خبر اتفاق انفرادي ... بقلم: أورلي أزولاي

الساعة 03:53 م|26 يوليو 2013

(المضمون: وزير الخارجية الامريكي جون كيري شديد الحرص على حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ويراه مهمة جليلة ورسالة عظيمة، لكن اوباما شديد البرود بالنسبة لهذا الموضوع ويلزم الصمت - المصدر).

في الثالثة والنصف فجرا نُقلت على عجل تريزا هاينتس – كيري الى المستشفى مع علامات جلطة. وخشي الاطباء الاسوأ، لكن بعد بضعة ايام بدأ وضعها يتحسن. وتبين بين سلسلة فحوصات انه لم يحدث ضرر لا رجعة عنه، ونُفي ايضا امكان ورم في الدماغ. وفي الحادي عشر من تموز نُقلت الى مستشفى اعادة تأهيل في بوسطن من اجل الانتعاش.

وحار وزير الخارجية الامريكي جون كيري هل يأتي الى الشرق الاوسط في حين ما زالت زوجته تُعالج في قسم تأهيلي. "لكنها قالت له انه يجب عليه ان يسافر لأن هذه مهمة من أسمى ما يكون"، قال أحد معارف العائلة هذا الاسبوع. "وقد حثته حقا على عدم التخلي. وهي مشاركة تماما وتصورها العام يشبه تصوره جدا: فهي تؤيد كل خطوة له تفضي الى انهاء الصراع وانشاء دولة فلسطينية. وهي زوجة جد مؤيدة وجد مشاركة".

إن الذي هو أقل حماسة لبعثة كيري هو رب عمله براك اوباما. ففي يوم الاثنين من هذا الاسبوع بعد ان عاد من زيارته الثانية للمنطقة، التقى كيري الرئيس كي يبلغه ما يراه انجازا عظيما وهو موافقة اسرائيل والفلسطينيين على تجديد المحادثات بينهم. لكن البيت الابيض رد ببرود.

يُقدر اوباما كيري ويوده. لكن الرئيس يعتقد في كل ما يتعلق باسرائيل والفلسطينيين أن وزير خارجيته يصدم الحائط برأسه. ويريد اوباما ان يطبق رؤيا الدولتين بقدر لا يقل عن كيري، بيد أنه أكثر شكاً منه، ويصعب عليه الانضمام الى صيحات الابتهاج التي ارتفعت هذا الاسبوع من مبنى وزارة الخارجية في واشنطن. وحينما سُئل متحدث البيت الابيض جي كارني هل الرئيس متفائل أجاب بلغة دبلوماسية: "أُعرف هذا بأنه "تفاؤل حذر". يوجد تقدم ايجابي قليل، ولا سبب يدعو الى القفز الى استنتاجات لا داعي لها".

لم يبارك نتنياهو علنا تجديد المحادثات ولم يصدر اعلانا خاصا. تحدث في الحقيقة بضع دقائق بالهاتف الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكنه اجتهد في أن يبعد نفسه عن هذه الساحة قدر المستطاع. والحديث من وجهة نظر مستشاري اوباما عن رحلة "انفرادية" لكيري. فاذا تحطم فيُفضل أن يتحطم وحده. واذا انتهى الامر الى فشل فيحسن ألا يُكتب باسم الرئيس. "لا يرى البيت الابيض كيف يمكن ان يكسب سياسيا من هذا التطور لأن احتمال ان ينجح التفاوض ضعيف"، بيّن هذا الاسبوع مروان مشهر، وهو باحث كبير في شؤون الشرق الاوسط في معهد كرنيجي اندومنت.

صدمة كامب ديفيد

إن وسائل الاعلام الامريكية ايضا لا تجعل حياته سهلة. ففي يوم الجمعة الماضي حينما صعد كيري على درج الطائرة في عمان عائدا الى الولايات المتحدة، صفق له مستشاروه لانجاز تجديد التفاوض. وكان مزاج وزير الخارجية ممتاز فجلس في المقعد الوثير في القسم الاول، وبعد الاقلاع فورا طلب من المضيفة الجعة التي يحبها، "صموئيل أدامز".

وكان الهبوط أقل ليناً. يصعب على المحللين في واشنطن أن يفهموا لماذا يلقي وزير الخارجية الامريكي بكامل وزنه في اجراء احتمالات نجاحه ضعيفة في أحسن الحالات في وقت تنزف فيه سوريا وتنهار فيه مصر. "نجح كيري في ان يُحرز ما نجح أسلافه في احرازه في الماضي"، كتب جيفري غولدبرغ، وهو أديب وصحفي ذو تأثير. "نجح في الحصول على موافقة الاسرائيليين والفلسطينيين على الجلوس معا وأن يصرخ بعضهم ببعض قبل ان يعودوا الى مواقعهم". وعرّف غولدبرغ مهمة كيري بأنها "بعثة حمقاء مقطوعة عن الواقع"، وحذر من الآثار الخطيرة لتفجر المحادثات – كما أفضى فشل محادثات كامب ديفيد في سنة 2000 الى نشوب الانتفاضة الثانية.

