خبر الدكتور شلح: لم يعد هنالك قدس للبكاء عليها والعالم العربي على حافة « سايكس بيكو » جديد

الساعة 06:18 م|29 يوليو 2013

بيروت

أكد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبد الله شلَّح، أن العالم العربي على حافة "سايكس بيكو" جديد أخطر من السابق، منبهاً إلى أن أعداءنا يحاولون تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، واستبدال الصراع مع الصهاينة بالصراع الطائفي والمذهبي.

ووصف الدكتور شلَّح - في كلمةٍ ألقاها بالإفطار الجماعي الذي نظمته لجنة دعم المقاومة في بيروت اليوم الاثنين، بمناسبة يوم القدس العالمي - المبادرة العربية بأنها وعد بلفور جديد أخطر من الذي أعطي في العام 1917م.

وأوضح أن خطورة الوعد الجديد تكمن بتنازل من يملك الأرض لمن لا يستحق، أما الأول فكان وعد من لا يملك لمن لا يستحق.

ولفت الدكتور شلَّح إلى أن الشعب الفلسطيني تعرض قبل أكثر من 65 عامًا لعملية اقتلاع كبرى من أرضه، بل أكبر علمية سطو في التاريخ، منوهاً إلى أن المشروع الصهيوني يوشك أن يقطف آخر ثمار النكبة بإعلان فلسطين "دولةً" خالصة لليهود.

وقال:" إنه رغم كثرة المحطات التاريخية والمراحل التي مر بها الصراع مع الصهاينة فهناك أربعة أحداث مفصلية صنعت نكبة فلسطين، بل رسمت ما سمي بـ"شرق أوسط جديد" في القرنين الـ 20-21 أولها: اتفاقية "سايكس بيكو" عام 1916م، ثم وعد بلفور 1917م، ثم نكبة فلسطين عام 1948م، ثم النكبة الثانية بسقوط القدس وهزيمة عام 1967م".

وشدد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي على أنه لم يعد هنالك قدس للبكاء عليها، فالمدينة هودت، وأهلها مهجرون، والمعركة الآن باتت على المسجد الأقصى وتقاسم الصلاة فيه.

وتطرق الدكتور شلَّح إلى استئناف المفاوضات بين كيان الاحتلال والسلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أن الأخيرة "تنازلت عن كثير من شروطها تحت الضغوط الأمريكية من أجل إحياء نهج "أوسلو" الذي يعاني من حالة موت سريري منذ سنوات".

وأضاف:" جديد المفاوضات هذه المرة أن الملف الفلسطيني قد يوضع على طاولة المقايضات مع ملفات أخرى في المنطقة، وأظن أن القيادة الفلسطينية تعي ذلك، وآمل ألا تقع في هذا الفخ".

وعرج الدكتور شلَّح على وضع العالم العربي، قائلاً:" يجب أن نعترف بأن حال الأمة اليوم هو الأخطر إن لم يكن الأسوأ في كل مراحل تاريخها"، متحدثاً عن حالة الانقسام والاصطفاف الطائفي والمذهبي التي أشار إلى أنها تكاد تجرفنا جميعًا إلى المجهول.

وتابع يقول:" كما ننظر إلى من يلوكون لحم وكبد القتلى، ومن يلقون براميل البارود التي تقتل الناس"، في إشارة لرفض حركته لكل أشكال العنف الدموي التي تصطبغ بها الصراعات في المنطقة. واستهجن أن يكون التواصل مع قوى المقاومة تهمة للتخابر.

واستطرد الدكتور شلَّح:" الجميع يتحمل المسؤولية عن ذلك، والكل مطالب بإجراء مراجعة لما جرى ويجري في المنطقة".

وشدد على أن واجب المقاومة الشرعي ومسؤوليتها الوطنية يُحتم عليها أن تُبقي قضية فلسطين أمانة وألا تضيعها، ولا تزج بها في أي صراع، وأي نزاعات داخلية.

وكان الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي قد استهل حديثه بالتأكيد على أن فلسطين هي مشكلة العرب والمسلمين الكبرى، بل هي أم المشاكل وأم العقد وأم القضايا، مشدداً على أنه يجب ألا ننسى ذلك مهما طال علينا الأمد، ومهما استجد من أحداث.

