفضل، ولا تعذر")، وفي الغالب باقتباس غير دقيق. خسارة أن المشجعين والمتحمسين اكتفوا بمشهد واحد ولم يروا كل الفيلم الذي هو من الاعمال الفنية النقدية المناهضة للحروب على نحو اشد في تاريخ السينما. فلو أنهم شاهدوه حتى النهاية، لحصلوا على فكرة او اثنتين عن الغاء وانعدام الجدوى من الحروب، ولعلهم كبحوا قليلا جماح حماستهم..

        ان الحروب الناجحة تستوعب اعدادا سياسيا ودبلوماسيا جذريا، والا انها تتعقد وتطول عبثا او تنتهي باخفاق. وحتى في اسرائيل، حيث يقدس رد الفعل السريع على كل عملية وتهديد، كان الصبر مجديا دوما للزعماء الذين تبنوه. لقد سخروا من ارئيل شارون حين قال: "ضبط النفس هو قوة"، ولكن امتناعه عن ردود فعل حادة على العمليات في بداية ولايته سمح له بالانطلاق الى حملة "السور الواقي" في ربيع 2002 والحاق الهزيمة بالانتفاضة الثانية، متمتعا باجماع مطلق في الدخل وبدعم دولي واسع. خليفته ايهود باراك لم يتعلم الدرس، وبعد أربع سنوات من ذلك انطلق الى حرب لبنان الثانية بقرار لحظي. وكانت النتيجة انه جر الى عملية طويلة وفاشلة، فقد التأييد الجماهيري واضطر الى انقاذ امريكي كي يخرج من الوحل.

        الولايات المتحدة العظمى هي الاخرى، التي لا منافس لقدراتها العسكرية، نجحت في حروب استعدت لها (الحربين العالميتين، حرب الخليج) وأخفقت حين عملت دون حلفاء وفي ظل خلاف شديد في الداخل (فيتنام، العراق). يتبين ان حتى للقوة العظمى لا تكفي النوايا الطيبة ولا حتى القوة التكنولوجية والاقتصادية. فالحكمة وتجنيد المؤيدين هامان بقدر لا يقل. اوباما لم يعرض أمس صيغة دبلوماسية للخروج من الازمة السورية. لعله ينتظر مبادرات زملائه في قمة العشرين الكبار، ولعله في ظل الخطابات ذات نزعة القوة تجري قناة دبلوماسية سرية بين البيت الابيض والكرملين، مثلما في ازمة الصواريخ في كوبا في 1962. الصيغة المطلوبة تعتمد على نموذج قرار مجلس الامن 687، الذي أنهى حرب الخليج في 1991: بشار الاسد يبقى في كرسيه، وبالمقابل ينزع مراقبو الامم المتحدة عن سوريا السلاح الكيميائي والصواريخ بعيدة المدى. هذا لا يتخذ صورة جيدة مثل القصف وعواميد الدخان، ولكن التجربة العراقية تدل على أنه لا يوجد طريق افضل لازالة "الوسائل الخاصة" من ايدي دكتاتور يذبح الجماهير.

        هذه الصيغة يتعين على اوباما ان يبيعها لبوتين. هذا لن يكون بسيطا: فخلافا لصدام حسين في 1991، الاسد لم يضرب في المعركة، وجيشه لم يتفتت. فهل التهديد الحالي باطلاق الصواريخ من البارجات يكفي كي يتخلى عن ذراعه الاستراتيجية؟ واذا رفض، فهل سيستسلم بعد الهجوم الامريكي؟ هذه أسئلة ستشغل بال اوباما في رحلته هذا الاسبوع الى روسيا. اذا نجح في نزع السارين والـ في إكس السوري دون أن يطلق صاروخا واحدا، فانه سيخرج عظيما مثل جون كندي في الأزمة الكورية. كان محظورا عليه أن يتخلى عن هذه الامكانية، ولهذا فانه لم يستمع الى المتحمسين واختار العملية المؤجلة التي تفسر كانذار للاسد ولبوتين. الكرة الان في ايديهما.