لكن النقد من قبل الاعلام الامريكي صفر اذا قيس ببرود اوباما.

تبين لكيري عدم حماسة اوباما بعد ان تولى عمله وزيرا للخارجية ببضعة ايام فقط. فقد بسط وزير الخارجية أمام الرئيس خطته للاتيان بحل الدولتين مشحونا بشعور الرسالة. وأصغى اوباما في صبر كعادته وقال بعد ان انتهى اللقاء بابتسامة ساخرة "أبلغني حينما يصبحون مستعدين للتوقيع". وأجاب كيري أن هذا يمكن ان يحدث في الاشهر القريبة، فهز الرئيس كتفيه.

بين الاثنين علاقات مميزة، ففي سنة 2004 حينما نافس كيري الرئيس جورج بوش في الرئاسة ترك لسياسي شاب من شيكاغو ان يخطب الخطبة المركزية في المؤتمر الديمقراطي. وهكذا ظهر اوباما المجهول أمام الجمهور الامريكي، وكانت المسافة من هناك الى مجلس الشيوخ قصيرة. وفي الانتخابات الاخيرة حينما نافس اوباما في ولاية ثانية كان كيري هو الذي دربه استعدادا للمواجهات التلفازية مع ميت رومني. واعتزل الاثنان اياما كاملة في بيوت معزولة في كارولاينا الشمالية وفي فلوريدا ومثّلا مواجهات في حين كان كيري يجسد رومني. وبعد الانتخابات حينما أنهت هيلاري كلينتون عملها كوزيرة للخارجية دعا اوباما صديقه القديم الى تولي المنصب الذي اشتهاه سنين كثيرة. "العلاقات بينهما كالعلاقة بين اليد والقفاز"، قال مقرب من الرجلين هذا الاسبوع. "يفهم بعضهما بعضا جيدا وهما يتفقان على أكثر الموضوعات، وفي الشأن الاسرائيلي الفلسطيني فان كيري مشحون بتفاؤل في حين فقد اوباما الثقة، لكنه لا يصد كيري بل يمنحه مجال عمل من بعيد فقط".

لا لأجل جائزة نوبل

هناك اسباب جيدة تدعو اوباما الى ان يكون متشائما. فبعد توليه الرئاسة في ولايته الاولى بيومين عين جورج ميتشل مبعوثا خاصا الى الشرق الاوسط ووعد بأنه سيستعمل كامل قوة تأثيره للافضاء الى تطبيق حل الدولتين. وأعلن اوباما في مراسم احتفالية وهو يقف الى جانب كلينتون وميتشل أن الرجل الذي أتى ايرلندة الشمالية باتفاق سلام يوشك ان يفعل هذا مرة اخرى في الشرق الاوسط. وكان ميتشل ايضا متفائلا آنذاك. لكن بعد سنة ونصف وضع المبعوث الخاص المفاتيح على الطاولة واستقال من عمله وعاد مهزوما الى بيته في ولاية ماين.

"لُذّع اوباما بالنار في جهود وساطته السابقة"، قال في هذا الاسبوع ديفيد ميلر، نائب رئيس معهد البحث وودرو ولسون، الذي كان مشاركا في الماضي في جهود رؤساء الولايات المتحدة لاحلال سلام بين اسرائيل والفلسطينيين. "ينتظر اوباما اشارات اخرى من نتنياهو وأبو مازن. وسيشارك في المسيرة اذا اقتنع فقط بأنهما جديان حقا".

وفي هذه الاثناء والى ان يحدث ذلك يعمل كيري وحده تقريبا. وقد زار الشرق الاوسط في الاشهر الخمسة الاخيرة ست مرات على الأقل وبذل في الشأن الاسرائيلي الفلسطيني زمنا كثيرا وتفكيرا كثيرا ايضا كما يبدو أكثر مما فعل في كل شأن آخر يقع ضمن مسؤوليته. ولا يرى كيري هذه المهمة خطوة مهمة للسياسة الخارجية الامريكية فقط بل يراها رسالة ايضا. تهود أخوه الذي هو أصغر منه سنا، كامرون كيري، قبل ثلاثين سنة حينما تزوج كاتي واينمان اليهودية. ولعائلة كيري نفسها جذور يهودية، وأظهرت صحيفة "بوسطن غلوب" في اثناء حملة جون كيري الرئاسية أن جده وجدته اليهوديين، ريتس وإيدا كوهين، تنصرا في نهاية القرن التاسع عشر. "صُدمت حينما كُشف الامر"، قال آنذاك كامرون كيري الذي يعمل اليوم وزير التجارة والصناعة في مجلس اوباما الوزاري المصغر. "تبينت لي تفاصيل كثيرة لم تكن معروفة لي".

