خبر الطبيعة العربية -هآرتس

الساعة 08:33 ص|22 أغسطس 2013

بقلم: سافي رخلفسكي

        (المضمون: يجب أن تعود اسرائيل الى مباديء وثيقة الاستقلال التي أسست لتساوٍ في الحقوق كامل بلا فرق في الدين والعِرق والجنس - المصدر).

        ينظر كثير من الناس في اسرائيل والسلطة العليا فيها الى القتل المستمر في مصر وسوريا ويهمسون قائلين: "إنها الطبيعة العربية". بل قال أوري سبير، وهو من المبادرين الى اتفاق اوسلو، هذا الاسبوع إن جيراننا "ليسوا سويسريين". قبل بضع عشرات السنين فقط قتل اوروبيون أكثر من 100 مليون انسان في 31 سنة فظاعة. أفكانت تلك آنذاك "طبيعة اوروبية"؟ أفكانت "طبيعة بيضاء"؟ أفكانت "اوروبية قاتلة"؟.

        لست مُغرما بالفكاهات فهي في الأكثر تُخلد التصنيفات لكن يجوز ذكرها احيانا. في 1916 دُعي واحد من أعيان افريقيا الى اثنين من أعيان اوروبا. وجلس الثلاثة على تل فوق غليبولي. وحينما حل الظلام ووضع السلاح في الليل، مرر الضيف لسانه على شفتيه وقال: "أنأكلهم الآن اذا؟"، فأجابه مضيفاه: "هل جُننت؟. نحن لا نأكل البشر". فسألهما الافريقي: "فلماذا قتلتموهم؟". وقد جاءت سنوات المذابح الاوروبية في 1914 – 1945 بعد أكثر من ألف سنة عنف في اوروبا، ومن اوروبا وباسم اوروبا. فقد كانت هناك حروب دين وعِرق وحملات صليبية قاتلة وعنف استعماري عنصري منهجي.  وكانت اعمال إبادة شعب كما فعل اوروبيون من امريكا الشمالية بجنوبها ولم يكن ذلك في الماضي السحيق فقط. فقبل عشرين سنة فقط حدثت مذبحة جماعية عرقية على ارض يوغسلافيا.

        إن الانسان هو الانسان فلا يوجد عربي واوروبي وصيني وهندي وقط أخضر ويهودي. واذا تغيرت الظروف سلك الناس والحضارات سلوكا مختلفا تماما. فبدل أن تُضاف العنصرية في الحديث عن "الطبيعة" يحسن الاهتمام اذا بالظروف الثقافية وتوسيع الانسانية التي في كل واحد كي تشمل أكبر عدد ممكن.

        إن هذا المفهوم من تلقاء ذاته ما كان يجب ان يُقال في ظروف عادية، لكن الظروف غير عادية. فكلام داني سيمان – وهو مُقرب ايديولوجي من بنيامين نتنياهو وهو من اختاره للدعاية – عن "الطبيعة العربية"، الذي جاء به براك ربيد في صحيفة "هآرتس" هو مثال فقط على مزاج السلطة في اسرائيل. ويكرر نفتالي بينيت وأوري اريئيل قولهما ذلك ومعهما وسائل الاعلام الدينية. وكذلك يتكلم ايضا كبار الوزراء في أحاديث خاصة – هل جُننا كي نُسلم مناطق مهمة الى هؤلاء الاشخاص الذين هذه هي طبيعتهم؟ إن مُحادثتهم دعاية لكن هل نفعل ذلك؟ من المعلوم أنه يوجد أكثر من شيء قليل من السخرية في أن النظام الاسرائيلي الذي يؤيد كثيرا سحق الاخوان المسلمين في مصر يقوده "الاخوان اليهود". ويُضيف الى هذه الصورة الاعتماد الاستراتيجي لنظام نتنياهو على "الاخوان المسيحيين" الانجيليين الذين ينبع تأييدهم للاخوان اليهود من ايمانهم بسيناريو آخر الزمان الذي خُصص فيه لليهود دور المُبادين على الخصوص.

        ويوجد هنا أكثر من السخرية بكثير. إن كثيرين من الاسرائيليين من ذوي الأصول العربية، ومن الفلسطينيين والعرب تُذكرهم اعمال القتل في المنطقة بأهمية اختيار الحياة، والسلوك السوّي والاهتمام البسيط بمستقبل الاولاد. وكما جاء من سنوات ذبح الملايين في اوروبا اختيار نهج آخر، فان الأحداث في المنطقة تُمكّن سكان اسرائيل ايضا الذين يشعرون بأنهم يهود أو عرب أو بشر من ان يعلموا "ما الذي ينبغي ألا يكون بعد"، وما الذي من الوجودي أن يكون.

        إن الوعي خاصة الذي ليس فيه "شرق اوسط جديد"، بل حاجة الى اختيار مشترك للحياة، هو أساس مستقر للسير الحذر الى مستقبل مختلف. والحال هنا هي كحال ما استقر في اوروبا واليابان بعد ان هاجت "الطبيعة الذابحة". إن المخاوف في المنطقة خاصة يمكن ان تفضي الى جُهد عالمي – خطة مارشال مُجندة – لانشاء نموذج بديل وطراز حياة يُسهم في وقف أحداث آخر الزمان في المنطقة.

        لكن اسرائيل تحتاج لأجل ذلك الى نظام يُعاود اعلان الاستقلال. إن الوعي في مواجهة الوحشية التي تظهر من الانسان – بعد الذبح في اوروبا وفي خلال معارك في البلاد – هو الذي أفضى الى الشعور الانساني في الاعلان وفي أساسه مقولة "تساوٍ كامل في الحقوق بلا فرق في الدين والعِرق والجنس". وتستطيع اسرائيل كهذه فقط ان تستغل مرة اخرى الخوف من القتل الجماعي لتؤسس مرة اخرى استقلالا واثقا بنفسه.