خبر شوق الى عملية وتوق الى حرب- هآرتس

الساعة 08:15 ص|18 أغسطس 2013

بقلم: جدعون ليفي

بدأت تأتينا بشائر مقدم الخريف، والخريف يبشر بيوم الغفران، ويوم الغفران بالذكرى السنوية لتلك الحرب. سيكون قد مر اربعون سنة في هذه السنة وقد بدأ مهرجان الذكرى. فلا يوجد شيء أحب الى النفوس هنا من نبش حروب الماضي وكوارث الأمس؛ مرور سنتين على عملية في ايتمار، وسبع سنوات على سقوط صاروخ كاتيوشا على جنود الخدمة الاحتياطية في المقبرة في قرية جلعادي، و16 سنة على كارثة المروحيات – لكن حرب 1973 تفوقها جميعا، فهي الحرب التي لا نشبع منها أبدا ولا تنتقل الى مكان آخر. في ارض شواهد القبور – 2900 شاهد رسمي لضحايا الحروب، شاهد لكل ثمانية قتلى (وفي اوروبا التي ضربها القتل يوجد شاهد لكل عشرة آلاف قتيل) – ويكاد يكون كل يوم تذكيرا بالكارثة. وكأنه لا يكفي يوم الذكرى ويوم المحرقة ويوم القدس ويوم مقتل رابين وصوم غيداليا والتاسع من آب (العبري)، ولا يوجد هنا الكثير من مجرد الايام العادية التي ليست هي ايام ذكرى وهي ذكرى انتقائية جدا كما ينبغي أن نقول.

أهو شوق الى عملية؟ أم هو توق الى حرب؟ نشك كثيرا. ومع كل ذلك فان حقيقة انه لا يوجد شيء أقدس هنا من الحروب تجعلنا نظن انه يوجد اسرائيليون كثيرون يحملون معهم مع الألم الرعب والصدمة والشوق ايضا الى ميادين القتل حيث حدثت الواقعة الرجولية التي تصوغ حياتهم. وهم يشتاقون الى نقلها من الأب الى الابن أكثر من كل تجربة شعورية اخرى. قد لا تكون كل موجة تحمل ذكرى، لكن كل حبة تراب هي ذكرى دم. ويجب ان نعترف بأنه يوجد في ذلك شيء ما مرضي. ففي الدولة التي يُنسى فيها فنانو الماضي ويُمحى الأدباء ومفكرو الأمس فيها كأنهم لم يوجدوا، تكون حروب الماضي هي الحاضر والمستقبل ايضا. إنتظروا، إنتظروا يوم الغفران هذا: فقد ظهرت المبشرات، مع كل قصص البطولة والثكل والدبابات المحروقة والموتى والناجين؛ والكشف عن ركام آخر من محاضر جلسات سرية وشهادات لم ترَ النور قط ولا تلقي بأي ضوء على شيء لم نعرفه من قبل.

إن كل حرب تحمل معها بالطبع ذكريات مؤلمة لأفراد وللمجتمع. فالمقاتلون والعائلات الثكلى ورفاق السلاح – ومعهم دولة كاملة – لا يستطيعون أن ينسوا. قد يكون من المهم ايضا تذكر "تراث المعركة" مهما يكن معناه، وان يُورث للأجيال التالية. لكن نبش الدم هذا يتجاوز ذلك كثيرا وهو يبلغ ذروته فيما يتعلق بحرب يوم الغفران التي هي الحرب التي يحب الاسرائيليون تذكرها أكثر من كل حرب اخرى، وهي الحرب التي لم يكن أكثر الاسرائيليين قد ولدوا فيها أو كانوا في اسرائيل حينما نشبت. وقد كانت أفتك الحروب وأكثرها مباغتة وهي الوحيدة منذ 1948 التي لم تبادر اسرائيل اليها، ويبدو ايضا أنها آخر حروبها التقليدية. لكن ما الذي يحمله الاسرائيليون من ذكراها؟ وأي درس يستخلصون منها؟ لا شيء. فلو أن نبش الماضي كان يفضي الى استخلاص دروس حقيقية لكانت توجد فائدة كبيرة في التذكر. لكن النقاش العام ينحصر هنا في ذكريات أفراد مؤلمة وأصيلة، وفي اسئلة هامشية نسبيا عن "المفاجأة". هل كان أشرف مروان عميلا مزدوجا، وما هو نصيب إيلي زعيره من التقصير، وكيف أنقذ حاييم بارليف واريئيل شارون شعب اسرائيل وهل ظُلم دافيد اليعيزر. قد تكون الاستخبارات استخلصت دروسها ومثلها ايضا قوات المدرعات، لكن من المؤكد ان دولة اسرائيل لم تستخلصها.

ما أكثر ابتذال تذكر التقصير الحقيقي في تلك الحرب الممتنعة، والدعوات المصرية للسلام التي تجاهلتها اسرائيل، وغرورها وغطرستها وعماها في الأساس التي بقيت كما كانت بالضبط الى هذا اليوم، ومن المبتذل ان نذكر السجود للجنرالات (الذي انقضى) وللساسة (الذي بقي كما كان). وما أشد ابتذال المقارنة بين تلك الايام وهذا الزمان. ومع كل ذلك، لن يكون من المبالغ فيه مرة اخرى مع بدء مهرجان الشعراء لحرب يوم الغفران ان نتذكر ان الضحايا الاسرائيليين الـ 2569 قتلوا عبثا؛ وأنه لو كان لاسرائيل قيادة اخرى لكانوا يعيشون معنا اليوم (وما كنا نحتاج ايضا الى تذكر الذكرى السنوية لتلك الحرب).