يتحدث الأخوان كيري كثيرا عن ماضي العائلة اليهودي وعن مستقبل الدولة اليهودية.

"إن كيري مهتم حقا بأن تفقد اسرائيل صبغتها اليهودية"، قال هذا الاسبوع شخص يعرفه منذ الايام التي كان فيها رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ. "صحيح أنه يفعل ما يفعله لأن الادارة الامريكية تخشى من ان الشرق الاوسط قد يشتعل اذا لم توجد دولة فلسطينيين. لكن فيه ايضا نقطة يهودية مهمة جدا. وقد قرأ في السنوات الاخيرة كتبا كثيرة في هذا الموضوع، وإتيانه بتسوية وبالنسبة اليه مهمة جليلة. ولا يهمه ان يقول ساخرو واشنطن انه يفعل هذا للحصول على جائزة نوبل للسلام. لأنه يتجه الى الموضوع من مكان عميق جدا. وكان فيه فرح حقيقي حينما نجح في احراز موافقة الطرفين على تجديد المحادثات".

عودة المبادرة السعودية

يفترض في يوم الثلاثاء القريب ان تلقى الوزيرة تسيبي لفني والمحامي اسحق مولخو في واشنطن المندوب الفلسطيني صائب عريقات. "توجد أطراف ينبغي عقدها الى الآن"، قالت أول أمس جان ساكي، متحدثة كيري "لكن عندنا موافقة الطرفين على تجديد محادثات للتوصل الى حل دائم". وبرغم الفرق بين تشاؤم البيت الابيض وتفاؤل وزارة الخارجية الامريكية، فان اوباما وكيري متفقان تماما على الخطة الامريكية التي ستُعرض على الطرفين وهي دولة فلسطينية على أساس حدود 1967 مع تبادل اراض، في حين تستطيع اسرائيل التمسك بالكتل الاستيطانية الكبيرة وتعطي مقابلا عنها اراضي بديلة بنسبة دونم الى دونم. ويشترك اوباما وكيري في رأي انه حينما يتقرر ماذا ستكون حدود الدولة الفلسطينية ستُحل مشكلة البناء في المستوطنات: لأن كل طرف سيعلم ما الذي له وأين يستطيع البناء، ولهذا اقترح كيري على الطرفين ان يُثار في اللقاء الاول موضوع رسم الحدود ليُناقش بين الطرفين، وهذا توجه امريكي جديد تماما. في الماضي حاول الوسطاء الامريكيون ان يهاجموا الموضوع بطريقة عكسية بأن يناقشوا الموضوعات السهلة للحل أولا والانتقال بعد ذلك فقط الى الموضوعات الجوهرية وفي مقدمتها رسم الحدود. وسيكون الأمر مختلفا هذه المرة، فقد طلب الفلسطينيون وحصلوا على رسالة ضمان امريكية ان يتم بث موضوع الحدود أولا. وهم في الجانب الاسرائيلي يعلمون هذا الالتزام.

اذا حدث اتفاق على رسم الحدود فسينتقلون لحل لغم آخر وهو القدس. والموقف الامريكي من هذا الموضوع واضح وهو ان القدس ستكون عاصمة الدولتين. وقد تبنى اوباما وكيري في واقع الامر مواد واسعة من المبادرة السعودية للسلام التي حصلت على موافقة الجامعة العربية عليها، وحينما تأتي الوزير لفني للقاء صائب عريقات في واشنطن سيضع كيري على الطاولة المبادرة السعودية المحسنة تحت عنوان "اقتراح كيري".

ويتفق اوباما وكيري على شأن آخر وهو أنه اذا فشلت جولة المحادثات هذه فلن تكون فرصة اخرى، فستسحب امريكا الرسمية يديها وتدع اسرائيل والفلسطينيين وشأنهم. لكن كيري يُقدر أن ينضج التفاوض في الربيع التالي ليصبح اعلان دولة فلسطينية بعد ان يُحرز اتفاق سلام تاريخي.

واذا حدث هذا فستفتح الولايات المتحدة محفظتها الكبيرة وتساعد اسرائيل على اعادة انتشارها في حدودها الجديدة وتُلبي الضرورات الامنية الاخرى. وستساعد الفلسطينيين مقابل ذلك على انشاء مؤسسات دولتهم وتمنحهم وسائل لتقوية اقتصادهم. وآنذاك فقط حينما يُكتب آخر فصل في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، سيتولى اوباما الدور الرئيس في المسرحية ويدعو نتنياهو وأبو مازن الى مراسم التوقيع على الاتفاق على أعشاب البيت الابيض، أما الآن فانه يفضل السكوت.