بالصور غزة تحتضن أصغر « مسحراتية » في العالم!

الساعة 10:58 ص|18 يوليو 2013

فادي العمارين

كان من المفترض أن يَغُط "محمد وإياد وعبدالله" في سبات نوم عميق مع إقبالة موعد السحور، وأن يستيقظوا على أهازيج وطبل "المسحراتي"، لكن الأطفال الثلاثة قلبوا المشهد، وانتفضوا على الصورة البديهية في أدمغتنا للمسحراتي -كبير السن ذو طبلة كبيرة "بتجيب الدايخ"-، ليجعلوا من أنفسهم في موقع الإعراب فاعل بدلاً من مفعول به.

ثلاثة أطفال لا يتجاوز عمر كبيرهم الخامسة عشر، هجروا فراشهم، وانطلقوا في مهمة "دينية تراثية"، لتأدية ما صفوه بـ"الواجب"، ولا يبتغون من تلك المهنة، الا أن يَعُمَ الخير في منطقتهم، وأن يجزيهم الله خيراً.

فيجتهد أكبرهم وهو إياد السموني (15 عاماً) بوقت قصير بعد منتصف الليل بتجهيز أدوات المسحراتي من "طبلة ودُف"، ثم يعكف على إيقاظ اخوه محمد وابن عمه عبدالله لتبدأ رحلة "ايقاظ الجيران وأهل المنطقة" بالنداءات الدينية والأهازيج الندية؛ نظراً لعذوبة صوتهم وحداثة حنجرتهم فيصيحون (اصحى يا نايم وحد الدايم رمضان كريم... يا عباد الله وحدوا الله، يا عباد الله اذكروا الله).

"فلسطين اليوم" رافقت الأطفال الثلاثة فترة السحور؛ حيث يسيرون جل وقتهم في طرقات مظلمة ووعرة؛ لهشاشة المنطقة _الزيتون "شارع السموني"_ من ناحية بنى تحتية، وذلك ناتج عن تدمير قوات الاحتلال لها أثناء الحرب الاخيرة، ورغم هذا الحال الا أن ارجلهم تتخطى كل المعيقات واصواتهم لا تكاد تتوقف.

إياد السموني، يقول "مهمة إيقاظ الناس للسحور، أصبحت بالنسبة لنا، جزء أساسي من العبادات في شهر رمضان، ونحن نشعر بروحانية العمل الذي نؤديه، والاجر الذي نناله نتيجة المشقة التي تصيبنا".
وعن الدافع الأساسي وراء تلك المهمة والفكرة، أوضح أنها :"جاءت نتيجة افتقاد المنطقة للمسحراتية، وبعد غيابهم لمدة عامين، كما أنها أصبحت مطلباً بالنسبة لأهالي المنطقة، ونحن سعداء بذلك".

وعلى الرغم من الصعوبات والمعيقات التي تعانيها "الفرقة" لم يخف إياد سعادته بهذه المهنة وروعته، "مهنة المسحراتي ممتعة ورائعة جدا، فانا بغاية السعادة ونحن نقوم بإيقاظ الناس للسحور ولصلاة الفجر".

وعن ادواتهم المتواضعة والبسيطة أشار أنها ليست ملكاً لهم، وإنما جاءت لهم "كسلفة" من صديق والده، لكنه عاهد نفسه أن يأتي الشهر القادم من رمضان العام المقبل وان يكونوا امتلكوا معداتهم الخاصة بهم.


فرسان الليل !!

وما يريح أفئدة الأطفال الثلاثة ويشحذ هممهم ومعنوياتهم هي نظرة الاحترام التي يحظون بها من أهالي المنطقة على عملهم الدؤوب، مقدرين في الوقت ذاته صغر سنهم. 

واستذكر إياد العديد من المشاهد التي قام بها أهالي الحي تجاههم والتي تنم عن احترامهم وتقديرهم، ومنها ذلك الرجل الذي يومياً يقابلهم بابتسامة ويودعهم بابتسامة ممتناً لهم على حسن عملهم وخدمتهم للمنطقة، وبين الابتسامة والابتسامة تقديمه الخروب والتمر لهم لحسن صنيعهم.

وعن وحشة الليل، قالوا "لا ما بنخاف واهالينا دائماً يعودوننا ألا نخاف، فلما نشعر في يوم من الأيام في الخوف ونحن نقوم بهذه المهنة الدينية التراثية، والله تعالى لا ينسي عباده الموحدين".

وتُعد المنطقة التي يعكف الأطفال على إيقاظ أهلها للسحور وصلاة الفجر خطيرة؛ نظراً لحدوديتها مع مواقع وبلدات الاحتلال الإسرائيلي، وتفشي المناطق الوعرة فيها.


ترحيب وتقدير

الحاج أبو أشرف (مؤذن مسجد التوحيد في المنطقة المذكورة) أعرب عن سعادته في المهنة التي يؤديه الأطفال الثلاثة قائلاً :"انا واهالي الحي عندما نسمعهم ينادون على كل بيت باسمه نستشعر الأجواء الإيمانية الرمضانية التي فقدناها منذ سنين، حقاً اجسام صغيرة وارواح كبيرة متألقة".

واستذكر الحاج ابو أشرف أحد المواقف التي تدل على الخيرية في عملهم "أحد الأيام كنت قد ضبطت ساعة المنبه، حتى استيقظ وأتجهز لفتح المسجد ولآذان الفجر، يومها أصاب هاتفي خلل فلن يدق جرس المنبه، لكني وجدت منبهاً ربانياً ايقظني، وهم الاطفال الثلاثة".

اما المواطن أدهم من سكان المنطقة فلفت أنه عند سماعه أصوات الأطفال يشعر في قشعريرة إيمانية، نظراً لأصواتهم الندية التي تنادي بشعارات التوحيد في ظل ظلمة الليل ووعورة المنطقة، وصلابة الأطفال "فحينها أستذكر عظمة وقوة وعزة الإسلام، والتابعين والصحابة من ذوي الأعمار الصغيرة الذين غيروا من شأن هذه الأمة لما فيه صلاحها".

وأشار ادهم أن أغلب سكان المنطقة أصبحوا يتكلون على الأطفال الثلاثة في مهمة إيقاظهم لطعام السحور، وصلاة الفجر، لافتاً أن غيابهم يتسبب في أزمة بالمنطقة وقد يدركها طعام السحور وصلاة الفجر.


اصغر مسحراتية
-
اصغر مسحراتية

-
اصغر مسحراتية
-
اصغر مسحراتية
-
اصغر مسحراتية
-
اصغر مسحراتية