خبر « لن نوافق حتى ولا على مستوطنة واحدة ».. معاريف

الساعة 10:52 ص|30 أغسطس 2013

بقلم: آساف جبور

(المضمون: ابو علاء يتصور جسرا بين غزة والضفة ولا يتأثر برفض نتنياهو للسلام ويستصعب فهم العناد الاسرائيلي في موضوع القدس. ابو علاء الذي شهد المفاوضات السياسية في العقود الاخيرة عن كثب لا يزال يتمسك برؤيا اوسلو ويدعي: "في سوريا فظيع، ولكن في قلنديا ايضا" - المصدر).

في عمر 76 سنة توجد مسائل عديدة على طاولة أبو علاء – هو احمد قريع. هو عضو المجلس التشريعي لفتح، يترأس دائرة القدس عن منظمة التحرير ويعالج جملة مواضيع تتعلق بالمفاوضات. في مكتبه الذي في أبوديس ينكب أبو علاء، رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، على وثائق تعنى بشؤون القدس. في يد يحمل كومة أوراق مكثفة وفي يد اخرى نظارتيه. وهو يرفع الرأس نحونا، يقف ويستقبلنا.

أبو علاء، من مهندسي اتفاق اوسلو، على علم بحقيقة أن الاتفاق بعيد عن التحقق، ولكنه يعرب عن الأمل بالنسبة للمحادثات الحالية. "أنا حزين جدا أنه بعد عشرين سنة منذ التوقيع على اتفاق اوسلو، الاتفاق الذي كان يفترض أن ينفذ في غضون خمس سنوات – اختفى"، يقول أبو علاء. "التواقيع التي أسندتها الأسرة الدولية، الدول الاوروبية والبيت الابيض، بدأت تبهت، في الوقت الذي على الأرض يأخذ الحل في الابتعاد".

ومن المذنب في ذلك؟

"أعتقد بأن السبب هو أن المجتمع في اسرائيل لا يوافق بينه وبين نفسه عن حل اعطاء دولة مستقلة للفلسطينيين، عاصمتها القدس. في هذه الاثناء فانها تأخذ المزيد فالمزيد من الاراضي الفلسطينية وتنتهك حقوق اخرى للفلسطينيين حتى لا يبقى ما تعطيه للفلسطينيين كدولة. هذا خطأ كبير. الفلسطينيون لن يتخلوا عن حقوقهم الكاملة – لا اليوم ولا بعد جيل. ورغم أن اسرائيل توسع المستوطنات، فان الزمن لا يعمل في صالحها. أدعو اسرائيل الى السعي بسرعة الى السلام. اذا حلت اسرائيل مشكلتها مع الفلسطينيين، اللبنانيين والسوريين، فلن يكون أي سبب لأن تبقى عدو المنطقة. أكثر من 52 دولة اسلامية أعلنت بأنها ستعترف باسرائيل اذا ما حلت المشكلة الفلسطينية".

الادعاءات بأن بنيامين نتنياهو غير معني باتفاق سلام، ولا يعتزم حل النزاع الاسرائيلي الفلسطيني لا تؤثر على أبو علاء. "نحن كفلسطينيين لا نتفاوض مع نتنياهو، اولمرت، شارون، رابين أو بيرس كأناس. نحن نتحدث معهم كممثلين للموقف الاسرائيلي وكأصحاب القرار"، يقول كمن ترأس الفريق الفلسطيني المفاوض حيال اولمرت وباراك. "نحن لا نميز بين اولمرت، نتنياهو أو باراك، كيف يحتمل أن ليس لاسرائيل موقف مرتب وموحد في موضوع هام واستراتيجي كهذا، يؤثر على علاقات اسرائيل تجاه المنطقة بأسرها؟.

