خبر دعوة هنية: ممكنات الشراكة السياسية..عصام يونس

الساعة 05:39 م|26 أغسطس 2013

أطلق الاستاذ إسماعيل هنية رئيس الوزراء في حكومة غزة، دعوته لتوسيع رقعة المشاركة في إدارة قطاع غزة، بينما كنت قد قطعت شوطا في كتابة مقال عن الشراكة السياسية في مقاربة لتجربتين هما عام من حكم الاخوان في مصر وستة أعوام من حكم حركة حماس في غزة مما جعل من العسير الكتابة في هكذا موضوع دون تناول هذا التطور الهام المرتبط بموضوع المقال، وهو ما كان. ذلك هو السبب في تعذر اختصار كلمات المقال الذي اعتذر عنه واطمع معه بسعة صدر من يقرأه.

تشكل الدعوة إلى "توسيع رقعة المشاركة في إدارة قطاع غزة إلى حين تحقيق المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية"، تطورا ذو دلالات مهمة، وربما تشكل فرصة أخرى بمكن البناء عليها، وقبل محاولة الاقتراب منها وتفكيك عناصر قوتها وضعفها، إمكانات نجاحها أو فشلها وجب عدم النظر اليها بأنها خطاب ضعف وأزمة على ضوء الأحداث المتلاحقة في الإقليم والتوقعات بتعاظم تأثيراتها بأكثر مما هي عليه حتى الآن.

تكمن أهمية الدعوة، بأنها قد تؤسس لإعادة الاعتبار للشراكة السياسية بين حماس والمجتمع وكذلك بين مختلف مكونات النظام السياسي الفلسطيني. وحتى يكتب لها ذلك، بما يعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني بشكل عام وبما يجنب غزة الآثار الكارثية للانقسام والتأثيرات البالغة للانكشاف الذي يتعرض له الفلسطينيين بفعل التغيرات والاهتزازات العنيفة في الإقليم على وجه الخصوص، يجب أن تكون في سياق مرجعيات سياسية واضحة، أساسها وحدة الأراضي الفلسطينية، وبأن القطاع هو أرض محتلة وجزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة. لذا أرى بوجوب انطلاقها على قاعدة اعادة الاعتبار للمشروع الوطني بما يعمق الاشتباك السياسي والقانوني والدبلوماسي مع الاحتلال، والا تكون المشاركة في ادارة غزة هدفا بذاتها، بما يدفع الشبهات والمخاوف الحقيقية والماثلة لدى الكثيرين بأن الاقتراب من ادارة غزة سوف يكرس واقع الانقسام وكأن مشكلة الفلسطينيين هي كيف يديرون غزة وكيف يؤمنون بعضا من طعام وأدوية لسكانه. إن الدعوة التي تسعى لتأسيس شراكات جديدة تحمل في مبناها، كما يطيب لي ان أراها، دعوتها الخاصة المطلوبة والضرورية بتمكين الخصوم السياسيين، الشركاء، من مباشرة الفعل والنشاط السياسي وإشاعة اجواء من الحرية تمكنهم من حقهم في التجمع السلمي وفي الانتظام.

تقتضي الدعوة لتحقيق أوسع التفاف عليها طمأنة مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني بأنها ليست للتوظيف السياسي أولنزع الذرائع أو لتسجيل نقطة على خصم أو حتى شريك، وبأن الاقتراب منها لن يتم التعامل معه وفق المنطق الاستخدامي لتحقيق اختراقات هنا أو هناك، بل من قناعة راسخة ومعززة بفعل وسلوك بأن الوطنية الفلسطينية تسمو على ما دونها وأن الدعوة تنطلق من رفض للإنقسام والتأكيد على وحدة الأراضي الفلسطينية كوحدة سياسية لايجوز التسليم بتفتيتها وانقسامها.

إن المسئولية الوطنية التي تنطلق من أن الاحتلال هو العدو وأن ما يجمع الفلسطينيين أكثر بكثير مما يفرقهم تقتضي حكما البحث في كل الخيارات التي تضمن المشاركة السياسية وتعزز صمود الفلسطينيين وتجنبهم الأخطار المحدقة التي تهدد بشكل غير مسبوق قضيتهم الوطنية، هو ما يجب أن يدفع نحو التقاط هذه الدعوة والبدء في حوار وطني جاد، يؤسس لانهاء الإنقسام من الناحية الفعلية ويعظم من المشاركة.

