خبر الشام .. وسني العرب العجاف ..علي عقلة عرسان

الساعة 03:14 م|30 أغسطس 2013

كنا نقول قبل سنوات عجاف مضت إن سياسات الدول العربية ومواقفها وبعض انعكاسات ذلك في مرآة جامعتها قد بلغت قعر الحضيض في التردي، وأنه ليس بعد هذا الحضيض من حضيض.. وعندما تصل الأوضاع العربية إلى درجة من التدني في السياسات والممارسات ليس بعدها درجة سقوط فإن هذا يعني ألا بد من صعود، أو من استقرار ما عند درجة الحضيض ـ القعر تلك.. إلا أن السنوات الثلاث الأخيرة أثبتت أن ما وصلت إليه العلاقات والأوضاع العربية وأشكال الاستعداء الداخلي والخارجي والتبعية العمياء والعمه شبه المطلق الذي يقوم فيه عرب بقتل أنفسهم وإخوتهم وتمويلهم لمن يقتلهم ورفعه منقذاً وسيداً.. يجعلنا ندرك أنه لا يوجد في الحياة السياسية العربية قعر للحضيض ولا درك أدنى للسقوط، وإنما هناك هاوية بلا قرار يتردى فيها من يتردى منهم من دون استشعار للتردي ولا تبصر بالكارثة التي تولد كوارث وتبقى ذات رحم ولود.

بالأمس القريب كانت ليبيا في عين عاصفة التردي العربي وزفّتها الجامعة عروساً للناتو مع دفع التكاليف عربياً وليبياً، وقبلها كان العراق، واليوم سورية، وعلى جدول أعمال العرب المعنيين بالتهلكة دول وجيوش عربية قيد الإضعاف أو التدمير ليتربع الصهيوني والخراب من بعد ذلك سيداً وسنداً وخليفة في بلاد العرب. إن سورية اليوم في عين العاصفة، وفي الوقت الذي يحاول فيه بعض الغربيين تبين المصالح والمقاصد والنتائج وهم يحشدون القوة ويكونون التحالفات لشن حرب على سورية تستهدف الدولة والجيش والبنى الرئيسة للبلاد، في هذا الوقت يستعجل بعض العرب توجيه الضربات القاصمة لدولة هي عماد الوعي القومي والمنذور لمقاومة المشروع الصهيوني، ويتولى " سوريون" تقديم لوائح بالأهداف والمعلومات عن المواقع الحيوية للجيش العربي السوري والدولة السورية ويغذون بنك معلومات العدو بما يحتاج إليه لتحقيق أهدافه، وينخرطون في أعمال تآمرية ـ عدوانية لا تكاد تجد وصفاً لها يقدمها للتاريخ القادم في السجل العربي البائس لأشكال السقوط وأبعاده كافة. إن سورية المستهدَفة ستدافع عن نفسها ضد العدوان الصهيوني ـ الغربي ـ العربي والتآمر والخسة بما ملكت، وجيشها سيدافع عن شرفه، والمناخ الشعبي العام يجعل كثيرين من السوريين الذي أكلتهم نار الحرب, المستمرة على الأرض السورية منذ ثلاثين شهراً, يفكرون بوطنهم وقيمهم وكرامتهم على نحو مختلف عما كان حين يرون أساطيل الغرب تحتشد لتدمر بلدهم وتلحقها بركب التبعية للصهيونية والاستعمار.. صحيح أن جراح السوريين عميقة مما جرى ويجري، وأن ضيقهم بالدم والقتل والدمار بلغ حدوداً لا يمكن تخيلها، وأن بعضهم دخل النفق المظلم في نظرته للسوري الآخر الشريك في الوطن والمواطنة والإرث الحضاري العريق.. ولكن حين يتعلق الأمر بعدوان صهيوني ـ غربي مباشر على بلدهم وشعبهم وتاريخهم فإن إرادة من نوع فريد تتجلى في وعي وفعل وطنيين يتجهان إلى رد العدوان والتصدي للحقد والعنصرية الصهيونية والهمجية، وتبرز روح أخرى إلى الوجود تقدم تضحيات وبطولات ومواقف وطنية خلاقة لم تكن بحسبان أحد من المعتدين والضالعين في التآمر ومن يضعون خططهم ويجرون حساباتهم على أسس مغلوطة. سورية ستقاوم وسوريون كثر سيولدون من رحم المأساة وعلى أبواب التحدي بروح مختلف وعزم متجدد ورؤى مغايرة.. وسورية ليست وحدها في تصديها للعدوان.. وعلى وقع صمودها واختيارها لعدم الاستسلام، مهما كبرت قوة المعتدين, ينمو نبض شرائح شعبية عربية واعية ويرتفع النبض وعياً ومقاومة ورؤية جديدة قد تقوض السياسيات العربية البائسة والبنى التنظيمية التي غدت مفلسة ومدانة ومتواطئة مع أعداء الأمة، ومنها جامعة الدول العربية. ويلتقي النبض الشعبي العربي السليم مع نبض أحرار كثر في العالم يرفضون الهمجية التاريخية للعم سام وحلفائه وشركانه ويرفضون سياسة التلفيق والتزوير والتشويه المتبعة لتدمير دول وشعوب، ويتصدون لحرب المستعمرين القذرة على سورية الدولة والشعب وعلى غيرها من ضحايا التارخ الأسود للقوة الإمبريالية المتوحشة.