"موضوع المستوطنات مثلا: كل العالم يعتقد أنها غير قانونية، الولايات المتحدة ترى فيها غير قانونية، وكذا الاتحاد الاوروبي والدول العربية. فلماذا اذا تواصل اسرائيل البناء هناك؟ في سيناء اسرائيل دمرت المستوطنات. شارون في قطاع غزة دمر المستوطنات. في الجولان – أعرف من القيادة الاسرائيلية أنه في المحادثات مع السوريين تحدثوا عن ترك المستوطنات، وأنا أتحدث عن أكثر من رئيس وزراء اسرائيلي واحد. كلهم وافقوا على أن تعود المستوطنات في الجولان الى سوريا، وبالتالي فاني اسأل المجتمع في اسرائيل والحكم في القدس: اذا كانت اسرائيل دمرت المستوطنات في سيناء، في غزة، وأوشكت على تدمير المستوطنات في هضبة الجولان، فلماذا لا تخلي المستوطنات في الضفة، اذا كانت تريد السلام؟".

برأيك، اسرائيل تستخدم المفاوضات لكي توسع المستوطنات؟

"اسرائيل تواصل كل الوقت ببناء المستوطنات، مع المفاوضات وبدونها. نحن فهمنا هذا، ولهذا استأنفنا المفاوضات انطلاقا من موقف واضح بأن من ناحيتنا نحن لا نقبل التواجد حتى ولا لمستوطنة واحدة. اذا كانوا يريدون السلام – اذا بدون مستوطنات. واضح لنا بأن السياسة الاستراتيجية للحكومة الحالية في اسرائيل هي توسيع المستوطنات واستمرار البناء هناك. هذا ما يحصل عمليا كل يوم. العالم قال لاسرائيل أن توقف البناء. اوروبا اتخذت أفعالا كي تضغط على اسرائيل في موضوع البضائع من المستوطنات. بالتوازي مع الافعال، أوضحت اوروبا بأن من ناحيتها هذا خط احمر – هذا خط الحدود بين اسرائيل وفلسطين. ورغم كل هذا، لم توقف اسرائيل البناء في المستوطنات وردت على هذه الدعوات بالاعلان بأنها تعتزم بناء أكثر من ألف وحدة اخرى في المستوطنات".

اذا قد يكون الفلسطينيون اخطأوا في أنهم دخلوا الى المفاوضات منذ البداية؟

"المفاوضون الفلسطينيون وصلوا الى طاولة المباحثات بموقف واضح: في نهاية المحادثات سنحصل على دولة فلسطينية في حدود 1967 عاصمتها القدس، وحل مسألة اللاجئين الفلسطينيين. هذا هو الموقف الفلسطيني. المستوطنات هي موضوع ليس مقبولا من ناحيتنا".

 

مشروع فك الارتباط المسحوب

من تولى بين اعوام 2003 – 2006 منصب رئيس الوزراء الفلسطيني يتذكر حديثا كان له مع نظيره الاسرائيلي، اريئيل شارون، في موضوع امكانية دولة واحدة للشعبين. "أذكر أني تحدثت مع اريئيل شارون عن امكانية أن نعيش نحن، الفلسطينيين، تحت حكم اسرائيلي وأن الرئيس، رئيس الوزراء ورئيس البرلمان، يكونا اسرائيليين. وقد ألغى فكرتي عندها بايماءة يد وقال إنه يعرف أنه بعد اربع سنين سيأتي الفلسطينيون ويطلبون باسم حقوق الانسان حقوقا انتخابية وغيرها من الحقوق. برأيي، شارون لم يتطلع الى دولة واحدة للشعبين، أراد ببساطة أن يتخلص من الضفة مثلما فعل في قطاع غزة. وقد بدأ ببناء الجدار وفكر بحلول مشابهة لانسحاب من قطاع غزة. هو لم يقل لي هذا صراحة، ولكن هذا ما فهمته من أقواله ومن أفعاله".

