خبر مجلس أمن التفاوض ..يديعوت

الساعة 11:45 ص|02 أغسطس 2013

بقلم: اليكس فيشمان

        (المضمون: انشاء لجنة امريكية اسرائيلية مشتركة مهمتها النظر في حاجات اسرائيل الامنية لازالة كل اعتراض قد تعترض به اسرائيل على تقدم المحادثات مع الفلسطينيين - المصدر).

        كالعادة يبدأون عندنا بحيلة. فبدل سجناء أمنيين يمكن ان يحاولوا ان يدسوا في القائمة سجناء من نوع آخر كأن يكونوا جنائيين مثلا. وهكذا بدل الافراج عن السجناء الامنيين الفلسطينيين الـ 104 الذين حوكموا قبل اتفاقات اوسلو، ستفرج اسرائيل عن 82 سجينا أمنيا فقط من سكان المناطق، أما الباقون وعددهم 22 فسيكونون ايضا سجناء فلسطينيين من الفترة قبل اوسلو، لكن لن يكونوا "امنيين" بصورة سافرة.

        احتال نتنياهو هذه الحيلة في 1998 في ولايته الاولى. فقد كان قد عاد آنذاك من جولة اخرى من المحادثات السلمية في مؤتمر واي ريفر في ميريلاند تم الاتفاق في نهايتها على لفتة الافراج عن سجناء فلسطينيين لتحريك المسيرة. وحينما عاد الى البلاد ذُعر كما يبدو من الالتزام الذي أعطاه وبدل ان يفرج عن مخربين أفرج عن لصوص سيارات. وهاج الفلسطينيون وماجوا. وبنظرة متأخرة نقول انه كان يُفضل عدم الافراج عن أحد لأن هذا الاجراء محا ما بقي من الثقة التي كانت موجودة بين الطرفين.

        إن الفرق هو ان الرئيس آنذاك كلينتون (كان وما زال) رجلا لطيفا. أما وزير الخارجية جون كيري فهو مهذب حقا لكنه يعرف كيف يكشر عن أسنانه ايضا. انه "لطيف" مثل جيم بيكر تقريبا وزير الخارجية في ادارة بوش الأب، الذي جر رئيس الوزراء اسحق شمير الى مؤتمر مدريد من أذنه. وقد ذاق الفلسطينيون من قبل الجانب غير اللطيف من كيري، فبعد ان سربوا في يوم الجمعة الماضي ان الامريكيين يؤيدون بدء تفاوض على أساس خطوط 1967، وصلت الى المقاطعة في رام الله مكالمة هاتفية بنغمات عالية ومهددة من أحد مساعدي كيري الكبار. وأسقط هذا عن الفلسطينيين شهوة الاستمرار في التسريب، الى الآن على الأقل. وقد وُضع في كفة الميزان أمر رئاسي حرر للفلسطينيين مساعدة تبلغ 150 مليون دولار. وحينما بدأ نتنياهو ايضا يتعوج في أمر السجناء الامنيين قبل اوسلو أوقف كيري ذلك فقال لا 82 بل 104. نقطة. وأوضح قائلا: كما التزمت للفلسطينيين بالضبط أنا وزير الخارجية.

        في اثناء المباحثات في خطوات تبني الثقة عرض فريق كيري سلسلة أفكار كأن يتم تمكين الفلسطينيين مثلا من القبول اعضاءا في بعض مؤسسات الامم المتحدة. وتم الكلام على مؤسسات أقل اشكالا بالنسبة لاسرائيل مثل وكالة البريد، لكنها مؤسسات تمنح أبو مازن ميزة دعائية في الطريق الى اعتراف دولي بدولة فلسطينية مستقلة. وسقطت هذه الفكرة. واقترح الامريكيون ايضا الافراج عن 250 – 300 أسير أمني تختارهم اسرائيل لا من الفترة التي سبقت اوسلو خاصة. وسقط هذا ايضا.

