خبر فشل معروف مسبقا؟ ..اسرائيل اليوم

الساعة 11:46 ص|02 أغسطس 2013

بقلم: أبراهام بن تسفي

        (المضمون: مشكوك أن تسمح طبيعة النزاع في المجال الفلسطيني بالتقدم في صيغة متعددة المراحل. الخيار العملي اكثر قد يكون "خيار الخطوة". لخطوة وحيدة يوجد احتمال أكبر في تحقيق اتفاق يتحقق، طالما انقطع عن سياقات اخرى في النزاع - المصدر).

        يوم الاثنين الماضي، بعد نحو ثلاث سنوات اعيد من جديد في واشنطن تحريك المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. ومع بدء المحادثات يجدر فحص ماذا حققت الدبلوماسية الدولية في الشرق الاوسط في العقود الستة الاخيرة. الصورة التي تنشأ عن الجملة الطويلة من محاولات تسوية النزاع الاسرائيلي العربي بشكل عام والنزاع الاسرائيلي - الفلسطيني بشكل خاص تشير الى فشل كل الجهود، التي بادر اليها عدد لا يحصى من الوسطاء. وبالمقابل، عندما كان تطلع الوسطاء أكثر تواضعا وركز اساسا على وقف القتال، تتوج عملهم، في ظروف معينة، بالنجاح.

        بتعبير آخر، عندما تكون على جدول الاعمال المسألة الاساس للمصالحة والتسليم بوجود دولة اسرائيل، من جانب اصحاب القرار العرب، فان الوسيط الاكثر خبرة ما كان قادرا على ان يحطم جبهة الرفض العربية – ويجلب السلام.

        في الظروف التي اتجه فيها جل الجهد الدبلوماسي الى العثور على نقطة الاشتعال، رأى، بين الحين والاخر، بعض من الوسطاء البركة في عملهم. وذلك بشكل خاص عندما كان ينطوي على استمرار المعارك خطر ملموس من التصعيد الواسع. في هذه الاوضاع لم تتردد الولايات المتحدة في استخدام روافع تأثير ذات نزعة قوة ثقيلة الوزن على اسرائيل، وفي نهاية المطاف اجبرتها على الموافقة على وقف النار.

        واحد من الوسطاء الابرز كان هنري كيسنجر، الذي شغل منصب وزير الخارجية ومستشار الامن القومي الامريكي في عهد الرئيسين ريتشارد نكسون وجيرالد فورد. وقد كان من الدبلوماسيين القلائل الذين فهموا قيود مسيرة الوساطة، وبالتالي، حتى عندما حاول تجاوز الهدف الاولي، الذي وجه خطاه في تشرين الاول 1973، امتنع عن كل خطوة طموحة ترمي الى تحقيق تسوية شاملة للنزاع دفعة واحدة.

        بدلا من ذلك بلور كيسنجر صيغة متدرجة ومدروسة، وهكذا أمل في أن يؤجل بالنسبة للعالم العربي، قدر الامكان، الاعتراف باسرائيل والى جانب ذلك يعثر على نقاط التوافق المحدودة بين الخصوم. وكان يفترض بهذه النقاط ان تساعد على بناء الثقة بين الاطراف مما يمنحهم الحافز للتقدم نحو التسوية. ولكن حتى هذا المحنك الدبلوماسي لم ينجح في تحطيم الجمود السياسي. الاتفاق المرحلي في سيناء، الذي تحقق برعايته في ايلول 1975، بقي خارج السياق المتواصل، وكل مرحلة في اطاره كان يفترض أن تمهد التربة للمرحلة التالية. اما عمليا فكانت النتيجة معاكسة – التوقيع على الاتفاق لم يرمز الا الى النهاية المبكرة لاستراتيجية المراحل التي اتبعها.

        وعندما تحقق، في اذار 1979 السلام الاسرائيلي – المصري، فقد استند الى اقانيم مختلفة جوهريا، وعكس زعامة وتفكر رئيس الوزراء مناحيم بيغن والرئيس المصري انور السادات. لم تكن هذه مبادرة امريكية ما هي التي ادت الى وجوده. فضلا عن ذلك، يمكن ان نرى في بداية مسيرة التسوية تحديا اسرائيليا – مصريا مشتركا لمحاولة الرئيس جيمي كارتر عديمة الجدوى في العام 1977، او يسوي، في مؤتمر سلام واحد، كل عناصر النزاع، بما في ذلك القضية الفلسطينية.

