خبر انهيار المفهوم ..معاريف

الساعة 11:45 ص|02 أغسطس 2013

بقلم: نداف ايال

        (المضمون: مخطيء من يظن أن الامريكيين ليسوا جديين في محاولاتهم، ونتنياهو يعرف أنه بحاجة ال تحصين نفسه سياسيا من خلال ابداء قدر معقول من "الجدية" في المفاوضات السياسية - المصدر).

        هل سمعتم هذا الصوت الرقيق؟ انه صوت المفهوم المتحطم. وماذا كان المفهوم؟ ان بدء المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين هو هراء. محاولة أمريكية للشعور بها والسير بدونها؛ فلما كان الاجماع الاكبر هو أنه لا توجد أي فرصة للمحادثات، فان السؤال هنا هو فقط النجاح في العلاقات العامة؛ ان اوباما يسمح لكيري بان يلعب كفارس وحيد بين القبائل الشرق اوسطية لانه هو نفسه قد يئس، ولكن وزير الخارجية الامريكي مقارنة به مليء بالامال، ولا سيما لانه ساذج (احد السياسيين المخضرمين في واشنطن، ولكن بالنسبة للمحللين في اسرائيل – بريء كالرضيع ابن يومه). ثمة من لا يزالون يوهمون أنفسهم بان هذه القصة لا تحصل حقا. وأنها مسرحية واحدة كبرى، فواضح أن الفلسطينيين لا يقصدون هذا، والاسرائيليين بالتأكيد لا يقصدون. وماذا عن الامريكيين؟ فهم يثرثرون حتى الجنون دون قصد حقيقي.

        هذه الفرضيات تدفع الناس لاتخاذ القرارات. لندع نفتالي بينيت الذي لا يؤمن للحظة واحدة بانه ستكون مفاوضات جدية – ولهذا فلا يوجد أي سبب يدعوه للانسحاب من الحكومة؛ او اعضاء الليكود الذين صمتوا هذا الاسبوع صمتا نسبيا (التصريحات الغاضبة في الليكود هي صمت نسبي) حيال استئناف المحادثات. الجميع تطرقوا اليها وكأنها دمية ائتلافية: دمية لتسيبي لفني، دمية لجون كيري، دمية لابو مازن.

        هذا كان المفهوم. مشكوك جدا أن يكون بعد مجريات هذا الاسبوع في واشنطن لا يزال قائما. نعم، التقدير المتشائم الذي يتوقع فشلا تاما لا يزال الاكثر عقلانية واحتمالا (كون المسيرة السلمية بين الطرفين فشلت منذ عشرين سنة، لا ريب أن الرهان الصحيح هو ضد المسيرة). نعم، شك كبير ان يكون نتنياهو وابو مازن قد اجتازا أنهارا فكرية وتوصلا الى الاستنتاج بانه ضروري الاتفاق الان وفي نيتهما توفير الحلول الوسط الكبرى والمخيفة التي يتطلبها. وبقدر معرفتي، لا يوجد محلل واحد – في الشرق الاوسط او في امريكا – أعرب عن تفاؤل حقيقي بالنسبة للمحادثات. هذا مؤشر يبشر بالشر.

        ولكن كل باقي عناصر المفهوم الاستخفافي انهارت. جون كيري أوضح، اوباما أوضح، بيان البيت الابيض أوضح الامر المسلم به: في الولايات المتحدة السياسة الخارجية تدار من البيت الابيض، او كما يقول مصدر في واشنطن: في هذه المدينة الرئيس اوباما ليس الرجل الاهم في الغرفة، هو الرجل الوحيد في الغرفة. التقدير الهاذي في أن جون كيري حصل على صندوق رمال ما يلعب فيه، في الوقت الذي يعتقد الرئيس نفسه بان المسيرة السلمية عديمة الاحتمال وان كيري يدير مشروعا خاصا ما – تبدد تماما. وقد تبدد بعد بيان اوباما وبعد أن التقى الطرفين وبعد الاقوال التي قالها جون كيري بناء على رأي الرئيس: في أنه يعمل بتكليف شخصي من الرئيس الذي كلفه بالمسؤولية عن العمل في ضوء خطابه التاريخي في القدس. والكلمة "التاريخي" بالنسبة للخطاب في مباني الامة ذكرت المرة تلو الاخرى. وكان هذا هو سبيل الامريكيين للتشديد على أن الرئيس تحدث الى الجمهور الاسرائيلي وقال ان السلام صحيح، عادل وممكن. وهو لم يقصد اطلاق شعار آخر. لم يكن هذا خطابا جاء فقط ليقول: "انتم لستم وحدكم". فـ "لستم وحدكم" لم تكن سوى مقدمة لخطاب برنامجي. وعلى اي حال فان فكرة "كيري يعمل وحده" كانت غبية لان المسؤولية في نهاية الامر هي على اوباما. فاذا تفجرت المفاوضات واشتعلت المناطق بانتفاضة ثالثة، فان الرئيس الامريكي سيتحمل مسؤولية الفشل، وهو سيتحملها عمليا وحده. في الثقافة السياسية الامريكية ليس مقبولا القول: حسنا، أعطيت كيري اللعب في صندوق الرمال في الشرق الاوسط، ولم أكن مشاركا كثيرا، ولم أسمع ولم أعرف.