في دمشق كما في سورية كلها حياة ومعاناة، وهناك قلق مشوب بشجاعة وشجاهة مشوبة بقلق.. وهناك شعور وطني وقومي يتفتح كأنما ما كان في ميسلون قبل ما يقرب من تسعين سنة مضت يعود بإقاع مختلف.. ولدى كثيرين استعداد لكل الاحتمالات.. الحياة تستمر، ومن يبحث عن مأمن خارج البيت الوطن لا يجد إلا الخوف وربما الندم,, فالبيت المأمن هو الوطن الآمن.. لسنا من جنس مغاير للبشر لا يعتمل في أعماقه كل ما يعتمل في نفوس البشر إبان الأزمات والتهديد وتكالب المفترسين على حياة المسالمين ومصالحهم.. نحن بشر ولكن فينا إحساس عارم بأهمية أن يواجه المرء القوة الغاشمة حتى لا يموت رخيصً أو يستقر تاريخاً في الجبن والعار والقهر.. ولذا نشعر بمشاعر غنية ومتضاربة وعميقة في دمشق التي نحبها، نغني لها ونطرب معها ذاك الطرب الذي في جوهر اللغة يحمل الفرح أو الشجن.. فالطرب لغةً يحمل المعنيين.. ولذا نغني ونحزن ونثور وتتغاشانا مشاعر منها الفخر والظلم والعزة والسرور.. ونقول للشام ونقول فيها:

 

حبُّك الطهرُ، لا يُطهِّر القلبَ إلا

 

 

حبُّ الشآم والكتابُ المبينُ

من تراه يستبدل الطهرَ بالإثم

 

 

إلا فاسدُ الروحِ مفسِدٌ ولعينُ

يا بلاد الشآم بارك اللهُ

 

 

مبصرَ القلب، يفتدي ويعينُ

ما أنا في حماك إلا مقيمٌ،

 

 

فاقدُ الحول، ثاكلٌ، وسجينُ

قيدُه في الفؤاد قعقعةُ الروحِ

 

 

على شائك من الحديد يبينُ

صدئ القيدُ في الفؤاد هبيني

 

 

يا شآم الكرام عتقاً يَزينُ

 

 

كسِّري القيدَ يا شآم، فقيدي

 

 

صمتُك الموتُ، والرجاءُ الظَّنينُ

كسِّري القيدَ ليس يبني صروحاً

 

 

مثقلُ النفس بالهوانِ، طعينُ

لستُ ممن يطلبون رغدَ العيش

 

 

رغدُ العيشُ صهوةٌ وعرينُ

كسِّري القيدَ، واهمٌ من تحدَّى

 

 

عزَّةَ الشامِ، واهمٌ وهجينُ

ليس يدري أنها جذوةُ العُرب

 

 

وكلُّ ما في أوهامِها اليقينُ

قد يطيف السوادُ بالأفق الرحب

 

 

وتبقى شموسه حورٌ وعينُ 

         

ونأسى عليها ونبكي في حضنها منها وعليها، فتحن علينا وتمد كف الحنان والرحمة لتمسح الوجع مع الدمع من القلب والعين ولكن ظلال الموت ترافق الكف وتبعث فينا التمرد على الشقاء ومن يسبب الشقاء..

 

عَامت فقاقيعُ دهرٍ شابَه الوشبُ

 

 

وغابَ عن أرضنا الأحبابُ والطرَبُ

وصار كلُّ ما فينا مواجعُنا

 

 

وراح شعبٌ على الأطلال ينتحبُ

وضاقت الأرض بالشكوى ومَن قُتلوا

 

 

والقاتلين، وسيلِ الدَّمِ ينسربُ

في كل شِعبٍ نجيعٌ من أشاجِعنا

 

 

في كلِّ قلبٍ حِرابٌ، والمدى خَرِبُ 

يا ناشرَ الموت في أرض الشآم كفى

 

 

شُلَّت يمينُك، لن يُقضى لكم أرَبُ

الشآم خصبٌ، مواعيدٌ، وأفئدةٌ 

 

 

نبعُ الحياة بها والمجدُ والحسبُ

 

 

والشام أرض الكفاءات التي شمَخت

 

 

تَغْوى العقولُ ويبقى عقلُها الأرِبُ

إن الشآم ربيعٌ غير ذي دِمَنٍ

 

 

يفنى الأنامُ ويبقى أهلُها العرَبُ

يا ناشرَ الموت في أرض الشآم كفى

 

 

شُلَّت يمينُك، لن يُقضى لكم أرَبُ

         

نستطيب كل ما يميز الشام ويعطيها نكهة وصبغة خلاق، نحبها نحب لثغ صغارها وجمالها ووأهلها وطيب العيش فيها.. ونقول لها أيضاً ونقول فيها:

 

وما ظني كسكنى الشام سكنى

 

 

تَرى في أهلها أهلاً كراما

إذا ما صافحوك فدفءُ قلبٍ 

 

 

وصفوُ النور مع عَرف الخزامى

ويلقاك الصديقُ ببشرِ أمٍ

 

 

ويحمي ظهركَ  المُردُ النَّشامى

يعزّ نزيلُها ويطيب عيشاً

 

 

ويبقى بالمودة مُستهاما

أمانٌ وابتسامٌ والتزامٌ 

 

 

بأخلاقٍ على الأسمى تَسامى

وإذ ما فتَّحَ النوَّار فيها

 

 

رأيتَ الكون بستاناً ترامى

 

 

تبسَّمُ فيه غزلانٌ حسانٌ

 

 

بزهوِ الوردِ يلقينَ السلاما

وتحضنُ فيه أهدابُ قلوباً

 

 

ويخضرّ الزمان مع الندامى

تهيم بعشق أرض الشام، تهوى

 

 

مرابعَ تستطيب بها المُقاما

ألا يا شام فليهنأ نزيلٌ

 

 

بأرضٍ أهلُها عزمٌ تنامى

ألا يا شام وليبقَ حماك

 

 

حمى الأحرار، ولتبقَيْ سَناما

         

 

دمشق في 30/8/ 2013

 

علي عقلة عرسان