خبر ارهاب يُرى من هناك -يديعوت

الساعة 10:03 ص|29 يوليو 2013

بقلم: ناحوم برنياع

        (المضمون: لا يحتاج نتنياهو الى التباكي لتسويغ الافراج عن 104 سجناء أمنيين فلسطينيين - المصدر).

        تلقيت أمس رسالة من رئيس الوزراء. وتبدأ الرسالة بشعار الدولة الأزرق على الابيض وتنتهي بتوقيع بنيامين نتنياهو الشخصي. يريد نتنياهو في الرسالة ان يقنعني أنا مواطن الدولة بعدالة قراره على الافراج عن 104 مخربين ثقيلين بينهم قتلة كثيرون حُكم عليهم بجرائم قاموا بها قبل التوقيع على اتفاق اوسلو. "يحتاج رؤساء حكومات من آن لآخر الى أن يتخذوا قرارات تخالف رأي الجمهور"، كتب نتنياهو. "ولا حاجة الى رؤساء حكومات لاتخاذ قرارات يؤيدها الرأي العام".

        في حالتي توجه نتنياهو الى مُرسل اليه مؤيد، مُرسل اليه يريد ان يقتنع. وإن مجرد حقيقة انه توصل الى قرار وأنه مستعد للوقوف من ورائه في الحياة العامة يثير التقدير. وحقيقة ان القرار يعارض كل ما دعا اليه في الماضي لا تتحدث عليه بالضرورة فقد علمنا اريئيل شارون ان ما يُرى من هناك، من منصة الخطباء في الكنيست والمقاعد الوثيرة حول طاولة الحكومة، لا يُرى من هنا من كرسي رئيس الوزراء. وقد رأى نتنياهو واستوعب وطبق.

        إن الافراج عن ارهابيين قبل الأوان يُخرج كل انسان نزيه عن سكينته. فصور قتلة غير نادمين يحتفلون في الطريق الى الحافلة هي مشهد مُذل ومؤلم ومثير للغضب. ويوجد هنا زيادة على الانفعال جدل بين توجهين يقول الأول إن الارهابيين الذين على أيديهم دم يجب أن يموتوا في السجن كي يروا ويُروا؛ ويريد الآخر ان يصنف السجناء بحسب خطرهم. فالذي شاخ في السجن وصديء يمكنه ان يعود الى بيته وهو لن يعود الى الارهاب.

        إن أكثر السجناء الذين وافق نتنياهو على الافراج عنهم في هذه المرة قضوا في السجن عشرين سنة على الأقل وقضى عدد منهم ثلاثين سنة وأكثر وهم يعتبرون متقاعدين في صناعة الارهاب. والضرر المتوقع منهم أقل كثيرا من ضرر المفرج عنهم بصفقة شليط والذي كانوا أفتى وانتموا في أكثرهم الى حماس.

        وبسبب كل هذه التعليلات وبسبب العلم بأن هذا قرار صعب ومؤلم يقوم به نتنياهو لا من اجل نفسه بل من اجل ما يراه مصلحة قومية، أردت ان أكتب الى نتنياهو جوابا من كلمتين هما: كل الاحترام.

        الى ان قرأت الرسالة كلها، ما فيها وما ليس فيها في الأساس.

        ليس فيها كلمة واحدة لتفسير أو ندم على الخطب الحماسية التي أسمعها نتنياهو اعتراضا على صفقات كهذه في الماضي؛ وليس فيها كلمة واحدة عن ان صفقة شليط، مع الجائزة الضخمة التي منحتها لحماس، جعلت اسرائيل مدينة لمنظمة فتح والسلطة الفلسطينية. فأبو مازن لم يكن يستطيع الوصول الى المحادثات بلا صفقة تفرج عن قاتليه.

        وليس فيها كلمة واحدة لتبيان العوض الذي يفترض ان تحصل اسرائيل عليه. اذا أعطوا فسيأخذون، هكذا اعتاد نتنياهو ان يقول عن الفلسطينيين في كل واحدة من خطبه، واذا لم يعطوا فلن يأخذوا. ولم يُعط الفلسطينيون شيئا في هذه المرة سوى الاستعداد لاجراء محادثات في اجراء محادثات. ولا يُحتاج الى خيال كثير كي نُخمن ماذا كان سيقول نتنياهو في ذلك لو كان شخص آخر رئيس الوزراء.

        إن التفسير الحقيقي للقرار هو تدهور مكانة اسرائيل في العالم في فترة صرنا فيها أشد احتياجا مما كنا للغرب بسبب ايران وبسبب سوريا وبسبب مصر ايضا. وهو يتجه الى التفاوض لا للتوصل الى اتفاق بل كي يجعل حكومته حلالا في نظر الغرب. وهذا تقدير مشروع. ومن المؤسف ان مواطني اسرائيل وهم من أُرسلت اليهم رسالة رئيس الوزراء، لا يعلمونه.

        ومن المؤسف أنه لا يُحدثهم عن حيرته بين قبول طلب الافراج عن السجناء وقبول طلب تجميد البناء في المستوطنات تماما وعلنا. ومن المؤسف انه لا يُبين لماذا فضل الطلب الأول على الثاني، أفكان مواطنو اسرائيل بازاء ناظريه أم الجناح الأيمن من حزبه؟.

        ومن المؤسف انه لا يقول لهم إنه عرف في ولايته حدود القوة. كان يمكنه ان يقول لهم إن الولايات المتحدة هي قوة من القوى العظمى وهي تستطيع أن تبيح لنفسها عدم الافراج عن مخربين لكن اسرائيل لا تستطيع ان تبيح لنفسها هذا الترف.

        قال اسحق رابين ذات مرة إن التباكي لا يصنع الزعامة. فلا حاجة الى عنصر التباكي في رسالة نتنياهو. وهو يكرر مرات قوله إن القرار "لا يوجد ما هو أصعب منه". إن من يتذكر كيف احتفل نتنياهو بصفقة شليط التي كانت هي ايضا قرارا "لا يوجد ما هو أصعب منه" كما قال، يدرك أن المسافة في حالته بين صعوبة لا مثيل لها واحتفال لا مثيل له قصيرة جدا.