أنت ترى واقعا يعود فيه لاجئون فلسطينيون من لبنان ومن سوريا الى تل ابيب؟

"هذا موضوع يُبحث الآن وبُحث في الماضي. نحن نريد الوصول الى وضع يكون فيه خيار للاجيء الفلسطيني. أن نسأل كل واحد منهم: ماذا تريد – هل تريد البقاء في مكان اقامتك اليوم أم تعيش في مكان آخر؟ هل تريد العودة الى السلطة الفلسطينية؟ هل تريد العودة الى اسرائيل؟".

وماذا عن القدس؟

"القدس هي مشكلة المشاكل. لأسفنا، اسرائيل لم تصل الى قرار بالنسبة للقدس. لا حل في موضوع القدس بشكل عام. أنا لا أفهم ماذا يقصدون حين يتحدثون عن تقسيم القدس. عمليا، اليوم توجد القدس الشرقية والقدس الغربية. النماذج للحلول متنوعة، ولكن لا توجد أي امكانية ألا تكون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين. أحد لا يمكنه أن يكون مرنا في هذا الموضوع. القدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية".

والحرم؟

"المسجد الاقصى سيكون في أيادٍ فلسطينية، ونحن سنتعاون مع باقي الأديان، المسجد الاقصى يوجد في القدس أم في العراق؟ واضح أنه في القدس"، أبو علاء يضحك.

حسب التقاليد اليهودية، كان يوجد الهيكل.

"يكفي هذه القصص التي تُروى لآلاف السنين. يجب التقدم وحل المشاكل الموجودة اليوم. محظور على اسرائيل ان تحاول أن تحتل بالقوة مكانا حسب القصص قبل ألفي سنة كان فيه مكان مقدس. يوجد خلاف يجب حله. اذا كنتم تريدون أن يُحل الموضوع بطريقة سلمية، نحن معنيون. اذا كنتم تريدون محاولة حل الخلاف بالقوة، أقول لكم انكم لن تنجحوا".

ماذا بالنسبة للدولة الثالثة – دولة حماس في قطاع غزة؟

"نحن نعتزم أن تكون غزة جزءً من الدولة الفلسطينية. تحدثنا في الماضي عن معابر أمنية، قنوات وجسور تربط الدولة الفلسطينية في الضفة وفي غزة. ومنذ اتفاق اوسلو تحدثنا عن طريق يربط الضفة بغزة، من جنوب قطاع غزة عبر البحر الميت الى أريحا".

وماذا عن الجسر بين حماس وفتح؟

"هذا موضوع فلسطيني. يوجد الكثير من زوايا النظر والآراء، ولكن هذا موضوعنا وفي نيتنا حله. الشعب الفلسطيني يريد سلاما شاملا حقيقيا. حماس قالت إنها توافق على دولة فلسطينية. المشكلة هي ليست في الموقف الفلسطيني، المشكلة هي في الموقف الاسرائيلي. في اسرائيل لا يريدون السماح بحقوق الشعب الفلسطيني رغم الموقف الدولي ورغم أن اسرائيل نفسها موقعة على اتفاقات في موضوع داتفاق اوسلو".

مشاكل اقليمية

التلفزيون في مكتب أبو علاء يبث صورا عن الاستعدادات لهجوم في سوريا وجثث الاطفال الذين اختنقوا بالسلاح الكيميائي.

هل تعتقد بأن وضع الفلسطينيين جيد مقارنة بالعرب في سوريا، في مصر أو في العراق، حيث يُقتل بين عشرات ومئات المواطنين تقريبا كل يوم؟

"واضح أن وضعهم في الدول العربية معقد الآن. في مصر كانت ثورة ثانية، ونحن نأمل أن يكون الطرفان هناك في الطريق الى استقرار الازمة. في سوريا الموضوع آخذ في التعقيد. نحن نأسف جدا لرؤية الصور التي تأتي من سوريا، من مصر ومن العراق. هذا يؤلمنا ونحن نشجب كل استخدام للسلاح الكيميائي، ولكن بنفس القدر نحن نأسف ايضا لرؤية القتلى في قلندية الاسبوع الماضي. اذا كنت تتوقع ان أشكر اسرائيل على الأمن الذي تمنحه لي، فيؤسفني أن أُخيب أملك. على ماذا أشكر، على الاحتلال وسرقة اراضينا؟ على الحواجز، على القتلى الفلسطينيين بنار قوات الجيش الاسرائيلي؟ أنا آسف، ولكني لا أشكر".

