خبر والجرح إلى تعُّفنٍ واتساع.. علي عقلة عرسان

الساعة 06:54 م|16 أغسطس 2013

لا أماري في أن وضعنا العربي محزن ومؤسف إلى أبعد الحدود، وأن وطننا تغطي مساحته الخلافات والصراعات الداخلية والممارسات الفظة وأشلاء الحريات والحقوق العامة، وطن محكوم عليه لا محكوم له،  ولا أشك لحظة في أهمية دور الثقافة، سلباً وإيجاباً، في المساهمة بصنع هذا الواقع والمساهمة بالخروج منه، وأنا أرى كما يرى سواي على الأقل، أي دور يعطي للثقافة العربية الأصيلة، من خلال الإمكانات المتاحة، في الحياة العربية على الصعد جميعاً، وأي ممارسات توجه إليها وإلى العاملين في حقولها، وكيف يتم الاحتواء ، والانضواء والاكتواء في العلاقة القائمة بين منتج الثقافة الجاد المنتمي إليها لا إلى فصيل أو فئة أو طائفة أو مذهب مما يشغل أبناءها ويعمي البعض منهم، وهو والمسؤول ايضاً عن الأمة ومتلقي اثقافة ممن يعنيهم هذا الأمر. وفي شرائح كل فئة وفي ظل هذا الواقع أرى تركيزاً كبيراً يتم على ظاهرة قديمة تتنامى وتبرز كلما سنحت لها فرصة أو لاءم وقت، هي ظاهرة تأنيب الذات وإذلالها واتهامها بحجة الحرص عليها وتحت غطاء نقدها وتبكيتها لتستيقظ وتوفي ما لها وماعليها، وتحت هذا البرقع الذي يراد به أن يستر الشمس، يتم التأسيس لتثبيت التيئيس، وتغذيته، ولتعميق جذور عدم الثقة بالذات وإحباطها، وفصل العربي عن مقومات شخصيته الثقافية وأصالته الغربية ومجتمعه وواقعه المعيش، ليزداد غفلة، وانصرافاً عن استخدام المجدي والفعال والنافع من الأفكار والأعمال والمعارف والمعايير والقيم وأساليب التفاعل والتواصل مع الذات والآخر.. في شمول الاتصال للأفراد والجماعات والأمم، أو في اتساع مداه " الداخل والخارج" ليكون المرء أولاً، وليغني كينونته والكينونة الأخرى ثانياً، وليزداد بالوعي حرية وبالحرية وعياً، ومن ثم حضوراً مغرفياً فاعلاً، وحرصاً على الحضور النوعي في عصر كثر فيه الشخوص. أن نكون: نعم لأن  نكون، ولكن أن نكون من وماذا وكيف ؟! هذا هو الأهم، قد ينهض قول: بأن الكائن يغنيه الاتصال ولا يلغيه، واتصال " الملغى" مفيد له أياً كان نوع الاتصال ومداه، وأنا أقول نعم لهذا في حدود معطيات وجود الكائن متمايزاً ومدركاً لما هو ومن هو وما لديه، وحياته في تربة ثقافية ومناخ اجتماعي يحميه ويعطيه ويواكبه في تناميه وفي تفاعله مع الآخرين، ولكن إذا كان " الكائن " فرداً ممحوقاً معزولاً محاصراً بالشك والاستلاب- ولا يشعر بذلك بل يتعالى عليه – ويعيش تخيلات من نوع خاص، ويرى أنه خلق لمهمات من نوع خاص أيضاً: نوع الأرفع والأفلح في جماعة يحكمها التخلف والجهل، وأنه المنذور والمنظور إليه ليتحمل مسؤولية نقل ( متخلفيه) إلى ساحة تقدمه ورؤياه، لأنه طليعة، ولا تنبع (طليعته) إلا من حيث هو فريسة تامة لثقافة أخرى سحقته حتى العظم فامتثل لها وتمثلها وعاشها لهاثاً وتقليداً وتمجيداً، وأراد أن يكون ظلاً لها في أرضه .. وأن يكون أبناء جنسه على شاكلته.