* * *

        التوافقات نفسها كانت متوقعة، ولكنها لا تزال ذات مغزى. مفاوضات متواصلة، لتسعة اشهر، دون تسريبات (سنرى ذلك لاحقا) مع التزام الاطراف بالبقاء داخل المسيرة. مفاوضات غايتها تحقيق تسوية دائمة ونهاية للمطالب، اقامة دولة فلسطينية وحل مسائل الامن لاسرائيل، دون مواضيع محظور البحث فيها. ذات مرة كان نتنياهو يقول عن حكومة "وافقت على الحديث" عن القدس. أما اليوم فهو يأتي الى مفاوضات سيجري فيها الحديث ايضا عن اللاجئين. من خلف الكواليس تلقت اسرائيل تعهدا امريكيا في أن نتيجة المفاوضات ستكون الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية. وتلقى الفلسطينيون اعترافا بان الاساس هو خطوط 67. لا توجد هنا مفاجآت، ولكن هذا جزء من معركة الاستنزاف الدبلوماسية.

        أين توجد مفاجآت؟ في التفاصيل السرية التي طرحها كيري في محادثاته مع الزعماء. ليس صدفة ان وزير الخارجية الامريكي شدد بعمق على الحاجة الى منع التسريب والى السرية التامة في اثناء المحادثات. وبشكل نادر جدا طلب ايضا عدم تصديق "مقالات أو شائعات" تقول ان الوحيد المخول للحديث هو هو – وهو لن يتحدث. هذه السرية ليست فارغة من المضمون. خلفها يختبىء نهج كيري كله، الذي ينكشف بالتدريج على اصحاب القرار. فهم يسمعون ان المفاوضات لن تبدأ من نقطة السفر، مثلما في الماضي، وان هذه المرة لن تجرى محاولة لابقاء المواضيع الصعبة الى النهاية. ومع تعيين مارتين اينديك القديم والمجرب، الكبير في شؤون اسرائيل والجمهور الاسرائيلي، من الصعب التصديق بان الادارة الامريكية تخرج الى هذه المؤامرة انطلاقا من الفهم بانه ستفل. هذا لا يبدو على هذا النحو.

* * *

        توجد مناهج في العلوم السياسية تعتقد بان المسيرات هي ذات امكانية كامنة لتغيير طرق اصحاب القرار؛ وان مجرد الشراكة في المسيرة تؤدي باصحاب القرار الى التغير  وتكييف أنفسهم للنفق الذي دخلوا فيه على علم. فالامريكيون يعرفون أن ابو مازن ونتنياهو يأتيان الى هذه الاتصالات وهما شكاكين ومستائين. وهم يفهمون بانه لا يوجد هنا دافع سياسي كبير في الطرفين، ولكنهم يعتزمون خلق مسيرة تضغطهما ببطء نحو القرار الذي يقربهما من الحل الوسط. القرار سيضطران الى اتخاذه وحدهما. التغيير سيحصل او لن يحصل، ولكن الامريكيين يعتزمون "التظاهر بهذا الى ان يتم" (وبالانجليزية يرن في الاذن على نحو افضل: Fake It Till I Make It).

        وفي واقع الامر لماذا لا يفعلا؟ مصدر أمريكي اشار هذا الاسبوع بنبرة عملية بان مشروعا مركزيا في مجال الخارجية يمكن لاوباما ان يسيروا نحو بكل القوة هو السلام الاسرائيلي – الفلسطيني. سوريا معقدة اكثر من ان تحل في السنتين القريبتين، في كل الاحوال؛ من افغانستان انسحب؛ العراق بات نظيفا من الجنود الامريكيين؛ مشاريع مثل المواثيق البيئية وتخفيض السلاح النووي العالمي ستستمر لسنوات طويلة؛ مع الصين ستستمر امريكا بالمناكفة قليلا في مواضيع التجارة  وتخفيض قيمة العملة. الاماكن الوحيدة التي يلتزم فيها الاطراف، رسميا على الاقل بوساط امريكية ناجعة هم القدس ورام الله. الطرفن متعلقان تعلقا عميقا بامريكا، وفي الواقع لا يمكنهما ان يتعلق باحد آخر. ليس فقط الاسرائيليون الذين اكتشفوا قبل اسبوعين كم هي اوروبا تبتعد، بل وايضا السلطة الفلسطينية التي لا يمكنها أن تسمح لنفسها باغتراب امريكي حتى ولو ليوم واحد. اذا كان ثمة مكان يمكن للرئيس ان يمارس فيه العضلات، كما أجمل المصدر، فهو عندكم.

