خبر المصالحة بعد عزل مرسي واستئناف المفاوضات ..هاني المصري

الساعة 12:55 م|13 أغسطس 2013

ـ السفير

كان هدف إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة مستبعدًا قبل عزل الرئيس محمد مرسي، وما أدى إليه من استقطاب حاد في مصر، وقبل استئناف المفاوضات الثنائيّة برعاية أميركيّة في ظل ازدياد حدة الخلافات الفلسطينيّة على ضرورتها وضررها وشروطها وتداعياتها على القضيّة الفلسطينيّة، وأصبح الآن مستبعدًا أكثر في ظل الاعتقالات المتبادلة والتراشق الإعلامي و«حرب الوثائق» التي يحاول كل طرف فيها إلقاء المسؤولية عما شهدته العلاقات المصرية - الفلسطينية على الطرف الآخر.

قبل العزل واستئناف المفاوضات لم تتحقق المصالحة برغم سلسلة لا تنتهي من الاتفاقات والجداول الزمنيّة، نص آخرها على تشكيل حكومة في الرابع عشر من شهر آب يوم غد، ولكن هناك جذور وأسباب فلسطينيّة وعربيّة وإقليميّة ودوليّة حالت دون الالتزام بها، وبعدهما لن تتحقق أكثر ما لم تحدث معجزة في زمن لم يعد يشهد معجزات.

لقد راهنت «حماس» بكل ثقلها تقريبًا على صعود الإسلام السياسي، خصوصًا بعد فوز مرسي بالانتخابات الرئاسيّة المصريّة، واعتقدت أن أبواب الاعتراف بها والتعامل معها عربيًا ودوليًا قد فتحت، خصوصًا بعد أن عززت إشارات الاعتدال التي بدأت بإطلاقها منذ سنوات، فواصلت تعليق المقاومة وتمديد التهدئة، لدرجة الالتزام باتفاق التهدئة الذي تم برعاية مرسي، الذي نص على وقف الأعمال العدائيّة الفلسطينيّة. وأعلنت «حماس» التزامها بالمقاومة الشعبيّة، وفوّض خالد مشعل الرئيس «أبو مازن» ـ في خطابه في حفل التوقيع على اتفاق القاهرة في الرابع من أيار 2011 - بالتفاوض لمدة عام كامل بالرغم من أن الأفق السياسي لم يكن يشير إلى أي إمكانيّة لانطلاق مفاوضات جادة من دون تنازلات فلسطينيّة جديدة. وأبدت «حماس» مرونة بالنسبة للمصالحة من خلال توقيع خالد مشعل على «إعلان الدوحة»، الذي نص على تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة الرئيس «أبو مازن» (رئيس منافستها «فتح») ولكن المصالحة لم تحدث، فـ«حماس» كانت تتصرف حينذاك من موقع قوة وأمل بالمستقبل.

الآن، أصبحت المصالحة أصعب وأبعد، لأن عزل مرسي وتأزم العلاقات بين النظام المصري وأوساط شعبيّة وسياسيّة وإعلاميّة واسعة وضع «حماس» في مأزق شديد، وهي في ظله لا تستطيع أن تتقدم على طريق المصالحة إلا وفق شروط مناسبة لها، لا تجعلها تبدو مستسلمة لشروط منافستها «فتح». ويزيد الطين بلة استئناف المفاوضات بلا شروط فلسطينيّة ووفق الشروط الإسرائيليّة، ما يجعل «حماس»، إذا تمت المصالحة على هذا الأساس، تبدو وكأنها تغطي على ما يسمى «عمليّة السلام» في وقت واجهت فيه هذه العمليّة انتقادات واسعة من معظم الفصائل، بما فيها فصائل المنظمة، ومن قطاعات شعبيّة واسعة. هذا في الوقت الذي يقف فيه الفيتو الأميركي الإسرائيلي ضد المصالحة بفعاليّة أكبر في ظل استئناف المفاوضات عما كان عليه في ظل وقفها.

الآن، «حماس» تخشى أكثر من السابق من أن هدف «فتح» من المصالحة هو استعادة غزة إلى الشرعيّة التي تقودها عن طريق صناديق الاقتراع، أي من البوابة نفسها التي دخلت فيها «حماس» إلى السلطة.

وبعد الذي حصل في مصر، تنمو دعوات متزايدة في أوساط «فتح» والسلطة تراهن على استنساخ التجربة المصريّة في غزة، خصوصًا في ظل العداء الشديد بين النظام الجديد في مصر وبين جماعة «الإخوان المسلمين» التي تشكل «حماس» امتدادًا لها.