إن الوضع العربي وضع لا يريح، ولا يرضي لا القاصي ولا الداني، وكل من يهمه أمر الأمة ومستقبلها ومصيرها مدعو إلى التفكير بصوت مسموع ليضيء ببصيرته ليل الطريق، فأمتنا حقيقة في صراع داخلي مثلما هي في صراع خارجي؛ بل قد يكون صراعها الداخلي أشد وأمض وأفتك، الأمر الذي يجعل قواها تتصادم ومقومات قوتها تتآكل، وفي مقدمتها تلك المقومات الثقافة التي تساهم أدوات نشرها ووسائل إيصالها وتنميتها في تدمير قيمها ومقوماتها بالغش و" وفهلوية" القبضايات في مجالات السياسة ومثقفي الساسة وإعلام فتك به الغرور والإغواء لإاضر وأمات وشوه حتى الجينات. ومن الأهمية بمكان أن نسأل: كيف الخروج وأين المخرج، ولم نحن كذلك على أرضية من معرفة الذات ومعرفة الآخر!؟ ومن أجل ذلك علينا أن نستقرئ التاريخ القريب والبعيد: هذا التاريخ الذي نعيش وما سبقه من تاريخنا، وتاريخ الأمم والدول، ونستبطن الواقع الاجتماعي والتكوين النفسي للناس في كل ساحة وقطر، وندرس مكونات القوة والأمن والسلامة على الصعد والمستويات جميعاً، غير متناسين أولاً  وقبل كل شيء، أننا نفعل كل ذلك من أجل أن نكون نحن.. نحن  في تمايزنا عبر التاريخ، وفي انغراسنا أزلاً وأبداً في تربة أرض وتربة حضارة، تجعل منا هوية، وأننا نبذل الدم والجهد والتضحيات الجسام، من أجل أن تبقى لنا تلك الهوية التي تتجسد أكثر ما تتجسد في الشخصية الثقافية للأمة، في مقوماتها الرئيسة: اللغة والدين والتاريخ والسمات والقيم والعادات الخاصة، وأن نبدأ مسيرتنا المعرفية محتكمين إلى العقل والضمير ومعايير العلم وسليم القيم، في ظل انتماء قومي أصيل وشروط مواطنة سليمة وحقيقية..المواطنة التي إذا بقيت فينا حية متنامية أنقذتنا أو شدتنا إلى طرق الإنقاذ وأفعاله، وأن يكون وعينا ومعرفتنا وما نكسب وما نضيف من معلومات وإسهامات إلى الحضارة يسوغها ويحققها بوجود متمايز؛ وإلا فلنحمل إية هوية، ولنعش في كنف أي لغة وأي شعب وعلى أية أرض، فما الذي يجعلنا نتمسك بهوية وشخصية وذات وصفات وندفع ثمناً باهظاً لذلك في هذه الحالة!؟.

إذا كان ( الكائن) فرداً من هذا النوع البائس، يرى خلاص أمته في انسلاخها عن جلدها وهويتها وشخصيتها وثقافتها، يفصِّل لجسمها ثوباً مجلوباً، فإنه في هذه الحالة لا يزيد على أن يكون وأمثاله رؤوس حراب الغزو الفتاك وعيون الهلاك وأعوان ذلك وأدواته، وطليعة موجاته وداعية من دعاة الاستلاب والخراب..