        في واقع الامر، يقول، اين يمكنه أن يحقق الانجازات على الاطلاق؟ الكونغرس منقسم؛ مجلس النواب على ما يبدو لن يحتل من الجمهوريين في الانتخابات القريبة؛ الاصلاح الصحي أقره، ولكن يحتمل أن يتأجل تطبيقه جزئيا، وعلى اي حال الولايات المختلفة تحاول احباطه؛ اصلاحات السلاح فشلت؛ محاولات البيت الابيض التغيير الجذري للاقتصاد الامريكي وشطب عدم المساواة التي تخنق امريكا فشلت تماما في هذه المرحلة. لقد خرج الرئيس الاسبوع الماضي الى سلسلة خطابات في الولايات المختلفة وقد بدت كخطابات انتخابية؛ مؤشر سيء جدا لرئيس مدة نفاد مفعوله تقترب. اذا كان ثمة مكان لا يزال يمكن لاوباما أن يحقق فيه انجازات، فهو على ما يبدو في الخارج. ونزاعكم يبدو فجأة مغريا جدا. وعلى فرض أن هذا سينجح، بالطع. حتى هنا المصدر الامريكي.

        ماذا ينقص في هذا التحليل؟ ينقص الواقع، بالطبع. ينقص فهم النية الزعامية لنتنياهو – الفهم الذي لا يوجد لدى أحد في العالم غيره. أنا لا اعرف احدا في الخريطة السياسية يقدر بان نتنياهو سيوافق، في اي سيناريو، على أن يقدم عرضا مشابها لعرض رئيس الوزراء اولمرت على ابو مازن – 97 في المائة من اراضي يهودا والسامرة، ولا توجد اي جهة فلسطينية تعتقد بان ابو مازن سيكون مستعدا لان يقبل أقل من العرض الذي سبق أن طرح عليه.

* * *

        مصدر ذو صلة بالمفاوضات قال هذا الاسبوع في حديث خاص انه حل لغز نتنياهو ونواياه. انت تستحق جائزة نوابل، اجابه محادثه، او على الاقل التعيين في منصب محافظ بنك اسرائيل. فما هي نواياه؟

        رئيس الوزراء توصل الى الاستنتاد بانه يتعين عليه أن يخلق لنفسه مجال عمل دولي سخي، قال ذاك المصدر، والسبيل الى عمل ذلك يمر في اعادة خطى اولمرت وباراك. اولمرت وباراك، عجب محادثه، ماذا، الانتحار سياسيا؟

        تقريبا، اجاب المصدر بارتياح. نتنياهو توصل الى الاستنتاج بان عليه، مثل باراك واولمرت، أن يعرض عرضا سخيا. ان يكون في وضع يقول فيه لكل العالم: انظروا، عرضت على ابو مازن سلاما ودولة وهو رفض. بعد أن فعل باراك واولمرت ذلك نزل العالم عن رقبتيهما. منذئذ وحتى اليوم. وهما يعتبران حصينين من الانتقاد في المجال الفلسطيني. فقد فعلا كل ما يستطيعاه وما شابه.

        لا حاجة لنتنياهو أن يعرض على ابو مازن عروضا بعيدة المدى مثلما عرض سلفاه، لا سمح الله، فان رئيس السلطة قد يقبلها. لا، كل ما يحتاج نتنياهو الى عمله هو أن يقترح عرضا محترما. عرضا يمكن الجدال فيه. حلا تاريخيا يلزم اسرائيل بتنازلات أليمة، ولكن ليست أليمة جدا. لنفترض 85 في المائة من الارض. واضح أن ابو مازن سيرفض. يمكن دوما الاعتماد على الفلسطينيين ان يرفضوا. ولكن هكذا يمكن لرئيس الوزراء دوما أن يقول: عرضت. وخلافا لعرض اولمرت، عندي تفويض ايضا باقرار كل مبادرة سلام كهذه. فلعلني عرضت اقل بكثير مما طلبوا، ولكني لا أزال عرضت عرضا "جديا". الرفض الفلسطيني للعرض الاسرائيلي السخي سيغلف نتنياهو بطبقة من المادة اللطيفة والناعمة التي تحصنه وتبقى معه لسنوات عديدة. واذا كانت حاجة، ستبقى معه عميقا في الهجوم على ايران. هذه هي القصة.

        انت متهكم جدا، اجابه محادثه.