        تكرار النغمة اللاذعة

        كارتر لم يكن الاول الذي اعتقد بانه يمكن انهاء النزاع دفعة واحدة وفشل. وزير الخارجية وليم روجرز هو الاخر لم ينجح في ان يحقق في 1969 تسوية شاملة بين اسرائيل ومصر والاردن.

        صورة مشابهة من عدم النجاح تنشأ عن تحليل محاولات الوساطة في المجال الفلسطيني. في صيف 2000 تحطمت قمة كامب ديفيد. فقد كان رئيس الوزراء ايهود باراك، هو الذي خطط لانهاء النزاع، والرئيس الامريكي بيل كلينتون تجند للخطوة.  ورغم الدور الامريكي العميق واستعداد باراك لاجتياز خطوط حمراء متجذرة (منح سيادة كاملة على الحي الاسلامي وعلى حارة النصارى للسلطة الفلسطينية، مقابل الحفاظ على السيادة الاسرائيلية على حارة اليهود وحارة الارمن؛ وانسحاب بحجم نحو 92 في المائة في يهودا والسامرة) – لم يكن رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات مستعدا لقبول التحدي. بعد شهرين فقط من فشل كامب ديفيد اندلعت الانتفاضة الثانية، ومعها اسدل الستار ايضا على مساعي الوساطة التي قام بها كلينتون.

        مصير مسيرة انابوليس هي الاخرى، التي اطلقها الرئيس جورج بوش الابن في تشرين الثاني 2007، لم يكن افضل. فبعد مرور سنة، ورغم مساعي وزيرة الخارجية كونداليزا رايس لبلورة تفاهمات بين الطرفين بالنسبة للمبادىء والخطوط الهيكلية للاتفاق الدائم الاسرائيلي – الفلسطيني، علقت المسيرة في طريق مسدود. ورغم حقيقة أن رئيس الوزراء ايهود اولمرت سار بعيدا في عروضه الاقليمية، لدرجة تتجاوز التنازلات المبالغ فيها  من باراك لم تكلف السلطة الفلسطينية نفسها عناء الرد على العروض الاسرائيلية. ودخلت كل المسيرة في جمود.

        على خلفية هذه الصورة يطرح السؤال، ما الذي تغير مع المحادثات الحالية؟ لا ريب ان رئيس السلطة الحالي، ابو مازن، انجر رغم انفه الى ميدان المفاوضات المفتوح. حتى في المستوى الامريكي لا يعتبر بدء المفاوضات يعكس التزاما رئاسيا عميقا بالتسوية. "محادثات واشنطن" هي وليد خطوات نشطة اتخذها وزير الخارجية جون كيري، ولا تعكس الموقف الشكاك للبيت الابيض. وبالفعل، عندما تكون سوريا تنزف وفي مصر انقلاب عسكري عنيف، يتخذ تركيز كيري على صيغة التسوية الفلسطينية صورة منقطعة ظاهرا عن سلم اولويات الرئيس براك اوباما.

        يبدو بالتالي فان مفتاح نجاح المحادثات يكمن في تقليص رؤيا كيري وفي تبني استراتيجية "الخطوة خطوة" التي اتخذها كيسنجر. ومع ذلك، مشكوك أن تسمح طبيعة النزاع في المجال الفلسطيني بالتقدم في صيغة متعددة المراحل. الخيار العملي اكثر قد يكون "خيار الخطوة". لخطوة وحيدة يوجد احتمال أكبر في تحقيق اتفاق يتحقق، طالما انقطع عن سياقات اخرى في النزاع. اذا ما وعندما يتحقق مثل هذا النوع من الاتفاق، سواء كان أمنيا، أو عني بمسألة الحدود، فانه كفيل بان ينشيء وضعا راهنا مستقرا أكثر، يمنح الطرفين الوقت لاستيعاب التغيير. كل هذا، على أمل ان تسمح الظروف الجديدة، في المدى الابعد، بمحاولات اخرى تصل الى مطارح السلام.

        الاشهر القريبة القادمة ستوضح بالتالي اذا كانت المحادثات ستكون محفزا لتقدم من مرحلة واحدة، ام ربما ستكون ليس أكثر من عزف آخر لذات النغمة اياها.