وفي ختام حديثه، أعرب الدكتور شلَّح عن أمله بأن تتجاوز الأمة هذه المرحلة الصعبة في تاريخها كما تجاوزت مراحل سابقة.

 

نص الكلمة التي ألقاها الأخ الدكتور رمضان عبد الله شلّح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين

يوم الاثنين 20 رمضان 1434هـ، خلال حفل إفطار في العاصمة اللبنانية بيروت

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين،  إمام المجاهدين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين، وبعد،

أشكر الأخوة في "لجنة دعم المقاومة في فلسطين" على دعوتي لهذا اللقاء، في هذا الشهر الكريم، وهذه الليلة المباركة، وأحييكم جميعاً، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في الحقيقة أنني لم أكن أرغب بالحديث، وأنا ضيف أو زائر للبنان الشقيق، وفي هذا الظرف الحساس والمضطرب في المنطقة، لكني نزولاً عند رغبة بعض الأخوة الأعزاء، رأيت أن أوجز، في مناسبة القدس، بعض الملاحظات المتعلقة بفلسطين القضية والمصير، فأقول:

أولاً، مهما طال علينا الأمد، ومهما استجد من أحداث، يجب أن لا ننسى أن فلسطين تظل هي مشكلة العرب والمسلمين الكبرى، بل هي أم المشاكل وأم العقد وأم القضايا. لقد تعرض شعبنا قبل أكثر من خمسة وستين عاماً لعملية اقتلاع كبري من أرضه، بل لأكبر عملية سطو في التاريخ، حيث سطا المشروع الغربي الصهيوني على أرضنا ووطننا، ونتيجة لذلك تحول شعبنا إلى لاجئين داخل وخارج وطنه فلسطين. ونتيجة لذلك، نحن هنا اليوم!

ثانياً، برغم كثرة المحطات التاريخية والمراحل التي مر بها الصراع على فلسطين، هناك أربعة أحداث مفصلية صنعت مأساة فلسطين، بل رسمت ما يسمى بشرق أوسط القرن العشرين والواحد وعشرين، وهي: اتفاقية سايكس بيكو عام 1916؛ ووعد بلفور عام 1917؛ ونكبة فلسطين عام 1948؛ والنكبة الثانية بسقوط القدس وهزيمة عام 1967. وما بين هذه المحطات وما تلا ها من أحداث ووقائع هي تفاصيل.

ثالثاً: اليوم، وفي هذه المرحلة الدقيقة والحرجة من عمر الأمة، يعاد إنتاج هذه العناوين الأربعة، وبما هو أخطر وأسوأ مما مضى: فالعالم العربي يقف الآن على حافة سايكس بيكو جديدة أخطر من السابقة، لأنها أولاً لن تقتصر على بلدان المشرق فقد تطال مصر وبلدان شمال أفريقيا؛ وثانيا يراد بها المزيد من التفتيت لأوطاننا وأمتنا بتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، واستبدال الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية بالصراع العربي الصهيوني.

 ثم هناك وعد بلفور جديد أخطر من الوعد القديم، لكنه يحمل اسماً عربيا "المبادرة العربية". ونقول أخطر لأن وعد بلفور القديم "أعطى فيه من لا يملك من لا يستحق"، أما الوعد الجديد، وانطلاقاً من أن فلسطين أرض عربية إسلامية، فإن "من يملك يتنازل لمن لا يستحق!".

 أما نكبة 48 فإن ما هو أخطر منها، بل نكبة النكبة كما يقولون، أن يتنازل صاحب الأرض عن أرضه أو يساوم على حقه المقدس بالعودة لها. الآن يوشك المشروع الصهيوني أن يقطف آخر ثمار النكبة بإعلان فلسطين "دولة يهودية" عنصرية خالصة لليهود، بما يفسح المجال لترحيل ما تبقي من شعبنا على أرض فلسطين.

 وعن النكبة الثانية أو هزيمة  67 التي أكمل فيها العدو احتلال القدس، فاليوم لم يعد هناك قدس حتى للبكاء عليها، المدينة هودت وأهلها يهجرون، والمعركة أصبحت على المسجد الأقصى لتقاسم الصلاة فيه كما في المسجد الإبراهيمي بالخليل، الأمر الذي لم يجرؤ الصهاينة على تنفيذه وهم في ذروة الانتصار لحظة دخول القدس عام 1967 .

