خبر محادثات علاجية.. هآرتس

الساعة 03:50 م|26 يوليو 2013

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: الاحتلال لا يمكنه أن يستمر الى الابد دون صدام عنيف آخر. ولكن حاليا، على خلفية استئناف المفاوضات، فان العامل الحاسم في منع الانفجار هو كما وصفه وزير الدفاع قبل عقد الكي في الوعي - المصدر).

الفيلم الاسرائيلي "بيت لحم" الذي قُبل هذا الاسبوع في مهرجان البندقية، يستعيد ذكرى فترة يفضل معظم الاسرائيليين ان ينسوها. هذا فيلم مثير للاهتمام حبكته مغروسة عميقا في ايام الانتفاضة الثانية، عندما كان المخربون الانتحاريون يفجرون أنفسهم في الباصات في القدس وفي شوارع تل أبيب كل اسبوع تقريبا. وسيمر نحو شهرين آخرين الى أن يصدر الفيلم الى البث التجاري في البلاد وعندها أيضا من الصعب أن نعرف كم اسرائيليا سيجندون القوى النفسية اللازمة لمشاهدته. ولكن على الافل لخريجي المواجهة – ضباط الجيش، رجال المخابرات والشرطة، رجال السلطة الفلسطينية، الصحفيين – هذا يعد من قبيل الواجب المهني.

المخرج يوفال الدار الذي يعد "بيت لحم" فيله الاول لا يجري اي تنازلات لاحد. الفيلم، الذي سيجد قدامى العهد فيه غير قليل من اوجه الشبه بين ما يوصف فيه وبين قضية وقعت في بداية الانتفاضة، يعنى بالمطاردة التي تجريها المخابرات لمطلوب فلسطيني يرسل المخربين للعمليات الانتحارية وبالعلاقة التي نشأت بين مسؤول المخابرات وبين الاخ الشاب للمخرب. الجميع يخرجون سيئين من هذه القصة: المخابرات مستعدة لان تضحي بفتى فلسطيني كي تغتال أخيه؛ السلطة الفلسطينية تنقل الاموال للمطلوبين تحت غطاء لجنة حماية مكانة المرأة؛ والفتى الذي هو كرة لعب انسانية بين الطرفين.

لا يدفع ادلر دينا للسياسة السليمة وليس في الفيلم حتى ذرة ترشيح وردية للواقع البشع في المناطق. ولكنه يحذر ايضا من الدخول الى الفخ المريح (والمثيب جدا في خارج البلاد) لافلام "نهاية الاحتلال". يخيل ان هذا هو فيلم الاحداث الاول الذي يعالج حقا مواضيع الانتفاضة. بميزانية غير كبيرة على نحو خاص، ومع فريق ممثلين يكاد لا يكونوا معروفين للجمهور الغفير، نجح ادلر وشريكه في كتابة السيناريو، الصحفي علي واكد، مراسل "واي نت" في المناطق في عهد الانتفاضة في أن يجلب الى الضفة الغربية جودة المسلسل التلفزيوني الامريكي "الخفي". الاستعادة الدقيقة جدا ومثلها ايضا المباراة. لا يوجد تزييف.

ان البيان عن دخول "بيت لحم" الى المنافسة الاعتبارية في البندقية جاء بعد بضعة ايام من المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية الامريكي جون كيري في عمان، حيث أعلن عن استئناف المفاوضات السياسية المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين. وقد أعلن كيري عن نجاحه في ذروة الهدوء الامني النسبي. وبتعابير العمليات، كانت السنتان الاخيرتان الاكثر هدوء في الضفة منذ حرب الايام الستة. تلك الايام في بداية العقد الماضي تبدو اليوم بعيدة، كالكابوس الذي يرغب الانسان في أن ينساه بالسرعة الممكنة. حقيقة أنه من ناحية الكثير من الاسرائيليين توجد مناطق الضفة في الجانب المظلم من القمر – أي في الطرف الاخر من جدار الفصل – تسهل على عملية الكبت. فقد خبت الانتفاضة في منتصف العقد الماضي لجملة من الاسباب ويخيل ان في الواقع الحالي يوجد ما يكفي من المزايا الكابحة للجماح الكفيلة بان تجعل من الصعب عودتها قريبا. ولكن لا يمكن الا نفكر بمسألة كم هو رقيق الخط الفاصل بين الوضع الان والعودة السريعة الى ايام اللظى.

