خبر هجوم لا مفر منه- هآرتس

الساعة 09:46 ص|29 أغسطس 2013

هجوم لا مفر منه- هآرتس

بقلم: آري شبيط

        (المضمون: لا مفر من أن تعمل الولايات المتحدة في مواجهة الاسد لتُبين له ولغيره من أشباهه أن جنونهم وإقدامهم على استعمال السلاح غير التقليدي لن يمرا بلا عقاب - المصدر).

        قد تكون لهجوم امريكي على سوريا آثار قاسية. فليس من الممتنع أن يورط الولايات المتحدة في صراع طائفي سوري داخلي الولايات المتحدة غير مهتمة بأن تحشر نفسها فيه. وليس من الممتنع أن يُحدث أزمة دولية مع القوتين الكبريين المعاديتين لامريكا، الصين وروسيا. وليس من الممتنع أن يجعل بشار الاسد يعمل بصورة غير عقلانية موجها عمله على بعض جاراته الموالية للولايات المتحدة. إن احتمال أن تهاجَم اسرائيل منخفض واحتمال أن يشتعل الشرق الاوسط منخفض، لكن حينما تُستعمل القوة في داخل حاوية البنزين الاقليمية فانه لا يُعلم ماذا تكون النتيجة. فينبغي عدم العمل في عجلة وتسرع، وينبغي الاستعداد مسبقا لحدوث غير المتوقع.

        ومع ذلك كله فان الهجوم الامريكي المتحدث عنه هو هجوم لا مفر منه. لا مفر لأننا بشر، ولا نستطيع لكوننا كذلك أن نتنحى جانبا حينما يُقتل بشر آخرون بسلاح كيميائي. ولا نستطيع أن نجلس مكتوفي الأيدي ونحن نرى النساء والاولاد القتلى في شرقي دمشق. فقد سكت العالم ما يكفي حينما قُتلت نساء أخريات واولاد آخرون، ولم تُقلع القاذفات الامريكية. ولن يكون هذا بعد الآن. قالت الروح الدولية بعد الحرب العالمية الثانية إنه لا عودة الى سيناريوهات رعب قتل شعب وإماتة بالغاز. وإن هذه الروح تُمتحن الآن. فعدم العمل في هذا الوقت بازاء هذه المشاهد الفظيعة سيكون بمثابة فقدان صورة الانسان. ولا تستطيع الولايات المتحدة باعتبارها قوة من القوى العظمى اخلاقية ألا تعمل في مواجهة قاتل الجموع من دمشق.

        ولا مفر لأن النظام العالمي هوجِم. بعد انتهاء الحرب الباردة أصبح العالم عالما عولميا واحدا. وافترض هذا العالم أننا جميعا يرتبط بعضنا ببعض اقتصاديا وأننا جميعا نتقاسم قيما مشتركة وأننا جميعا نخضع لمنظومة قواعد أساسية واحدة. وأصبح المجتمع الدولي والقانون الدولي والقضاء الدولي مراسي نظام دولي مكّن السوق الدولية من العمل على نحو دفع قدما بمسارات نمو وقيم حرية في أنحاء المعمورة كلها. وحينما أطلق الاسد قذائف كيميائية على شرق دمشق وقتل مواطنيه حطم القانون الدولي والقضاء الدولي وأفرغ مصطلح "المجتمع الدولي" من مضمونه.

        ولهذا يجب عمل شيء ما لمنع الانتقاد المطلق للنظام الدولي الذي أقر أوضاع العالم في ربع القرن الأخير. ولا تستطيع الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى التي أوكل إليها النظام العالمي ألا تعمل في مواجهة قاتل الجموع من دمشق.

        ولا مفر لأن الواقع أُصيب بالجنون. ظهر السلاح الكيميائي في العالم في مطلع القرن العشرين، وظهر السلاح الذري في منتصف القرن العشرين. وكان النجاح السياسي الأكبر في العقود الأخيرة هو منع استعمالهما معا. وسيكون من الصعب جدا في القرن الواحد والعشرين الاستمرار في حفظ هذا النجاح الحيوي لأن عددا يزداد من القوى غير العقلانية صارت تمتلك قدرا أكبر من السلاح غير التقليدي وتهدد بأن تستعمله استعمالا فظيعا. ولهذا يجب على القيادة العالمية أن تُبين لكل مجنون يزن في نفسه امكانات مجنونة، أن الجنون لن يمر. ويجب على القيادة العالمية أن تنشيء ردعا يسحق الخطر الجديد.

        إن الاسد هو حالة الامتحان الاولى التي ستتلوها حالات امتحان اخرى. بعد أن أُصيب الطاغية السوري في الاسبوع الماضي بجنون وتصرف بجنون أصبح من الواجب أن يُبرهن له ولأمثاله على أن العالم لا يُسلم بالجنون وأن العالم يعرف كيف يدافع عن قيمه الجوهرية الانسانية.

        ولهذا لا تستطيع الولايات المتحدة لكونها القوة العظمى الحامية للحرية والحامية لسلامة العقل والحامية للنظام ألا تعمل في مواجهة قاتل الجموع من دمشق إن عاجلا أو آجلا.

        لا يوجد مفر آخر، فالهجوم الامريكي على سوريا هو هجوم لا مفر منه.