تحليل مفاوضات تحت نيران الاغتيال والاستيطان

الساعة 02:13 م|29 أغسطس 2013

تحيليل - مركز أطلس للدراسات

يختلف الفلسطينيون في تفسير دوافع واهداف الارهاب (الإسرائيلي) المنفلت اغتيالا واستيطانا , يختلفون بصدق، ومن حقهم ان يرتبكوا في قراءة دوافع الممارسات الإرهابية المسعورة في ظل المفاوضات التي ولدت بعد عسر مخاض طويل , فهل ما يحدث هو رغبة (إسرائيلية) في تفجير المفاوضات؟. الامر الذي يطرح تساؤلا اخر: أوليست المفاوضات بصيغتها الحالية مصلحة (إسرائيلية)؟.  ام انها كما يقول اخرون استثمار وتوظيف للمفاوضات باعتبارها غطاء يمكن ان يمرر من تحته المزيد من مشاريع الاستيطان واعمال الاغتيال والاعتقال والمداهمات. وسنجد من يرد على ذلك بالقول ان الاستيطان وكل اشكال الممارسات الاحتلالية كانت قبل المفاوضات ولم تتوقف للحظة.

 المفاوضات بصيغتها السياسية الحالية  وبدون تجميد الاستيطان او لجم ممارسات المستوطنين وقوات الاحتلال  هي مصلحه (إسرائيلية) سعى اليها نتنياهو كثيرا وجند لها كل ممكنات الضغط على السلطة دوليا وعربيا بما في ذلك الابتزاز المالي. فالمفاوضات على طريقة نتنياهو وبشروطه على الاقل في مرحلتها الاولى حتى نوفمبر يستغلها نتنياهو في توظيفها في اطار حملة علاقات عامه على المستوى الدولي، وتمنحه فرصة تجاوز سبتمبر موعد الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة.  وتفيده في تجميد أي تقارب فلسطيني فلسطيني وفى انتزاع موافقة عملية بقبول التوسع الاستيطاني , علاوة على تعميق العلاقة بين مشروع السلطة ودولة الاحتلال مما يزيد عملية تآكل الرصيد الوطني لقيادة السلطة ويجعلها اكثر ضعفا واهتزازا على المستوى الشعبي مما يجعلها اقل جرأة على تحدى الاحتلال.

 الا ان ما يحدث من تغول استيطاني غير مسبوق كما ونوعا  له علاقه على الارجح ببعض اجنحة حكومة نتنياهو وجزء منه مرتبط برسائل وتوجهات رسميه من نتنياهو, ولإيضاح الامر اكثر نقول , اننا نعتقد ان اطرافا في حكومة نتنياهو لا تتفهم ولا تريد ان تفهم دوافع نتنياهو للذهاب للمفاوضات وهى ترى في ذلك اشارات باتجاه تبنى افكار الوزيرة " لفنى" وما يسمونه بتوجهات اليسار السياسية , وبحكم ما تمثله هذه الاطراف من اجندات ومن تمثيل سياسي  للمستوطنين  ومن اهم اقطاب هذا الاتجاه حزب البيت اليهودي بزعامة بينت ومن بين اعضاءه  المستوطن "اوري ارييل" وزير الاسكان وينضم إلى هذا اللوبي الكثير من وزراء الليكود وعلى رأسهم وزير الحرب "يعلون".

 هؤلاء عبروا علانية عن عدم ارتياحهم ورضاهم عن المفاوضات حتى بالصيغة الراهنة ,لذلك فهم يسعون جاهدين وبشكل محموم لإقرار وتنفيذ المزيد من مشاريع البناء الاستيطاني  لأهداف أيديولوجية واخرى حزبيه داخليه وايضا بهدف افشال المفاوضات التي يعتقدون انها تهدد في حال استمرارها او نجاحها الجزئي مشروعهم الاستيطاني الكبير.