        ونجح كيري في ان يدفع رئيس الوزراء الى ركن يجب عليه فيه ان يلتزم بلفتة اسرائيلية من طرف واحد من بين ثلاثة امكانات وضعت على الطاولة. ورُفضت فكرة الاعتراف بحدود 1967 أساسا للتفاوض لأن نتنياهو يرى ذلك موافقة مسبقة على نتائج التفاوض النهائية. أما موافقة معلنة على تجميد البناء في المناطق، فكانت تحصر التفاوض في قضية المستوطنات، وأراد الامتناع عن هذا ايضا وهكذا بقي نتنياهو مع الخيار الثالث وهو الافراج عن قاتلين.

        ودُفع نتنياهو الى وضع كان يجب عليه فيه ان يتخذ قرارا قياديا لا يحظى بتأييد "الشباك" لكن في مباحثات داخلية تمت في ديوان رئيس الوزراء بحضور وزراء من اعضاء المجلس الوزاري المصغر، نجحوا في ان يجدوا بصعوبة "تسويغا" للاجراء: فالحديث أصلا عن سجناء كان يفترض ان يفرج عنهم في 1993 حينما أفرغت اسرائيل سجونها من آلاف السجناء الامنيين في اطار اتفاق اوسلو. وما زالوا في محيط نتنياهو القريب يصرون على انه لم يلتزم قط بالافراج عن سجناء امنيين عرب اسرائيليين (ويشمل هذا سكان شرقي القدس). ومن هنا نجم العدد 82: فهو عدد السجناء الامنيين قبل اوسلو الذي لا يشمل عربا اسرائيليين.

        دورة تربية من جديد

        تحدث وزير الدفاع موشيه يعلون هذا الاسبوع عن "ضرورة استراتيجية" حيوية جدا لمصالح اسرائيل ألزمت رئيس الوزراء ان يتخذ القرار الحاسم الصعب على الافراج عن سجناء مع دم على أيديهم. وكان من فسروا ذلك بأنه التزام الرئيس اوباما لاسرائيل في الشأن الايراني أو في شؤون استراتيجية اخرى، لكن الامر ليس كذلك. فالضرورة الاستراتيجية تتعلق مباشرة بعدم لطف كيري. فقد بين وزير الخارجية الامريكي لاسرائيل انها اذا لم تف بالتزامها الافراج عن السجناء الـ 104 فسيتهم اسرائيل بتفجير المحادثات مع كل ما لذلك من أثر على مكانتها الدولية. ويمكن ان نسمي هذا تهديدا ويمكن ان نسميه تربية من جديد: إنني أنا، وزير الخارجية الامريكي، غير مستعد للسخرية مني. وحينما أتعهد لأحد الطرفين فلا يمكن أن لا أفي بذلك.

        نشك في ان يستطيع نتنياهو تكرار حيلة السجناء الجنائيين. ويقولون حوله انه لا يحسن حتى البدء بالجدل في ذلك: ان الفلسطينيين لن يخيبوا آمالنا وسيفجرون المحادثات قبل ذلك بكثير لأنه يصعب ان نؤمن بأن يوافقوا على الاعتراف بأن اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي وان يعلنوا انهاء الصراع، كما يُقدرون حول نتنياهو.

        لكن في هذه الاثناء ووزير الدفاع يتحدث عن "تقديرات استراتيجية" في الافراج عن السجناء، يُجري العاملون معه من وراء ستار اجراءً استراتيجيا حقيقيا له اسهام مباشر في التفاوض مع الفلسطينيين والعلاقات الامنية بالولايات المتحدة. وقد بدأت من شهر أيار هذا العام لجنة مشتركة اسرائيلية امريكية تعمل وتفحص عن حاجات اسرائيل الامنية في اطار اتفاق سلام مع الفلسطينيين، ويدرك كيري انه يجب عليه ان يُبطل "العائق" الأكبر للمسيرة (في نظر طرف من الطرفين) أو "حجة" عدم التوصل الى تفاوض ألبتة (في نظر طرف آخر): أي قضايا اسرائيل الامنية.

