خبر « أحمد يوسف » يكتب : أتمنى على إخواني في حماس إدراك الخطر القادم

الساعة 08:22 م|22 يوليو 2013

قبل عامين أو يزيد كانت تجليات الربيع العربي، وكان منسوب التفاعل الفلسطيني في التعاطي معها يسجل أعلى درجات الحماسة والتفاؤل، حيث عاودنا الأمل من جديد بأن استقلال العرب من أسر التبعية والذيلية والتحرر من حالة القابلية الاستعمارية سيؤدي لجمع كلمة الأمة وتوحيد شملها، كما سيعمل على تمتين مواقفها وتعزيز قوتها، وهذا معناه – على أقل تقدير - في حساباتنا العاطفية وحركة الحناجر أن فلسطين؛ الشعب والقضية، ستأخذ مكانة الصدارة في واجهة الاهتمام العربي، وأن شعوب المنطقة وزعاماتها الجديدة ستهب لنجدتها، ولن تترك أهل فلسطين وحدهم في الميدان مكبلين بقيد الاحتلال والحصار، وملاحقين بكل أشكال الظلم وصنوف القهر ورهق الاستنفار.

واحسرتاه.. لم تطل الفرحة طويلاً، بالرغم من أن بائعي الأوهام من قياداتنا السياسية وأصحاب الألسنة لم يدعوا أمامنا أي فرصة للشك بأن ما نراه ليس إلا 'عارض ممطرنا'، فبالغوا في التوقعات واستبشروا بنشوة حتى الثمالة.. واليوم، ومع ما نراه يحدث في مصر وسوريا من مجازر دامية ومشاهد مبكية يدفعنا للتوقف والمراجعة، وعلى أهل الحكمة وتقدير المواقف أن يعينونا بالرأي والمشورة حتى لا يقع– في دارنا – ما لا تحمد عقباه.

وقال:' إن ما يجري حولنا يوجب علينا الخوف وتوخي أقصى درجات الحذر، كما يفرض علينا تلزيم عواطفنا بنظرات العقول، فقد اعتدنا - كشعب - أن ندفع ثمن أخطاء حسابات البعض، ونتحمل - في الوطن والشتات - تبعة تلك المواقف وعواقب ارتجالات أهل الاجتهادات المفتعلة.

واليوم، ونحن نراقب - بقلق شديد - ما يجري في مصر، علينا أن لا نفقد الرؤية عن واقع الاحباط الذي يسود أوساط الشباب، وحقيقة التذمر وتفاعلات الغضب التي تمور داخل ساحتنا الفلسطينية، والتي لها أجراسٌ توشك – بالثورة - أن تقرع.

نفق في نهاية الضوء

إذا سألت – اليوم - اثنين من الشباب الفلسطيني عن ملامح المستقبل القادم، فإن الاجابة ستكون على شاكلة 'عبس وتولى'.. فالكل موجوع، وأحلامه أشبه بالكوابيس، وإذا وطأ المرض جسد البعض ناخ واستراح، واستسلم لقدره؛ فليس في الحياة اليوم – بالنسبة له - ما يوجب البقاء أو يستحق الحياة.

الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ليس لديه - اليوم - ما يشغل به وقته أو يستثمر به طاقته، والذي طالت ساعاته بحيث أرهقه النوم وأتعبه، كما أن تسكّعات خطاه في الشوارع انهكته، وخلافاته مع الجيران وعصبيات الشجار معهم زادته قهراً مع طفح الاحباط الذي أحاط به، فأخذ ' يخابط في ذبان وجهه'، وإذا كان محظوظاً في حياته وله زوجة تسعده وترعاه، لم يبخل عليها بفشِّة خُلق في أول الليل أو منتصف النهار.

إن مشاهد مرح الشباب والشابات على شواطئ البحر وفي المتنزهات العامة في معظم ساعات الليل وطلعات النهار، حيث تلتقي البطالة والصيف وتفرض عبث لحظاتها وهامشية مضامينها في سيمفونية يتلهى معها من فقد ما يشغله من قول أو عمل.. لذا فإن أعداد الشباب المتسكعين في ازدياد، ورغباتهم في التمرد تتنامى باطراد، وإذا لم نشغلها بفعل الخير والجهاد فإنها ستشغل دروب الوطن بالشوك والقتاد؛ وقديماً قالوا: 'العسكر الذي تسوده البطالة يتعلم التمرد'..