في الشراكة السياسية: تجربة حكم الاخوان في مصر

بمعزل عن سؤال الشرعيات ودون إغفال لتعقيدات المشهد المصري وتأثيرات الدولة العميقة فيه، فإن أحد الأخطاء الكبرى لجماعة الاخوان المسلمين في فترة حكمهم لمصر خلال عام من تولي السلطة هو ما شهده الفعل السياسي من إستئثار واضح لها وادارة الظهر لحلفاء سابقين وآخرين محتملين. إن هذا الخطأ الفادح، لايعقل اقترافه أو تبريره لاسيما في حالة مصر التي تتشابك فيها التركة الثقيلة لماض فاجر من الفساد و ومن اقصاء منظم لمواطنيها واستلاب لمقدرات الدولة ومواردها وانهاكها على نحو خطير، ولمستقبل مليء بالمخاطر والتحديات الهائلة لإعادة موضعة مصر في الخارطة الدولية والاقليمية بما يليق بها فعلا ودورا، وهي مهمات في أحسن أحوال الحكم ورفاهيته لاتغري أحدا بالتقدم نحوه وهو ماكان يستدعي في ظل وقاحة الحقيقة البحث عن اوسع شكل من الشراكة مع قوى المجتمع، لا التذرع بنتائج صندوق الانتخابات التي تجيز اعادة تشكيل مؤسسات السلطة والحكم ولا حتى قبول ما يشاع عن رفض الآخرين المشاركة في الحكم. إن تركة الدولة المصرية الثقيلة، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وامنيا، تدفع نحو الاستنتاج أنه من غير الممكن لأي حزب او حركة ان يتصدى لها منفردا، مهما كانت امكانياته ودرجة تنظيمه وشبكة علاقاته ومهما كانت الشرعية التي يمتلكها.

إن التفرد في الحكم، هو نوع من المقامرة الذي يترتب عليه بالضرورة تكلفة عالية على من يتولى الحكم، ويبدو لي أن منطق "نهاية التاريخ" هو ما حكم رؤية الاخوان، خصوصا بعد النتائج المبهرة في انتخابات البرلمان ومن ثم في انتخابات الرئاسة، مضافا إليه تلك النجاحات التي حققها الأخوان في تونس وغير مكان. إن منطق نهاية التاريخ، يتضمن في جوهرة نظره إقصائية ويلقي بغشاوة على العقل تدفع باتجاه استسهال الحكم ومتطلباته في مقابل نظرة عملية براغماتية بالتحالف مع كل أطياف الفعل السياسي وجذب الجميع، طوعا أو كرها، لدائرة الحكم وإدارة الشان العام ودفع الجميع لتحمل المسئولية التاريخية، الأخلاقية والسياسية، عن أي فشل أو إفشال في التخلص من تركة الماضي الثقيلة، لاسيما وأن القيام بذلك يتطلب بدوره إجراءات إستثنائية قد تثقل كاهل المواطن الذي ينتظر فرجا قريبا، لايمكن لحزب مهما بلغت ممكناته وعناصر قوته أن يتحمل تبعات ذلك منفردا.

إدارة الحكم في غزة: دروس وعبر

المقاربة، المطولة، مع مصر أراها ضرورية فيما يتعلق بإدارة الحكم في غزة، وأقصد بذلك ما يتعلق بالمخاطر الحقيقية المرتبطة بإستمرار إدارة الشأن العام في غزة دون التأسيس لشراكة حقيقية مع مختلف مكونات المجتمع ولاسيما السياسية، وهي تحتل في الحالة الغزية أهمية استثنائية بل وضرورة موضوعية تفرضها فرادة الحالة والتي يميزها، إضافة إلى ماسيأتي، ثلاث ميزات أساسية:

اولا: ان قطاع غزة مهما بدا من قدرة على التواصل جغرافيا واظهر أمكانية لبسط النفوذ عليه، لاسيما بعد الانفصال الاسرائيلي الاحادي الجانب في العام 2005، هو أرض محتلة بامتياز، وأي امكانية للنظر اليه غير ذلك، اعتقادا أم ممارسة، واقعا أم افتراضا، هو عبث سياسي خطير. إرتباطا بتلك الحقيقة فإنه من المتوقع أن يؤسس لبنية تحتية كفاحية لتعزيز صمود المواطنين تحت الإحتلال والعمل على الوصول إلى التحرر والانعتاق منه.