إن الوضع العربي وضع لا يريح ولا يرضي لا القاصي ولا الداني، وكل من يهمه أمر الأمة ومستقبلها ومصيرها مدعو إلى التفكير بصوت مسموع، ليضيء ببصيرته طريق الخلاص، فأمتنا تتآكل، ومن المهم أن نعرف كيف المخرج على أرضية من معرفة واقع الحال بدقة ومعرفة الذات بموضوعية، ولماذا هي كذلك؟ وأن نستقرئ التاريخ، تاريخنا وتاريخ الأمم، ونستبطن الواقع في كل قطر وساحة اجتماعية بعلم، وأن نبدأ احتكامنا إلى العقل والضمير ومعايير الوطنية والمواطنة الحقة وقيمهما، ونبدأ الإصلاح من أعماق الذات أولاً لنخرج من ليل أليل إلى مشارف الصبح. أما الاستمرارية في استيراد أدوية مسكنات إلى هذا الجسم فهو في النتيجة استيراد سموم تفتك به بدلاً من أن تداويه، فتلك نكبة الحاكم والحكم والمحكوم، ومشاهدها اليوم أكثر من فظيعة.

إن ظاهرة جلد الذات، خرجت من حدود دائرة النقد البناء إلى أحد طورين: إما الإحساس بالدونية والإثم، وهي في هذه الحالة مرض، أو إلى التآمر من الداخل استكمالاً لمخططات خارجية لتعميق التيئيس وتوسيع دائرة الاستلاب والاغرق في الاحتقار وعدم الأهلية، وهي في هذه الحالة أقرب إلى تحكَم بحكم التواطؤ والخيانة والانفعالية المدمرة.

فكل مقومات كيان المرء من قوة وثقة ووعي، وكل الفاعليات الحيوية فيه تتراص وتتعاون لتواجه الضعف والمرض والانهيار في حال سلامة الوعي وإدراك الحال، وأرانا مدخولين حتى العظم، حيث تتسرب المخدرات والسموم وأشكال الشذوذ والعنف والإرهاب واللقاحات الفتاكة الصهيونية ـ استعمارية المادية والمعنوية، إلى أعماق شخصيتنا وعقولنا وعلاقاتنا الاجتماعية وقيمنا الإنسانية والأخلاقية، ويتم التشكيك في كل مقومات الصحة والسلامة فينا، في أثناء مواجهتنا لهذه الظروف وتعاملنا مع أزماتنا وأوضاعنا ومعطيات ظروفنا هذه.

وابتلاؤنا من الداخل يكاد يزيد على ما نبتلى به من  الخارج، وربما كان من الأصح القول: إن من تمثلوا المخططات الرامية إلى إضعافنا وإتلافنا وجعلنا أمة تبعاً في كل شيء، أو كانوا أول ضحاياها لأسباب سلبية، هم الأكثر تأثيراً وإنجازاً لمخططات الأعداء ضدنا من الأعداء أنفسهم، لاسيما أولئك الذين يتسللون إلى العقول حاملين مخططات الثقافات والسياسات المعادية من طريق الثقافة والإعلام والتسميم المعلوماتي والتجربة السطحية والمراهقة الثورية والانفعالية المريضة وعرض الخدمات استجداء للمال، كما يتسللون إلى الثقافة والاقتصاد والمجتمع. وها قد أصبحنا ساحة مواجهة لسياسات واستراتيجيات وثقافات وعقائد ومصالح متضادة تتصارع على أرضنا بدمنا، وتدخل بكل ثقل كيانها لتعزز حضورها على حساب غيابنا، ونحن شبه ذاهلين عن ذواتنا من هول ما نرى ونسمع ونصنع، ونلوذ بصراخ واستغاثات، باستغراب وتخدير وضياع قوى وزوال رشاد.

ودائماً نجد أن وصفات " المعالجين" لأدوائنا تلح على تقديم ما من شأنه أن يضاعف المرض، ويفتت قوى الدفاع الذاتي، وسواء أوصفوا لأمتنا السلفية أو قطع كل صلة بها، الكتب الصفراء أو اللا معقول، استقراء التاريخ الذي يحتاج إلى إعادة قراءة وتفسير وتنقية من أشكال التزوير... أو قدموا لها نهج ديكتاتورية البروليتاريا وتأجيج الصراع الطبقي وإذابة الطبقات، أو نهج الديمقراطية الانتقائية والتعاطف التبعي العميق مع الغرب ورأسماليته المتوحشة: (الآخر الذي يفهمنا أكثر مما نفهم أنفسنا"،على حد قول بعض دعاته، مع ما تحمله تلك العبارة من جدة لتجنب إثارة آلام وإحياء جراحات سابقة سببها لنا الاستعمار الغربي الذي رحل من باب وعاد من أبواب... فإنها في الأحوال جميعاً لا تترك لها حتى لحظة تخلو فيها إلى نفسها، لحظة راحة وتأمل للإدراك واسترداد النفس وإلقاء أسئلة على الذات، بَلْهَ التفكير في أمر صلاح أمرها على نهج سليم ترتضيه.