إن نفق الحالة الفلسطينية مثقل بالعتمة، وكلما أوسعنا الخطى طلباً للنجاة أفزعتنا القيعان والغربان، وليس هناك – للأسف - من رجل رشيد يقودنا ببصره وبصيرته إلى نهاية النفق، فنحن كلما توهمنا الوصول إلى الضوء والفضاء أدركنا أن ما يلوح أمامنا إنما هو مطبات نفق آخر مسكون بالوحل والظلام.!!

الشارع يئن ويتوجع والوالي 'غفر الله له'

الناس تتسأل: إذا كان الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - يتخوف من عقاب عثار بغلة واحدة في العراق، لما لم يُسوِّ لها الطريق، فما بال ولاة أمورنا لا تحركهم عثرات حياتنا ومآسيها في كل درب أو سبيل؟!!

وإذا كانت الأحكام تُعطل في 'عام الرمادة'، وتختفي الجباية بكافة صورها، فلماذا ترهقنا حكوماتنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحاصرنا بأشكال الضرائب التي يرى البعض أنها تجاوزات ما أنزل الله بها من سلطان؟!!

إننا ومع احترامنا لقادتنا ورؤسائنا وعليَّة السياسيين فينا، والذي يبدو أن الكثير منهم للأسف 'غايب فيله'، إلا أن من حقنا وقد بلغ سيل الظلم الزبى من حواشينا أن نجهر أحياناً – ولو بالسوء من القول – بكل ما نعتقد أنه أمانة المسئولية للدفاع عن حقوق شعبنا؛ فالحاكم - أحياناً - تلهيه البطانة وتزِّيف عليه الواقع وتزينه له، فيما واقع الحال هو عكس ذلك.. إن علينا نحن الدعاة والكتَّاب والمفكرين ورجالات 'وحي القلم' واجب تذكيرهم من خلال المنابر الإعلامية والدينية والصالونات السياسية التي لا تصل إليها تهديدات الأجهزة الأمنية.

إن المطلوب منا هو القيام بحملة 'بلِّغ صوتك وقل شكواك'؛ كتحرك شعبي يوصل فيه الجميع 'كلمة الشكوى والآه' لصدع رؤوس ولاة الأمر، وطرق أسماعهم بمطالب الشباب وأوجاعهم وحاجاتهم للمأوى؛ الوظيفة والزوجة والبيت.

إن جيلاً من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15-25 عاماً يتفلتون من بين أيدينا إلى المجهول، فلا المساجد عادت مثابة لهم تشدهم وتجمعهم بعد أن غابت الأعلام والقدوات فيها، ولا المخيمات الصيفية مقنعة بإغراءاتها في جذبهم لها، كما أن المسارات التعليمية ليس فيها من الحوافز ما يدفعهم للحرص على التحصيل العلمي والتألق، وفرص العمل لا يمكن الوصول إليها لندرتها أو لعدم توفرها، ومن كان محظوظاً في عائلته جلبوا له هاتفاً من نوع جلاكسي يلهو به ويمرح من طلوع الشمس إلى غسق الليل.

اليوم يصحو الشباب وينامون على سفاسف الأمور، بعدما كانوا لا حديث لهم إلا عن بسالة المقاومة وعملياتها البطولية، وعن ابتسامات الشهداء وثبات الجرحى وإضرابات الأسرى والمعتقلين.. لقد قتل الفراغ حياتهم وأنهى طموحاتهم، فانشغلوا بمظاهر أجسادهم وتسريحات شعورهم، وقصّات سراويلهم، وحالُ كثيرهم ينطبق عليه قول القائل: 'ترى الفتيان كالنخل وما أدراك بالدخلِ'..!!

وقفوهم إنهم مسئولون.!!