ثانيا: يتميز قطاع غزة، كبقية الأراضي الفلسطينية، بأنه وسكانه يخضعان إلى حالة من القدرية المفرطة التي تجعل من القدرة على أي تخطيط لمستقبله ضربا من العبث بفعل استعصاء استشراف حتى المستقبل القريب بل والتنبؤ بما سيكون عليه واقعه خلال ساعات، بالنظر إلى العوامل شديدة التغير المحلية والاقليمية، التي تجعله دائما في موضع رد الفعل وليس صانعه، مستلبا منه أي قدرة حقيقية على المبادرة و القيام بفعل منظم، وهو أخطر ما قد يتعرض له مجتمع من المجتمعات.

ثالثا: هشاشة الحالة العامة، حيث أن تاريخ القطاع وجغرافيته وتكوينه السكاني جعل منه دائم الاعتمادية على ما هو خارجي لتأمين المتطلبات الأساسية له ولاسيما المعيشية والمالية والسياسية، ويمكن القول أن السلطة الفلسطينية برمتها أنشأت وأريد لها أن تكون في اعتمادية هائلة على ما هو خارجي مما يجعل من القطاع وباقي الأراضي الفلسطينية في حالة بالغة الهشاشة والضعف في مختلف تفاصيل حياة السكان ويجعلها رهينة التقلبات السياسية.

وبعد سيطرة حركة حماس على القطاع في العام 2007 خضع الحكم في غزة، إلى عدة اعتبارات، وجب التأمل فيها كونها تشكل في ظني، نقاطا مفتاحية لفهم تطورات الأمور ومآلاتها وهو ما يشكل افتراقا واضحا عن الحالة المصرية ومن بينها:

1- رفض غالبية فصائل العمل السياسي الاقتراب من حماس بدعوى عدم التسليم بحالة الانقسام القائمة، وقد يكون مرد ذلك إلى ان الجميع لم يتوقع للانقسام أن يدوم طويلا، حتى اكثر الفاعلين السياسيين تشاؤما لم يتوقع استمراره الا لبضعة اشهر او نحوها.

2- دخول المجتمع الفلسطيني في حالة انقسام سياسي خطير اختطف الحالة وأوصل حالة الاستقطاب بين مختلف مكونات المجتمع حدا بدا معه استحالة توفر أي امكانية لقيام أي شراكة سياسية لاسيما بين حركتي فتح وحماس.

3- رفض، بعض الفاعلين، الاقتراب من حماس كشكل من اشكال العقاب لها، أو التآمر عليها، لتغرق في وحل غزة، في ظل الظروف بالغة الصعوبة والتعقيد حكمتها من الناحية الموضوعية، جغرافيا سياسية شديدة التعسف.

4- ذلك كله حكم السلوك السياسي لحركة حماس، مضافا اليه الاجراءات (العقاب) التي مورست بحق الحركة خصوصا والقطاع على وجه العموم لاسيما عدم تمكينها من ممارسة الحكم بعد ما حصدته من أغلبية في انتخابات عامة حرة ونزيهة. كل ذلك دفع نحو استحسان لعب دور الضحية بشكل مبالغ فيه، ووفر فرصة للذهاب إلى خيار الاستفراد في حكم القطاع بالنظر إلى رفض الآخرين مشاركة الحركة مسئوليات الحكم والشراكة، وكأن الحركة كانت تنتظر ذلك الرفض، بل وربما تكون قد استحسنته، لأن الانفراد بالحكم يريحها من عناء التوافق على تسويات للوصول إلى برامج الحد الأدني ومن تنازلات غير مقبولة قد تكون مطلوبة للدخول في شراكات مع آخرين، في مقاربة مع من ذهب ليصلي فوجد باب المسجد مغلقا فقال قولته الشهيرة "اجت منك ياجامع".

