خبر مفاوضات إسرائيلية فلسطينية في واشنطن من دون اتجاه.. حلمي موسى

الساعة 05:17 م|29 يوليو 2013

من المقرر أن تبدأ المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في العاصمة الأميركية غدا. وبداهة أن هذه ليست المرة الأولى التي تجري فيها مفاوضات حتى بوجود حكومة يقودها بنيامين نتنياهو. كما أن هذه ليست المرة الأولى التي ستجري فيها المفاوضات اللاحقة تحت عنوان البحث عن التسوية النهائية للصراع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وربما الجديد في الموضوع أن المفاوضات الحالية تجري في ظل ظروف فلسطينية وإسرائيلية داخلية وظروف إقليمية ودولية أشد تعقيدا من أي وقت مضى.

فللمرة الأولى تجري مفاوضات التسوية النهائية والفلسطينيون منقسمون على أنفسهم انقساما رسميا وجغرافيا لم يسبق له مثيل، حيث يعيش الفلسطينيون في الضفة والقطاع تحت حكمين فلسطينيين مختلفين: أحدهما يرى المفاوضات حلالاً والآخر يراها حراماً. وللمرة الأولى تجري المفاوضات الفلسطينية مع إسرائيل تقريبا من دون مساندة عربية فعلية في ظل الانشغال العربي المنهك بالصراعات الداخلية. فلا محور الاعتدال قادر على توفير الدعم رغم كل ما يسمى بلجنة متابعة المبادرة العربية. ولا محور المقاومة قادر على إبداء الرفض بفاعلية أو تقديم ما هو أكثر من الدعم اللفظي لمعارضي التسوية.

كذلك الحال في إسرائيل التي يسيطر ليس فقط على حكومتها وإنما داخل أحزابها الرئيسية أيضا يمين متطرف لا يؤمن بأي شيء يمكن أن يقود إلى تقسيم «أرض إسرائيل». وينظر أغلب النافذين في الليكود والحكومة إلى حل الدولتين على أنه حل تدميري غير مقبول وأن التعامل معه ليس سوى لأغراض تكتيكية. ويرفض معظم هؤلاء تقديم أية مبادرات حسن نية تجاه الفلسطينيين بما فيها الإفراج عن الأسرى القدامى أو وقف الاستيطان. ومن شبه المؤكد أن آخر ما يمكن أن يصل إليه قادة اليمين الحاكمون الآن هو حل إقليمي يعتبرونه «مؤلما» ولا يتجاوز دولة فلسطينية منزوعة السلاح على حوالي 86 في المئة من أراضي الضفة الغربية. والأمر يعني عدم إدخال القدس وغور الأردن والكتل الاستيطانية في التسوية وإبقاء المجال الجوي والمخزونات المائية الفلسطينية تحت الإمرة الإسرائيلية.

ومن المؤكد أن الإدارة الأميركية ليست اليوم أشد عزما لتحقيق التسوية مما كانت عليه، على الأقل، في مستهل ولاية باراك أوباما الأولى. وهناك أحاديث عن برودة أوباما والمقربين منه من مساعي وزير الخارجية جون كيري وأنهم يعتقدون في أحسن الأحوال أنه سوف يعود للاصطدام بالجدار المسدود. وفي كل الأحوال، لا يبدو أن نجاح كيري في إعلان العودة إلى المفاوضات مقدمة لاختراق كبير في التسوية.

صحيح أن هناك في الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من يؤمنون بأن استئناف المفاوضات سيقود إلى التسوية النهائية أو إلى تسوية مرحلية. وصحيح أن بين هؤلاء من يعتقدون أن أي اتفاق سيتم التوصل إليه هو أمر يتراوح بين «الانتحار الفلسطيني» أو «نهاية المشروع الصهيوني». والصحيح أكثر هو أن هناك من يؤمنون بأن المفاوضات هذه المرة تقود اليمين الإسرائيلي رغما عنه للإقرار بالواقع بعد أن أقرت القيادة الفلسطينية بالواقع واقتنعت بفكرة الدولة على حدود العام 1967 مع تعديلات حدودية. ومع ذلك من شبه المؤكد أن «لحظة الحقيقة» لم تحن بعد.

فلا الواقع الدولي، حتى الآن، يشكل ضاغطا على الحكومة الإسرائيلية لتقديم «التنازلات» المطلوبة. ولا الوضع الداخلي الإسرائيلي، رغم الاستطلاعات المتناقضة، يضغط على نتنياهو وحكومته من أجل التوصل لحل. كما أن أوراق الضغط الفلسطينية ليست الآن في أشد حالاتها قوة وهي تعتمد حاليا على الرضى الأميركي - الأوروبي أكثر مما تعتمد على القوى الذاتية والعربية.

ولذلك يصعب التقدير بأن المفاوضات التي ستبدأ غدا سوف تقود إلى انفراجة كبيرة في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية. وهذا يدفع كثيرا من المعلقين إلى التخوف مما سوف يحدث لاحقا، خصوصا أن إسرائيل ليست تواقة حاليا لرؤية انفجار الأوضاع داخل الضفة الغربية. ويرى هؤلاء في ما حدث بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد من نشوب الانتفاضة الثانية تصويرا لما سيحدث هذه المرة من انتفاضة ثالثة. ولا يقلل من قيمة ذلك أن بين دوافع قبول إسرائيل بتقديم «تنازلات» على طريق استئناف المفاوضات – وخصوصا الإفراج عن معتقلين - الخشية من أن الجمود سيقود إلى انتفاضة ثالثة.

وما يزيد الوضع تعقيدا هو القناعة المتزايدة بأن الواقع يتجه نحو تجاوز نقطة اللاعودة. وليس صدفة أن بين القيادات الفلسطينية التي قادت مفاوضات أوسلو باتت تهدد بحل الدولة الواحدة وبحل السلطة الفلسطينية. كما ليس صدفة أن العديد من القوى في إسرائيل باتت ترى في المشروع الاستيطاني أخطبوطا يهدد الدولة العبرية ذاتها لأنه يصادر هوامش الحركة التي كانت تتمتع بها.

وفي كل الأحوال، من الواضح أن استئناف المفاوضات لم ينجم عن قناعة لدى الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بضرورة ذلك. فقد ذهب الطرفان مرغمين إلى طاولة المفاوضات لأن الأميركي يعتقد أن هذا ضروري له في اللحظة الراهنة. وأيا يكن الحال، فمن شبه المؤكد أن استئناف المفاوضات لا يعني التقدم نحو الحل. فتعقيدات الحل هائلة، وإذا كانت المتاعب تعترض معتقلين يريد بعض الوزراء قتلهم بدل الإفراج عنهم، فإن المتاعب أكثر عند الحديث عن انسحابات أو عن ترتيبات أمنية.