أسئلة كثيرة يطرحها الشباب وهي أسئلة مشروعة لم نجد لها إجابات شافية بعد، ومن حقنا كمتابعين للظاهرة أن نطرق بها أبواب ولاة الأمر متسائلين: من الذي يتحمل مسئولية ضياع هذا الجيل، الذي غدا يصبح ويمسي على نفاق السياسيين وجدلهم.؟!!

ومن الذي سيحفظ حميّة هذا الجيل تجاه أرضه ووطنه، بعدما غفا السلاح وتراجعت حظوظ صحوته.؟

ومن الذي سيعيد التعايش والوئام إلى صفوفنا الوطنية والإسلامية إذا كانت 'طوشة عائلية' بسيطة تجر البعض لرفع سلاحه في وجه أخيه وأهل حيّه.!؟

وإلى متى نظل بلا وحدة موقف أو هدف، وتغيب عنا وحدة الرؤية والفهم تجاه أنفسنا وحتى تجاه العدو الذي يحاصرنا ويتربص بنا.!؟

وإذا كان الشباب غير قادر على التعبير بحرية عن همومه وما يتطلع إليه، لأن هناك من يرقب حروف كلماته ويقرأ ما بين السطور، ويتوعده بالويل والثبور وعزائم الأمور، فمن الذي سيملك ناصية الإشارة إليه والأخذ بيده إلى ذرى المجد والمعالي؟

إن التاريخ لن يرحم من آلت بيده - اليوم - مقاليد الأمور، وأن ريشة قضائه سوف تضع أحكامها بتحميله كامل المسئولية لما آلت إليه أحوال هذا الجيل من الصعلكة والتردي والضياع، والهرولة خلف أمسيات اللهو وقبض الريح.. وستتحمل «فتح وحماس» قبل غيرهما تبعات الأمور ومآلاتها، وسيجد كل واحدٍ منهم أن حاله لا يبتعد عن الوعيد القرآني: 'وكان عاقبة أمره خُسرا'.

الإسلاميون: الفهم – أحياناً - يأتي متأخراً

عندما هبت علينا نسائم الربيع العربي مع بدايات الحراك الشعبي في تونس ثم ما أعقبه من هبات شعبية في ليبيا ومصر واليمن، قلنا إنها متغيرات اللحظة التي يتوجب علينا قراءتها بحكمة، فالعاقل هو من يدرك ما يكون بما كان، حيث إن استشراف المستقبل هو حالة استطلاع فاحصة لصفحات التاريخ تجعلك تدرك المخاطر قبل وقوعها، وتعمل على تلافي أخطارها وتحرص على توخي الحذر مع أحداثها.

إن هناك الكثيرين في ساحتنا الإسلامية اعتقدوا بأن الأمور ستمضي كما تشتهي سفن أحلامهم، فنسجوا على هذا الخيال وفوق رماله أبراجهم العاجية، وتناسوا حتى أحداثاً تاريخية وقعت قريباً منهم فلم يتعظوا ولم يتعلموا، وأطلقوا لحناجرهم العنان دون أن يتدبروا، ونسوا ' قل سيروا في الأرض ثم انظروا..'.

إن العقل الإسلامي في قراءته للأحداث والمتغيرات يميل أحياناً للاسترخاء، بدعوى ما ورثه من مفاهيم ودلالات خاطئة، تدفعه للتسليم والأخذ بمنطق 'دع الأمور تجري في أعنتها' و'دعوها فإنها مأمورة'، ونحو ذلك!!

إن الإسلاميين ومنذ ثورات الربيع العربي وقبلها تجربة حركة حماس في الحكم لم يحدثوا المراجعات التاريخية التي تجنبهم تكرار الأخطاء، وتحمي ما يمكن أن يسمى انجازاً سياسياً حصلوا عليه بعد نضالات طويله استغرقتهم الكثير من الدماء والسنين. وبدلاً من توخي الحذر، والحرص على الشراكة التي تجنبهم الدخول في صراعات سياسية، ظنوا بأن الملك دانت دنياه وأنفاله وأحكامه لهم، فتصرفوا بعقلية 'الحاكم بأمره'، ولم يحسنوا فهم خُلق التسامح الذي أشاعه الرسول الكريم عند فتح مكة حيث كانت رسالته لكل خصومه 'لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء'، أو لغة وأد الفتنة التي أطلقها أبو بكر في اجتماع السقيفة، لحسم عملية الحكم بين المهاجرين والأنصار، بالقول: 'نحن الأمراء وأنتم الوزراء'.