الغموض يعود

قبل يوم من بيان كيري، بدت بيت لحم اهدأ من أي وقت مضى. جدار الفصل – البشع والجارح للمشهد – يجعل من الصعب العبور من المدينة شمالا الى القدس، مع أنه في منطقة غوش عصيون في جنوب بيت لحم، الدخول بالاقدام الى اسرائيل في "مسار الماكثين غير القانونيين" يريح مثلما كان دوما. في ساعات ما بعد الظهر يسود معبر رحيل، المجاور لقبر رحيل حال اعتيادي مثير للتثاؤب في ايام صوم رمضان. الباعة المتجولون وسواقو السيارات العمومية، رجال الصناعة الصغيرة الذين يكسبون الرزق من واقع الحواجز الذي تفرضه اسرائيل، يتجاهلون مجموعة ضباط الجيش الاسرائيلي وحرس الحدود التي تجتاز المعبر للقيام بجولة قصيرة في الطرف الثاني. حالة طبيعية لا توجد هنا، ولكن المسافة واسعة عن الايام التي كانت فيها الاجواء على الارض تتفجر عداءً.

اعلان كيري يخدم الهدوء، على الاقل في الطرف الفلسطيني. فللافق السياسي، مهما كان رمزيا وطفيفا، يوجد تأثير مهديء على الجمهور المتماثل مع فتح، رغم خيبات الامل التي اوقعتها السنوات السابقة. ولكن هذا صحيح فقط طالما استمرت المحادثات. "اذا ما نفخوا هنا بالون أمل وفشلت المفاوضات – فقد يتفجر الوضع ردا على ذلك"، يقول مسؤول اسرائيلي كبير يعنى بمكافحة الارهاب في المناطق. الاطار الزمني الذي حدده الامريكيون، تسعة اشهر، يفترض ان يوفر شريحة حماية لفترة زمنية طويلة نسبيا، دون عنف في الضفة، ولكن الصدمات يمكن أن تندلع في اثناء هذه الفترة ايضا على خلفية أزمات صغيرة في المفاوضات.

يكمن انجاز كيري في واقع الحال في مجرد استئناف المحادثات. فالخطوة الامريكية التي سمحت بذلك استخدمت مناورة من عهد المفاوضات على اتفاقات اوسلو – الغموض البناء. بدلا من التزام خطي من الطرفين الواحد للاخر، اكتفيا بوعود كيري الغامضة. في اوسلو كانت للقصة نهاية سيئة: في أعلى الطريق تبين أنه توجد فجوات تفسير كبيرة بين الطرفين بالنسبة للترتيبات الامنية والبناء في المستوطنات. وما بدأ بموجة عمليات الباصات الاولى بين 194 – 1996 أدى لاحقا، بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد في صيف 2000، الى اندلاع الانتفاضة الثانية.

في اوسلو توجهت اسرائيل الى المفاوضات انطلاقا من توقع، خاب، في أن م.ت.ف بالفعل ستبقى الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني. ولكن سرعان ما تبين ان ياسر عرفات وإن كان جلب معه تأييد قسم هام من الجمهور الفلسطيني، ولكن ليس تأييد منظمات فلسطينية عديدة اخرى. فليست المفاوضات وحدها لم تكن مقبولة على الفصائل الاسلامية وعلى الجبهتين الديمقراطية والشعبية بل انه داخل فتح ايضا كان هناك من اختلف مع طريق المحادثات. والان تستخدم الولايات المتحدة تأييد الجامعة العربية كرافعة ولكن لا يشارك في الخطوة حاليا سوى ثلاثة اعضاء فيها. أما الباقون فيتحفظون من الاتصالات مع اسرائيل او ينشغلون جدا بالمشاكل التي جلبها عليهم الربيع العربي. رئيس السلطة، محمود عباس (ابو مازن) يعود الى المفاوضات في ظل نقص اشكالي في الشرعية، سواء في الداخل، في المناطق، أم في الخارج، في العالم العربي. طريق واحد للتغلب على الفجوة كفيل بان يكون الاعلان عن انتخابات جديدة في المناطق حتى لو عارضت حماس. في جهاز الامن الاسرائيلي يشككون في ان تؤدي محاولات جس النبض بين السلطة وحماس الى مصالحة تفترض تنازلات أي من الطرفين ليس مستعدا لان يخاطر بها.