هل ­تتفهم النية الامريكية للهجوم في سوريا؟

"أجريت حديثا مع بعض الجهات الامريكية العليا في الايام الاخيرة كي أستوضح المنطق من هجوم محتمل في سوريا. لم أتفهمهم. قالوا لي إن ادارة اوباما غير معنية بهزيمة النظام في دمشق بل فقط المس به. سألتهم ولم أتلق جوابا كافيا، كيف يمكنهم أن يتحكموا بهجوم نهايته ستمس فقط بشكل شديد بالحكم ولن تهزمه؟ توجد أهداف مكتوب عليها "اسقاط النظام" واخرى مكتوب عليها "مس بالنظام"؟ هذا غريب في نظري".

ماذا ستكون آثار الهجوم في سوريا؟

"كل الأقاويل عن هجوم في سوريا وعن البدائل السلطوية تؤدي الى عدم الاستقرار هناك. ينبغي الفهم بأن أهمية سوريا في المنطقة جد مركزية. يمكن أن نشبه سوريا بالحبل السري للشرق الاوسط. اذا تفجر، فان كل المنطقة ستتفجر. سوريا تؤثر بشكل كبير على لبنان، على الاردن وعلى العراق. تركيا ايضا تعرف بأن تحول سوريا الى وعاء ضغط اقليمي سيؤثر عليها بشكل مباشر".

هل هذه حرب دينية؟

"الكل يفهم بأن ما يحرك معظم المواجهات في المنطقة الآن هي المواجهة الدينية الداخلية بين المسلمين الشيعة والسنة. توجد مجموعة تريد أن تقيم "خلافة اسلامية"، حكم اسلامي، واستخدام الدين لتحقيق القوة والسلطة. معظم المسلمين، الذين هم اغلبية العالم اليوم، يفهمون بأن للدين مكانا محترما، والحكم يجب أن يُدار بطريقة سياسية مع إشراك عناصر الدين".

هل الأحداث في العالم العربي تدحر الموضوع الفلسطيني؟

"هذا  واضح . نحن نتأثر بما يجري في سوريا وفي مصر. التطورات من حولنا اشكالية جدا، ولكنها تؤكد حقيقة أنه يجب حل المشاكل الاقليمية، والمشكلة الاقليمية المركزية هي علاقات الدول العربية واسرائيل، حيث يشكل النزاع الفلسطيني لب الخلاف. حل هذه المشكلة سيؤثر بشكل ايجابي على كل المنطقة.

"من جهة نحن نتأثر بالمنطقة، ولكن من جهة اخرى نؤثر عليها ايضا. اتفاق سلام بين الفلسطينيين واسرائيل سيؤدي الى روح ايجابية في المنطقة كلها وفتح ابواب جديدة من الامل. رغم المشاكل في العالم، الموضوع السوري، المصري، السعودي والاردني لن يغير المشكلة الفلسطينية. فهي ستكون دوما هناك".

يرتاح ابو علاء في كرسيه وخلفه صورة المسجد الاقصى، علم فلسطين وصورة عائلية. "يوجد لي خمسة ابناء"، يقول. "كل واحد منهم جلب لي ثلاثة احفاد – بالاجمال 15. ولكننا فقط في البداية. نحن نبني حياتنا بأنفسنا ونحرص على مستقبل اطفالنا".

هل انت متفائل بالنسبة للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني؟

"دوما يجب الحفاظ على الامل، فهو الذي يعطينا القوة للحياة".