وجدد أبو مازن في الأسابيع الأخيرة وبعد استئناف المفاوضات دعوته القديمة إلى تشكيل حكومة على أساس برنامجه السياسي، وتحديد موعد الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة بعد ثلاثة أشهر من دون إعادة بناء المنظمة، من خلال إجراء انتخابات المجلس الوطني أو عبر توافق وطني، ما عزز مخاوف «حماس» من أن المطلوب منها التحاقها الذليل بالسلطة الشرعيّة التي تقودها «فتح» كأقليّة لا تستطيع أن تغير على قرارات الأغلبيّة.

و«حماس» أصلاً كانت تفضل الاحتفاظ بالسلطة في غزة على أي شيء آخر، وبالتالي لم تكن متحمّسة لهذا العرض قبل التطورات الأخيرة، لأنه سيجعلها تخرج خاسرة في كل الأحوال، فإذا فازت بالانتخابات ستكون مطالبة بالموافقة على شروط اللجنة الرباعيّة وتسير في الطريق الذي قامت أساسًا من أجل معارضته وإسقاطه، وهي قطعت شوطًا كبيرًا في طريق الاعتدال، ولكنها إذا وافقت عليها ستفقد روحها ومبرر وجودها مقابل مجرد الاعتراف بها، وإذا لم تعترف بشروط الرباعيّة فإنها لن تتمكن من الحكم في الضفة، وستجري مطاردتها، واعتقال النواب وقادتها، واستمرار الحصار على غزة، وسيكون هذه المرة أشدّ من سابقه في ظل توتر العلاقات الحمساويّة ـ المصريّة، وبعد الحملة المستمرة لإغلاق الأنفاق.

وإذا خسرت الانتخابات ستكون مطالبة بإنهاء سيطرتها على غزة والتصرف كأقليّة لا تستطيع أن تغير قرارات وحكم الأغلبيّة.

تأسيسًا على ما سبق، «حماس» تراهن على عودة مرسي أو التوصل إلى صفقة في مصر تسمح بمشاركة «الإخوان المسلمين» بما يسمح بتحسين العلاقات بين مصر و«حماس»، كما بذلت مؤخرًا جهودًا لإعادة تحالفها مع «حزب الله» وإيران، ولكن هذا يهدد تحالفها مع قطر من دون ضمان عودة المياه إلى مجاريها، وخصوصًا من دون عودة سوريا، حيث قطعت «حماس» شعرة معاوية مع نظام الأسد، ومن الصعب استعادتها في ظل استمرار الصراع المدمر في سوريا من دون أفق واضح لنهايته.

وإذا لم يحصل لا هذا ولا ذاك فقد تلجأ «حماس» إلى تفعيل خيار المقاومة المسلحة وإطلاق الصواريخ، وهو محفوف بالمخاطر، ولكنه قد يصبح خشبة الخلاص الأخيرة على قاعدة «شمشون» الذي هدم المعبد عليه وعلى أعدائه، لذا تقتضي المسؤولية الوطنية فتح مخرج لـ«حماس» يسمح لها بالانضواء تحت مظلة الوحدة الوطنية، بما يحفظ ماء وجهها وضمن شراكة حقيقية وتوافق على استراتيجيات وطنية قادرة على إعادة بناء المنظمة ووضع السلطة في مكانها الطبيعي وفي خدمة المصلحة الوطنية.

أما «فتح»، فإنها تتصرف، حتى الآن على الأقل، من موقع المنتصر، وهي تراقب اشتداد أزمة منافستها «حماس»، وتراهن على مزايا المفاوضات التي إن لم تتوصل إلى اتفاق فإنها ستحافظ على السلطة، وستحصل على دعم سياسي واقتصادي ومالي يمكنها من تحسين شروط الحياة تحت الاحتلال، وتتجاهل «فتح» الأضرار الفادحة التي تعود عليها من استئناف المفاوضات من دون مرجعيّة ولا تجميد الاستيطان، بل في ظل توسيعه بصورة غير مسبوقة، ولا التزام إسرائيلي بحدود 67.

المصالحة مستحيلة من دون الجرأة على وضع استراتيجيّات جديدة، تستهدف إحياء القضيّة الفلسطينيّة ومشروعها الوطني، وإعادة بناء مؤسسات المنظمة على أسس وطنيّة وديموقراطيّة وشراكة حقيقيّة، وبصورة تضمن مشاركة الجميع بحيث تكون قولاً وفعلاً هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

لا يمكن الاكتفاء بدعوة «حماس» وغيرها للانخراط بالمنظمة وبقاء المنظمة على ما هي عليه، فهي بحاجة إلى تغيير وإصلاح وتجديد حتى من دون انضمام «حماس» و«الجهاد» و«المبادرة» إليها، فكيف بانضمامهم؟