 اما "يعلون" وزير الحرب فلا يكتف بدعم عربدة  المستوطنين والتغطية على عصاباتهم الارهابية ( تنظيم تدفيع الثمن ) بل يبدو واضحا انه يسعى لإرسال المزيد من الرسائل الإرهابية الدموية  للفلسطينيين عبر تكثيف المداهمات والاقتحامات والقتل. مثلما حدث في مخيم قلنديا وسيحدث لاحقا في مخيمات ومدن اخرى في الضفة  دونما أي اكتراث بالمفاوضات وربما بسببها.  اما نتنياهو الذي يغتبط قلبه ومزاجه بمشاريع الاستيطان واعمال القتل يجد نفسه مرتبكا نوعا ما بين قناعاته وعواطفه من جهة وبين سياساته الرسمية من جهة ثانيه وبين تكتيكاته التفاوضية ( فرض الاستيطان ومحاربة الارهاب كأمر واقع في ظل المفاوضات دون  الوصول إلى التفجير ) من جهة ثالثه.

 وعليه نجد اجماعا إسرائيليا رسميا إلى حد ما باستثناء بعض الاصوات الهامشية في حكومة نتنياهو، اجماعا على استمرار الاستيطان وبوتائر عالية  واجماعا على مساندة الجنود وتقديم كل الدعم لهم في ما ينفذونه من قتل وبطش بحق الفلسطينيين.

 ان ما يثير الاستغراب والدهشة يكمن في القبول الفلسطيني باستمرار جولات المفاوضات تحت نيران الاغتيال وتغول الاستيطان , فإن كانت السلطة وافقت على التفاوض دون تجميد الاستيطان استنادا إلى وعد امريكي بالضغط على نتنياهو بتخفيفه منعا لإحراج السلطة ,   فإن اقامة مستوطنة "لشيم" تعتبر تطورا خطيرا وغير مسبوق منذ سنوات , حيث عمل المستوطنون في السنوات الأخيرة على بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية داخل المستوطنات القائمة , اما "لشيم" فهي مستوطنة جديده يخطط ان تتسع مستقبلا لأربعمائة وحده استيطانيه , كما ان اغتيال الشهداء الثلاثة في مخيم قلنديا واستمرار اعمال الاحتلال والقمع والملاحقة هي عمليا اسـتغـوال على الشعب والأرض والسلطة، لا يوجد معها أي مكان للتردد في وقف المفاوضات وليس تعليقها او تجميدها.

 ان استمرار المفاوضات  تحت نيران الاغتيال والاستيطان يمس بشكل كبير بكرامة الشعب وقيادة السلطة ومؤشر على الضعف والاستسلام والخنوع , فالسلطة وقيادتها مطالبة لمصلحتها هي اولا، لتحافظ على ما تبقى لها من شرعية وطنية وللمحافظة على النسيج الوطني الفلسطيني وعلى سلامة صحة المجتمع الفلسطيني وطنيا ونفسيا , مطالبة بوقف المفاوضات , ولديها اسباب كافيه ووجيهة لتحمل الاحتلال مسؤولية افشال المفاوضات عوضا عن استمرار انزلاقها داخل نفق مظلم لن يحمل في نهايته الا المزيد من التحطم الذاتي والفشل السياسي.

 الم يشترط شارون على السلطة وقف ما اسماه بالإرهاب الفلسطيني وقفا تاما للدخول في المفاوضات السياسية , ولاحقا تبنى بوش في خريطة الطريق موقف شارون حيث كانت الأولوية للمباحثات الأمنية وتم تأجيل الشق السياسي إلى ان تتمكن السلطة من وقف (الإرهاب).

 يمكن ان نفهم ان شعوبا فاوضت اثناء اطلاق النار ولكنها كانت نيران المقاومة وليست نيران من جانب واحد , نيران الاحتلال.  لكن ما يحدث في الضفة هو اطلاق يد الاحتلال على الارض والشعب  دون مراعاه لكرامة الشعب وقدرته على الصبر والتحمل ودون مراعاة لمسؤوليات السلطة الوطنية تجاه من تسلب منهم حياتهم وحريتهم ومصدر قوتهم وكرامتهم , والابشع من ذلك ان نساعد المجرم في التملص حتى من ادانة بسيطة، ونمنحه صورة رائعة بالوان زاهيه لمفاوضين كتب تحتها زورا (يصنعون السلام ).