وآخر اتفاق أتى من  نطاسيين في "المعرفة" : [[ يحققون إمكان التعارف، تلك الحركة من الاتصال والانفصال في آن، و رؤية الذات خارج  الأهواء وبخاصة الأيديولوجية، ومعايشة الآخر داخل حركته العظيمة ذاتها في لغته وإبداعاته وحياته اليومية ]]، ولاحظ جيداً على الخصوص في لغته وإبداعاته وحياته اليومية، وتثبت أيضاً من: حياته اليومية، لأنها تشكل " مربط الفرس".

إنهم يفرون من منفاهم المختار، وفي الشرق أمثال لهم يكتبون "بنار النضال" في "أرض الغرية"، ويقودونك إلى النتيجة ذاتها، ولكن لأسباب ومعطيات ومنطلقات مضادة لتلك، هي أيديولوجية تماماً ومن رؤية طبقية أو اعتقادية بولاء لمن نهي عن أن يواليه، الأولى استقرأت التاريخ المادي كله، منذ كانت الأرض كتلة نارية مشتعلة إلى آخر ما سوف يقرأ من التاريخ في ضوء المادية الجدلية والمادية التاريخية وتوابعهما الفلكية، وفي ضوء اجتماع المتناقضات في وحدة رغم أن النقيضين لا يجتمعان منطقياً؟! وقررت أن الوصفة العامة لخلاص أمتنا وكل أمة هو ديمقراطية " ديكتاتورية البروليتاريا" التي تساوي في النتيجة غياب البروليتاريا وحضور ديكتاتورية الحزب الحاكم أو الحاكم الفرد، وغياب الديمقراطية أو تغييبها بمسخها، وهو ما نعاني منه وتعاني منه أمم وأجيال، والثاني درس الليبرالية بمهنية محترف التجارة فجاء إلينا بالليبراليين واكتفى بأرباح التجارة ..وهذا كله أخرجنا منه الإسلام يوماً ما على هدى قول أصبح عملاً: ( لا فضل لعربي على أعجمي) و ( الناس سواسية..) و( متى استعبدتم الناس..) و ( وأمرهم شورى بينهم.).

اتهامات شوفينيية وأشكال من التخلف والأمراض والعقد والثقافة السطجية، أو قوقعة وعدم ثقة وعدم قدرة على التعامل المتحضر مع الآخر، أو ما يفسر على أنه " عدم إدراك لقيمة معرفة "الآخر" وعدم قدرة على استكناه العصر " المتحضر" بسبب عدم الانسياق المباشر إلى التعاطف والتواصل العميقين معه، ومناط القول هنا " التعاطف العميق" أكثر ما يتم الآن بصور شتى منها الاستسلام والتسليم والانبهار والتقليد والانتقال إلى حرب الأخر على الذات باستباحة الأمة وكل قوانين الحياة..

على مبدأ لثم يد الجلاد، أو على تطبيقات التبعية الدونية الموجودة عند من يملثونها ممن يعانون عقدة  الزنوجة. إن هذه الدعوة التي يبدو أن ظاهرها الحرص ولحمتها وسداها جلد العربي لذاته بافتراض - حسن النية - أنه" الذات" التي يقتضي الأمر فهمها وإقناعها بأن تفهم نفسها وتفهم الآخر، ويقتضي نوعاً من النقد والمحاسبة والتأنيب والتجريم.