وحتى أوضح هذا الأمر، أخرج عن السياق وأذكر بدخول القادة الصهاينة إلى باحة المسجد الأقصى عام 67، موشي ديان وإسحق رابين وقائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي الجنرال عوزي نركيس، وكان معهم حاخام الجيش الصهيوني شلومو غورين، الذي أصبح فيما بعد حاخاماً للكيان، يومها طلب الحاخام من الجنرال نركيس وألح عليه بأن يفجر ويهدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة؛ ليعاد بناء الهيكل المزعوم، لكن الجنرال نهره ورفض- بالمناسبة هناك شارع رئيس في القدس باسم عوزي نركيس هذا- وعندما قاد الحاخام غورين جماعة من المتدينين اليهود وأرادوا اقتحام المسجد الأقصى للصلاة فيه بعد أسبوع من احتلاله، رفض وزير الدفاع آنذاك موشي ديان السماح لهم بذلك، لأنه اعتبر بأن العالم العربي والإسلامي لن يقبل ولن يتحمل هذه الخطوة! هذا ونحن في لحظة هزيمة وفاجعة 67، لكنهم كانوا يحسبون لهذه الأمة حساباً، فما بالنا اليوم، اليهود يدخلون الأقصى للصلاة فيه ومخططاتهم مستمرة للسيطرة عليه وهدمه، ولا أحد يحرك ساكناً أو حتى يسأل عن القدس أو يذكرها؟!

رابعاً: نشهد هذه الأيام حركة نشطة وقبولاً بالعودة إلى المفاوضات بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، التي تنازلت عن كثير من شروطها، تحت الضغوط الأمريكية؛ من أجل إحياء نهج وبرنامج أوسلو الذي يعاني من حالة موت سريري منذ سنوات. ما الجديد في العودة للمفاوضات هذه المرة، بعد أن ثبت عقمها وفشلها؟! الجديد أن الملف الفلسطيني هذه المرة قد يوضع على طاولة "المقايضات" مع ملفات أخرى في المنطقة؛ وأظن أن القيادة الفلسطينية تعي ذلك، وآمل أن لا تقع في هذا الفخ، وإلا ستكون النتيجة والجائزة الكبرى لإسرائيل، ليس فقط تصفية قضية فلسطين، بل تدمير دول وهدم كيانات أخرى في المنطقة! لهذا السبب، يجب أن نعترف، وهذا ما نود أن نؤكد عليه في:

خامساً: وأخيراً، أن حال الأمة اليوم هو الأخطر، إن لم يكن الأسوأ، في كل مراحل تاريخها. إن حالة الانقسام والاصطفاف المذهبي والطائفي الجارية في المنطقة تكاد تجرفنا جميعاً إلى المجهول.. والكل يتحمل المسؤولية في ذلك، والكل مطالب بإجراء مراجعة لما جرى ويجري في المنطقة. (المراجعة مطلوبة حتى نتمكن من رؤية الجانبين في المشهد، نرى من يأكلون الأكباد والقلوب، ونرى أيضاً من ينزلون براميل الديناميت والمتفجرات على رؤوس الأبرياء العزل).

وبالنسبة لنا كمقاومة فلسطينية، فإن الواجب الشرعي والمسؤولية الوطنية يفرضان علينا أن تبقى فلسطين هي الأمانة التي يجب أن لا نضيعها، وأن لا نزج بها في أي نزاع أو صراع داخلي من أي نوع، لتبقى عزيزة على الجميع، وليبقى لها مكان في قلوب الجميع، لا أن تصبح تهمة يحاكم من يسأل عنها أو يتصل بأهلها بتهمة "التخابر" كما لو كانوا هم العدو!

إننا أمام هكذا حال، لا نملك إلا الصبر والثبات، لعل الله يحدث لنا أمراً؛ فتعود فلسطين من جديد  بوصلتنا جميعا، وقبلة جهادنا حتى النصر والتحرير بإذن الله.

ختاماً، إننا، وبرغم كل التحديات والمخاطر، لواثقون بأن أمتنا ستتجاوز هذه المرحلة الصعبة من تاريخها بإذن الله، كما تجاوزت غيرها من المراحل المشابهة في عصور سابقة، وأن الله سبحانه وتعالى سيتلطف بها ولن يخذلها ولن يضيعها بإذن الله.. بارك الله بكم، وشكر الله لكم، وكل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.