ان تحرير نحو 80 سجينا امنيا من اصل 104 طلبتهم السلطة – كلهم معتقلون من عهد ما قبل اتفاقات اوسلو – سيوفر لعباس تفوقا في الصراع الداخلي مع حماس. هذا انجاز حقيقي يتداخل مع تطورات اخرى تدخل المنظمة في ازمة: استئناف الاتصالات السياسية وبالاساس، الانقلاب العسكري في مصر، الضغط المصري على خلايا الارهاب البدوية في سيناء واغلاق معظم الانفاق من سيناء الى قطاع غزة في رفح. حاليا، تنظر حماس حتى الان بدهشة ما  الى التطورات في مصر، لاحقا قد تفكر المنظمة في موضوع استمرار وقف النار مع اسرائيل وهل لا يزال يخدم اهدافها.

        بقدر ما يمكن ان نعرف، ليس لحماس ترددات مشابهة في الضفة الغربية. هناك تعتقد التعليمات الثابتة للنشطاء باستمرار الكفاح العنيف ضد اسرائيل في كل مناسبة. غير أنه لا توجد الكثير من المناسبات. فالضغط الوحشي الذي تمارسه اسرائيل والسلطة على نحو منسق في السنوات الستة الاخيرة شل معظم نشاط الذاع العسكري لحماس. فمنذ عدة سنوات ليس للمنظمة رئيسا للذراع العسكري في الضفة، وذلك لان كل نشيط يبرز على المستوى الاقليمي يعتقل فورا من السلطة أو من الاسرائيليين. ولا يزال يتبين من المعطيات التي تعرضها المخابرات أنه منذ بداية السنة يبدو ملموما ارتفاع في عدد محاولات العمليات بالسلاح الناري: 95 عملية احبطت في النصف الاول من هذا العام، مقابل 128 في كل العام السابق – ارتفاع بنحو 50 في المائة. واحبطت 24 محاولة لاختطاف اسرائيليين حتى الان هذا العام، مثل عدد محاولات الاختطاف التي احبطت في كل العام الماضي.

تعريف "محاولة اختطاف" تصاغ بشكل شبه موسع في المخابرات؛ في السنوات الاخيرة تسود في الضفة النكتة عن الفلسطيني الذي يحلم عن عملية في الليل ويستيقظ في الصباح ليكتشف ان المخابرات تقف على باب بيته. ولا يزال الاهتمام بالاختطاف واضح وسيوجد طالما بقي السجناء في ايدي اسرائيل.

الى جانب المفاوضات السياسية لا يمكن تجاهل الاثار المحتمل للهزة في العالم العربي على الوضع في المناطق. وفي قائمة العناصر التي تقلق الجهات الامنية يجب أن نحصي ايضا الارهاب اليهودي والاحتكاك المحلي بين المستوطنين في البؤر الاستيطانية وجيرانهم.

الاحتلال لا يمكنه أن يستمر الى الابد دون صدام عنيف آخر. ولكن حاليا، على خلفية استئناف المفاوضات، فان العامل الحاسم في منع الانفجار هو كما وصفه وزير الدفاع قبل عقد الكي في الوعي. اما الزمن فقد اثبت بانه محق: الوحشية الناجعة التي اتخذتها اسرائيل في قمع الانتفاضة الثانية لا تزال تبعد الانتفاضة الثالثة. الغضب الفلسطيني على الاحتلال لا يزال على حاله. ولكن عندما يكون تقريبا لكل عائلة موسعة في الضفة شهيد في الصراع او سجين في السجن الاسرائيلي، فان الشهية للمواجهة المتكررة تبقى ضيقة.