5- إن التفرد بالحكم مهما كانت دوافعه او منطلقاته الاخلاقية والسياسية، في ظل استمرار الانقسام القائم في الأراضي الفلسطينية واستمرار خضوع القطاع للاحتلال، يلقي بتبعات خطيرة على الانقسام نفسه وتعميقه من جهة، والقضاء على أي امكانية لتشكيل حالة من الحكم السليم المستندة إلى مشاركة مجتمعية واسعة تؤسس لمبدأ سيادة القانون، والفصل بين السلطات وإعمال امثل للرقابة من جهة ثانية. بعيدا عن الرغبات وحسن النوايا، فإن مآلات الانفراد بالحكم من قبل حركة حماس، في ظل قرار من السلطة بالطلب من موظفيها بعدم الالتحاق بوظائفهم، قد أفضي إلى حكم بسلطاته الثلاثة مصبوغ بلون واحد، وإلى ضعف خطير في الرقابة وآلياتها، لحقيقة أن من يقوم بالتنفيذ من جهة وبالرقابة عليها من جهة أخرى هم من ذات اللون السياسي، يمارسون مهاهم الموكلة اليهم نهارا لتجمعهم في نهاية اليوم احدى اطر الحركة كأعضاء وأخوة فيها.

6- إن تجربة الحكم في غزة أظهرت بشكل واضح، بعيدا مرة اخرى عن محاكمة النوايا، أن الحكومة والشأن العام قد أدير بعقلية الحركة، ولم تنجز الحركة متطلبات مغادرة مربع التنظيم نحو الدولة، بما يعني صيانة العقد الاجتماعي، والتعامل مع المواطنين بصفتهم مواطنين لا رعايا، واصل العقد الاجتماعي حماية كل المخالفين، قبل المتوافقين مع من يتولى الحكم، في الرأي والدين والجنس وغيرها من الخلفيات الأخرى، وتمتعهم بحقهم في التنافس على الوظيفة العامة وفي التمتع بالخدمات المختلفة نفسها وإلى غير ذلك من القضايا.

7- حصاد ستة سنوات من الانقسام يشير إلى الاقتراب النهائي من اكتمال تأسيس نظامين سياسيين، أحدهما في الضفة والآخر في غزة في افتراق يزداد عمقا بينهما واجراءات يبدو انه من سيكون من العسير التراجع عنها. إن الانقسام ومن ثم الحكم في غزة قد أفضى إلى نشوء نظام سياسي يكاد يكون مكتمل الأركان، سواء كان ذلك نتيجة ما سعت اليه الحركة أو أكرهت عليه بفعل الشروط القائمة والظالمة التي وجدت نفسها فيها، وتتحمل الحركة كما الآخرين المسئولية عن مآلات الانقسام وعدم طي صفحته، بالنظر إلى أن عنصر الزمن، الذي اسقط من حسابات الكثيرين، كان كفيلا بخلق شرعيات او مابدا انه شرعيات، وأفضى إلى حقائق جديدة في ظل الديناميات العالية للانقسام نفسه وللحكم في ظله.

إن دعوة الاستاذ هنية يجب النظر لها بايجابية والتقاطها والتفاعل معها بما قد يؤسس لتحقيق متطلبات الشراكة وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني وانهاء الانقسام القائم. كما ان الدعوة تستوجب تطمينات واضحة لبواعث القلق والتخوف القائم عند بعض قوى المجتمع بأن تقود هذه الدعوة "ادارة قطاع غزة" إلى تعزيز انفصاله عن وحدته الطبيعية مع باقي الأراضي الفلسطينية الذي يعني تشريعا لانقسام النظام السياسي بما له من تداعياته الخطيرة على القضية الوطنية.

لا خيار امام الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال، الا بتعظيم كفاحهم ضد الاحتلال وتعزيز قدرتهم على الصمود فوق ارضهم، كل يوم يمر على الفلسطينيين في حالة انقسام يسلبهم ممكنات الانعتاق والتحرر، ويساهم في تفتيت الهوية الوطنية الجامعة ووحدة التراب الوطني. إن الإنقسام وما يترتيب عليه يخدم الرؤية الاستراتيجية قطع الطريق امام الفلسطينيين لانتزاع دولتهم وحقهم في تقرير مصيرهم، وهو ما يجعل خلاصة القول بأن المنتصر فينا، هو مهزوم حتما.