تركيز الاتهام للعربي، فهو محكوم قبل المحاكمة، ومتهم على الهوية.. ومحاولة تأكيد "غيابه معرفياً"، وانعدام مشاركته إطلاقاً في استكناه معرفة عالم اليوم"، والذهاب إلى أنه غير موجود. وحصر عمليات الإنقاذ والتقويم والحكم والإبداع في مجموعة بشرية تتحكم في حياته اليومية وتفهِم المتخلفين الذين يعانون في أوطانهم، تفهمهم معنى " التعاطف العميق معه" لكي يتمكنوا من فهمه.؟! وهي حالة تنطوي على استمرار مخططات قديمة جديدة تتوسل بوسائل شتى لتريسيخ التبعية وإلغاء الشخصيه الثقافية القومية.

تأكيد دونية العرب، حيث لا يملك العربي من وجهة النظر تلك ذاتاً قادرة على معرفة نفسها لتعرف الآخر. والآخر هنا هو الغرب حصراً.. ويتم ذلك أولاً بتأكيد غياب العربي معرفياً على الأقل، وغياب الاهتمام المعرفي من حياته اليومية، وهي دونية في الاهتمام ترمي إلى توكيد الدونية العامة، وذاك هو "مربط الفرس" كما يقال. ومن آواخر اتفاقات في التشخيص يطرحه غربيون وموالون للغرب يقول: " لا وجود لمعرفة عربية لها مشاركتها الخاصة، المتميزة في استكناه العالم الحديث أو صياغة أسئلة "، و" ثمة غياب معرفي عربي بهذا المعنى عن خريطة المعرفة الإنسانية اليوم.."!؟ وهذا استدعى السؤال الذي ينطوي على تأكيد بأن "الإنسان العربي نفسه غائب بمعنى ما.." وعلى أرضية الاتفاق.."على غياب الوجود الحيوي للإنسان العربي معرفياً على الأقل.."يتوجه التوكيد على ضرورة معرفة الذات التي لا تتم إلا بمعرفة الآخر، ولأن ذلك الآخر.." والغربي على الخصوص " يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا، ولأن معرفة الآخر" تقتضي الاتصال، وتعاطفاً عميقاً " مع موضوع الاتصال حتى نعرف أنفسنا ونكوّن حضوراً معرفياً لما في عصرنا ولعصرنا، يتوجب أن نزيد من وتيرة  " الاتصال بالآخر.." وأن نعلي شأن " التعاطف العميق" معه بالمعنى التبعي، وعلينا أن نفعل ذلك من دون طرح أسئل من مثل: هل الغرب " تعاطف معنا تعاطفاً عميقاً" عندما اتصل بنا، وبينما يتابع الاتصال بنا، بهدف تعميق معرفته للآخر، أي نحن ـ وتكوين " معرفة عميقة تؤدي إلى رؤية أشمل؟‍ ومتى فعل ذلك وكيف؟‍ هل تم ذلك في فترة الاستعمار المباشر أم الاستعمار غير المباشر، أم إبان تقسيم الوطن، وـاسيس الكيان الصهيوني ، والعدوان والتهديد المستمر بالعدوان، والضغط المستمر وفرض أشكال الحصار ونهب الثروات والسيطرة على الإرادة السياسية؟‍!  وهل يفعل ذلك " بتعاطف عميق" حقاً ولغرض الحصول على المعرفة بالآخر وبالذات، من دون أهداف وغايات وأغراض استعمارية: اقتصادية عسكرية - ثقافية.. وتحقيق أشكال من الغزو المدمر والشرذمة وإثارة النعرات والاستثمار فيها!؟