في تاريخنا المعاصر، قد يكون السيد رجب طيب أردوغان هو الحكيم الذي أحسن تقديم النموذج، والنجاة بقافلة المشروع الإسلامي في تركيا إلى برِّ الأمان، وذلك بعد أكثر من خمسة وثلاثين عاماً اشتبك فيها الإسلاميون مع العسكر وسدنة العلمانية المنتشرين في جميع أركان الدولة العميقة، ليقدم لنا نجاحاً في تجربة الحكم يحترمه اليوم الإسلاميون والعلمانيون في العالمين العربي والإسلامي.. كما أن تجربة الإسلاميين في تونس وإن كانت ما تزال تجربة على المحك، إلا أن كل المؤشرات تؤكد أنهم على خطى أردوغان، حيث تمكن الشيخ راشد الغنوشي؛ زعيم حزب النهضة من توظيف تجربته النضالية، ووعيه الفكري والحركي والسياسي الذي اكتسب الكثير منه من خلال اقامته لسنوات طويلة في الغرب، لايجاد حالة من تقاسم السلطة مع أهم القوى العلمانية في بلاده؛ حيث منح اليساريين والليبراليين الرئاسة والبرلمان واكتفى بالحكومة. وبهذا عمل بالنظرية القائلة: 'هذا الوطن حررناه معاً ونبنيه معاً'، أي أن العبء يتحمله الكل الوطني، ويكون للكل سهمه في النجاح والفشل، فلا يبخل أحدٌ بجهد بل يقدم أفضل ما عنده، وينتفي توجس كل طرف بالآخر، لأن الشركة السياسية تعني التوافق الوطني وليس التدافع للمغالبة أو الاقصاء والتهميش.

في الواقع، نحن كنا ننتظر من إخواننا في مصر أن يستفيدوا من تجربتنا في الحكم، وأن يتجنبوا بعض ما وقعنا فيه – فتح وحماس - من أخطاء، إلا أن وقائع المناكفات المتلاحقة والظروف الصعبة التي مرت بها مصر ما بعد 25 يناير 2011 لم تمهلهم، وكانت ردات فعل المعارضة قاسية عليهم، بحيث تشكل التهديد الذي نتخوف منه جميعاً على أمن مصر واستقرارها.

أتمنى أن يعي الإسلاميون دروس التاريخ وأحداثه الجسيمة، والتي كانوا في العديد من محطاتها هم أكثر ضحاياها؛ كما شاهدنا في خمسينيات القرن الماضي وستينياته في مصر، وكذلك في سبعينياته في ليبيا وتونس والمغرب، وثمانينياته في سوريا وفي تسعينياته في الجزائر.

أتمنى على إخواني في حركة «حماس» أن نسبق الآخرين في وعينا بإدراك وقع خُطى الخطر القادم، وأن نتفهم أبعاد التحولات التي طرأت على الساحة السياسية المصرية، والعمل بالسرعة المطلوبة لاجتذاب رام الله والرئيس «أبو مازن» للمصالحة وطي صفحة الانقسام، ولو استدعى الأمر تقديم التنازلات والتحرك بأكثر من خطوة تكتيكية للوراء من أجل أن نتمكن من تحقيق قفزة استراتيجية للأمام، يجد معها الجميع أنه – وبكرامة - قد تمَّ 'أطره على الحق أطراً' لصالح الشعب والقضية وحماية المصالح الوطنية العليا.

إن وقائع المشهد المصري وأحداثه التي تبعث على القلق، إنما هي جرس إنذار للجميع ليستخلصوا منها الدروس والعبر، وإلا فإن الشعب الذي أسمعنا صوته – بقوة وحزم - مطالباً في 15 مارس 2010 بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، يعرف الطريق جيداً لملءِ كل الساحات والميادين بالحناجر التي تصدح بمطالبها من جديد.