        في 2007 بعد مؤتمر انابوليس عين الرئيس آنذاك جورج بوش الجنرال جيمس جونز ليشتغل بمشكلات اسرائيل الامنية، بيد ان جونز لم يحظ هنا بتعاون، فقد رأوه في اسرائيل عنصرا سياسيا وشكوا أنه يتعاون مع الفلسطينيين ايضا على علم. وفي 2009 أُرسل الى المنطقة الجنرال جون ألين الذي كان يوشك آنذاك ان يُعين قائدا لقوات حلف شمال الاطلسي في افغانستان. وأجرى حوارا مع جهاز الامن وأعد عددا من الوثائق التي تُستخدم في هذه الايام أساسا للمحادثات المجددة على أثر مبادرة كيري. وقد أنهى ألين عمله في افغانستان وذكر اسمه آنذاك في قضية قائده الجنرال باتريوس المحرجة. وتمت تبرئته وكان يفترض ان يعين القائد الاعلى لحلف شمال الاطلسي في اوروبا لكنه تخلى عن المنصب وترك الخدمة في بداية سنة 2013.

        في شهر آذار من هذه السنة حينما بدأ وزير الخارجية الامريكي كيري يدحرج التفاوض المجدد توجه الى صديقه وزير الدفاع تشاك هيغل وطلب ان يعيره الجنرال الين ليكون رئيس فريق يفحص عن حاجات اسرائيل الامنية تمهيدا لاتفاق مع الفلسطينيين. وأعطى الرئيس الامريكي مباركته، وفي شهر أيار هذا العام بدأ الجنرال الين يعمل مع اسرائيل. إن هيئة الضباط الاسرائيلية تُجل الين وتُطريه بخلاف الجنرال جونز، فهو جدي وقوي الحضور وصاحب هدف وجنرال لامع. وكل الابواب مفتوحة له حتى أبواب رئيس الوزراء ووزير الدفاع.

        تُبين احاديث الى جهات في الادارة الامريكية ذات صلة بالتفاوض السياسي أن الجنرال الين انشأ هنا فريقا من 20 من الامنيين – ضباط كبار في الخدمة ومتقاعدين وعاملين في وزارة الدفاع الامريكية عملوا معه في الماضي وأناس الملاحق العسكرية في اسرائيل وضباط من قوة التنسيق الامريكية مع الفلسطينيين. وقد جند معهم خبراء مدنيين في مجالات محددة كخبراء بتأمين الحدود. ويعمل هذا الفريق في ثلاث قواعد: في واشنطن وفي السفارة في تل ابيب وفي القدس. والبعثة المقدسية لها اتصال بالفلسطينيين ايضا برغم ان ذلك ليس جزءا من تفويض الفريق.

        وتعمل في مقابل الفريق الامريكي لجنة اسرائيلية دائمة برئاسة رئيس شعبة التخطيط اللواء نمرود شيفر، والى جانبه رئيس القسم السياسي الامني في وزارة الدفاع، عاموس جلعاد، ويشارك في عضوية الفريق ايضا عاملون في "الشباك" يباحثون الامريكيين في قضايا السيطرة الاستخبارية بعد خروج الجيش الاسرائيلي من الارض. ووزير الدفاع يعلون هو الذي يوجه الفريق الاسرائيلي.

        لا يرسمون في هذه اللجنة خرائط كي لا يدخلوا حقل الالغام السياسي. لكنهم يحاولون الاجابة عن السؤال الرئيس الذي يطرحه نتنياهو مرة بعد اخرى وهو: هبوا أننا خرجنا من الارض وحصل الفلسطينيون على دولة سيادية – فكيف نمنع تحول الضفة الى غزة ثانية؟ إن هذا السؤال الرئيس يتم تحليله في اطار اللجنة الاسرائيلية الامريكية الى مئات القضايا والمعضلات: مثل ماذا ستكون الوسائل الامنية على الحدود بين الاردن والضفة؟ وكيف يتم الدفاع عن مطار بن غوريون في وجه اطلاق نار من الضفة؟ وهل تُنشر قوات متعددة الجنسيات في يهودا والسامرة؟ وكيف تُمنع سيطرة عناصر جهادية على الضفة؟ وماذا سيحدث اذا انهار نظام الحكم في الاردن؟ وكيف سيبدو نزع السلاح في الضفة اذا أخذنا في الحساب انه يوجد هناك قوات فلسطينية مسلحة؟ وكيف سيتم الدفاع عن الكتل الاستيطانية؟ وماذا سيحدث اذا طلبت اسرائيل من الفلسطينيين ان ينفذوا اعتقالات أو يسلموا عناصر ارهابية؟ وهل التسليم متبادل؟ وهل ستستمر اسرائيل في الابقاء على محطات انذار وجمع معلومات استخبارية في الضفة؟.