يبدو أنه علينا ألا نطرح مثل هذه الأسئلة أو أن نفكر بها مجرد تفكير لأن ذلك ينعكس في النتيجة انعكاسات سلبية من وجهة نظر المتعهدين الصثقافيين والسياسيين، وقد يذهب إلى مدى التشكيك في أهمية الولاء لـلبوابات الخلفية للغرب ولمن لديهم عصموية وإيديولوجية علمية حاكمة؟!، وإلى أفعال تعزز منطق ديكتاتورية الطبقة الحاكمة .. من الحزب الحاكم إلى الحاكم الفرد إلى حكم الفساد والإساد. وهو ما ورثناه عن جزء من الغرب والشرق وبواباتهما الخلفية، وهو ما نعاني منه، وتعاني منه كل الأمم والأجيال. ولم يجدنا أن تراثنا هو غير ذلك، وأن الإسلام الحق أخرجنا من تلك الدائرة بهدي أقوال أصبحت منهجاً وأفعالاً أصبحت قيماً ومعايير الحكم على الأعمال من مثل: لا فضل لعربي على أعجمي... " و" الناس سواسية.." و" متى استعبدتم الناس...".. إلخ .

الحظ العاثر يلازم دائماً - فيما يبدو - أولئك الذين يرتبطون بالأرض والوطن والتربة الثقافية الثرية للأمة العربية وتاريخها وواقعها المر وأملها بالتجاوز.. أولئك الذين يعيشون معاناة الأرض والشعب.. إنهم وحدهم " الذين لا يصلح ما يقدمونه ولا يصلح ما يفعلونه للخروج بالأمة من " حالة الغياب" إلى حالة " الحضور".. وصوتهم وحده هو الذي يرتفع بأنهم القادرون؟!

وأسوأ ما يطرحونه، مما يُرى أنه أكثر مجافاة للعقل والمنطق- منطق التاريخ والمنطق المطلق ومنطق الواقع المعيش - وروح العصر والوعي، هو نبذ التمسك بمقومات شخصية ثقافية للأمة العربية تجعلها متمايزة عن سواها وتمكنها من اختيار طريقها باستقلالية ووعي!؟ وربما كان أسوأ ما في هذه المقومات، بنظر فريقي الإنقاذ "المعرفي"، الإشارة إلى الدين والعروبة والتراث والقيم وقيم عربية اكتسبها أفراد الأمة عبر التاريخ وكونتها معطيات معرفية ذات خصوصية عربية!؟

ويسوقنا القهر الروحي والمحل الثقافي المستنبت في التبعية إلى السؤال: ما العمل مع الوصفات المستوردة الجاهزة أو المجهَّزة لهذه المنطقة من العالم، ومع من يبتلعونها ابتلاع العصفور للحب ويطيرون بها طيران الدعاء الصادق للرب الخالق!؟..

فليهنأ الذين في " الوطن" لأنهم ينعمون بالجهالة ، بينما يشقى سواهم في النعيم؟!. ولينظروا _ إذا استطاعوا النظر ـ في أمر التعاطف العميق أو التبعية التامة لمنطق يرى أنه " العلم" المطلق، ولا يضيره ألاّ يأبه به العلمُ والمنطق ولا أن تنسفه المتغيرات والمستجدات المعرفية نسفاً، ذينك اللذين قد يخرجانهم من حالة  " الغياب" إلى حضور المعاصرة؟!. لكن الشرط القائم والمطلب القاتم لإؤلئك، في كل من الأمرين، هو أن تنسى أنت العربي ما أنت ومن أنت لكي تكون ما يريدون.. إنها حالة غسل دماغ طوعية باسم المعرفة والحضور في العصر والتقدم، فهل يقبل اللاهثون وراء مخرج، من طوق الضيق والرَّهق في الوطن الرحب المزَق.؟

هل يقبلون هذين الحلين الجاهزين، أم أن بقية من ثقة ورؤية وبصيرة ورغبة في البحث تشير إلى حل ثالث، فيه التمايز والخصوصية، ويحقق الحضور الحيوي في عصر المعارف، ومعرفة العصر؟! إن الزمن لا ينتظر والرهان قائم، وخسارة الرهان هي خسارة وجود أو جزء من حيوية الحضور والوجود. والنزف كما نرى مستمر والجرح إلى تعفُّنٍ واتساع.

 

دمشق

 

                                                                                علي عقلة عرسان