سكاكر بأربعة مليارات دولار

        يرى نتنياهو ويعلون انه لا يوجد شريك فلسطيني جدي يمكن الاعتماد عليه في اطار اتفاق. وهما يريان ان كل ارض ستسلم الى الفلسطينيين ستصبح مركز ارهاب كما تدل تجربة الماضي. ويتوقع الامريكيون من اسرائيل ان تعرض المشاكل وقد اصبحوا يصوغون الحلول. وهم يعلمون ان التهديدات التي تشير اليها اسرائيل مبالغ فيها احيانا ويأخذون ذلك في الحسبان. لكن يفترض ان تصدر اللجنة آخر الامر وثيقة اسرائيلية امريكية تعترف فيها الولايات المتحدة بالتهديدات التي تتعرض اسرائيل لها وبالحلول المطلوبة.

        وتعمل اللجنة على الدوام، أما الجنرال الين نفسه فيأتي الى اسرائيل حينما تصل مباحثات في قضية ما الى نضج يوجب قرارات. ويقدرون في اسرائيل ان تنهي اللجنة عملها في غضون اشهر معدودة.

        وتوجد ميزة اخرى لهذه اللجنة بالنسبة لاسرائيل لأنه اذا بلغ التفاوض الى مرحلة يتباحث فيها الأطراف في الملحق العسكري – الامني باتفاق السلام فسيكون في يدها تفاهمات واتفاقات مع الادارة الامريكية، وكما سيقف الفلسطينيون في مواجهة اسرائيل وفي أيديهم تفاهمات مع الامريكيين بشأن موضوعات اقتصادية، بالضبط. وسيطلب الى اسرائيل في اثناء التفاوض ان تمنح الفلسطينيين قدرا أكبر من حرية الحركة وان تصدر عددا أكبر من التصاريح للناس والسلع من الضفة وان توافق على مشروعات بنى تحتية وسياحة ويشمل ذلك المنطقة ج التي تسيطر عليها اسرائيل سيطرة كاملة.

        وليس هذا كل شيء. لأنه يتبين ان ما بدأ بصفة لجنة ذات تفويض مضيق في مسائل امنية في السياق الاسرائيلي الفلسطيني اتسع ليشمل موضوعات اخرى ايضا لأنه اذا كانوا يشتغلون بالحدود بين اسرائيل وغزة فمن المنطق ان نفترض ان ينتقل ذلك الى قضايا أوسع في الشرق الاوسط تتعلق بالتغييرات الاقليمية الحادة التي تجري في السنتين الاخيرتين.

        ويتسع ذلك ليشمل دوائر اخرى. إن لدول الجامعة العربية التي تؤيد مسيرة السلام كالسعودية والاردن والامارات مصالح مشتركة مع اسرائيل. إن ممثلي اسرائيل لا يجلسون في الحقيقة في نفس الغرفة مع السعوديين والقطريين لكن من المؤكد ان الامريكيين يستطيعون التوسط وان ينقلوا معلومات من طرف الى آخر. وإن تأييد الجامعة العربية للمسيرة ليس دعما قويا لأبو مازن فقط بل هو اغراء لاسرائيل لأن نجاح التفاوض سيفتح لها أبواب أكثر من خمسين دولة مسلمة.

        إن جون كيري رجل محنك. وكما يعطي الفلسطينيين الرجل الاقتصادية – 4 مليارات دولار لدعم البنية التحتية للسلطة – يقوي اسرائيل ايضا بترتيبات امنية واسعة النطاق. وتُحدث هذه الاحزمة الامنية عند الطرفين باعثا على اظهار مرونة. وقد يكون هذا من وجهة نظر كيري هو الشيء الذي سيفضي هذه المرة الى نجاح التفاوض.