تحليل تمييز أوروبا بين « إسرائيل » والمستوطنات جاء متأخراً ولا زال غامضاً

الساعة 07:51 ص|18 يوليو 2013

غزة

 
أطلس للدراسات
أن توجه المفوضية العامة للاتحاد الاوروبي بإدخال بند يميز بين المستوطنات وبين اسرائيل خلف الخط الاخضر في كل الاتفاقيات اللاحقة بدءاً من عام 2014 التي ستوقع بين اسرائيل والاتحاد الاوروبي الخاصة  بمنح  وقروض الاتحاد الأوروبي  لإسرائيل في مجال البحث والتطوير وتبادل المعارف الذي  تبناه الاتحاد وسيصدر عن المفوضية رسمياً يوم الجمعة القادم، لازال غامضاً وبحاجة لإيضاحات من حيث مدى الزاميته لدول الاتحاد الـ 28، ونخشى أن مع الضغوط الاسرائيلية والأمريكية ان توزع صياغته النهائية على أنه توصية غير ملزمة، لكنه في كل الأحوال يعتبر الخطوة الأهم من قبل الاتحاد الأوروبي على طريقة ترجمة موقفهم السياسي من كون المستوطنات عمل مخالف للشرعية والقانون الدولي وعقبة أمام السلام، رغم انه لا يستهدف اسرائيل كدولة احتلال، بل يركز على المشروع الاستيطاني، انه الترجمة الحقيقية الأولى لكل البيانات والمواقف السياسية الأوروبية منذ عقود، حيث كانت تفهم في اسرائيل وكأنها مجرد نصائح وكان ينظر اليها باستخفاف، فأوروبا بالنسبة لإسرائيل مثقلة بعقدة "المحرقة" ولن تجرؤ على أن تخطو أبعد من الوعظ والانتقاد، وكانت اسرائيل بالتأكيد تعتمد على دول صديقة يمكنها تعطيل أي توجه، وفى مقدمتها المانيا وهولندا.
انه انذار أولي، ورغم محدودية دائرة فعله وكونه جاء متأخراً، فهو انذار واعلان  مهمين، انذار لإسرائيل من استمرار تجاهلها للتوجهات الدولية والقرارات الدولية الخاصة بكل ما يتعلق بعملية السلام والاستيطان، وهو تحذير من عقوبات ومزيد من المقاطعات أصبحت في الطريق، والمسألة مسألة وقت في حال استمرار الاحتلال، وهو اعلان سياسي صريح وواضح باسم المجموعة الأوروبية تؤكد فيه موقفها من حدود الدولتين، فتحدد حدود اسرائيل بما كانت علية قبل الخامس من يونيو 67، وهو يرفض ما تقوم اسرائيل بمحاولات فرضه كأمر واقع في القدس والجولان.
لم يصدر هذا القرار نتاج حالة تعاطف لحظي، وليس بسبب ما تدعيه اسرائيل من كراهية اوروبية لليهود، وانما جاء حصيلة نضال سنين طويلة والكثير من حملات فضح عنصرية الاحتلال وممارساته العدوانية، وهو نتاج تعمق كبير في وعى الأوربيين لحقيقة الظلم الواقع على الفلسطينيين وحقيقة العدوانية الإسرائيلية، لا سيما بعد الحروب على غزة، وأبعاد تقرير غولدستون، ونتاج نشاط وتضامن منظومة كبيرة من المنظمات والجمعيات والأحزاب الأوروبية المتضامنة مع قيم العدل والحرية.
ان الرهان على التغير الإيجابي في الموقف الأوروبي هو رهان في محله على الأمد الطويل، وفى حال امتلكنا الأدوات المناسبة وخطاب التحشيد المقبول، وفى حال نجحنا في ادارة الدفة السياسية بجد وحنكة تستند الى فهم أن لا الزعامة الإسرائيلية ولا حتى المجتمع الاسرائيلي مهيئة ولا راغبة في قبول الحد الادنى للثوابت الوطنية الفلسطينية طالما أنهم يشعرون أن كل شيء بخير ولا يدفعون ثمن الاحتلال، وقد بدأت رياح التغيير تهب عبر تعاظم النشاط المؤسساتي الأوروبي المؤيد لفرض مقاطعات على اسرائيل. ونحن لا زلنا ننتظر قراراً أوروبياً يلزم اسرائيل بتعليم منتجات المستوطنات حتى لا تستفيد من الاعفاء الجمركي وليكون باستطاعة الاوروبيون مقاطعتها، إن اوروبا الملتزمة بقيم الديمقراطية لا يمكنها أن تتجاهل توجهات شعوبها وأحزابها الذي يرى جزء لا بأس به منها ان استمرار الاحتلال والاستيطان يعتبر خروجاً عن المواثيق الدولية وتحدياً للأسرة الدولية.
في اسرائيل وفى رد فعلهم الأولي على التوجه الأوروبي؛ أظهروا حالة من الصدمة والاستنكار، واتسمت ردود فعلهم بالتعبير عن حالة الغضب والخروج عن الكياسة الديبلوماسية التي وصلت لتذكير أوروبا بماضيها النازي، واستخدمت عبارات من اسطوانات قديمة مكررة "لاسامية"، "كراهية إسرائيل"، أما نتنياهو الذي قال انه يرفض إملاءاتهم، وذكرهم كما دائماً بواجبهم تجاه المهجرين السوريين والخطر الإيراني؛ فقد أكد عبر مقربيه انه يدرس فرض عقوبات مماثلة على الأنشطة الأوروبية في أراضي الضفة. لكنها مجرد أقوال في الاعلام هدفها تحسين صورته لدى الاسرائيليين بإظهاره بمظهر الزعيم القوي، لكننا نقدر في حقيقة الأمر أن نتنياهو يعمل الآن بنظام طوارئ كامل في مكتبه مع مجموعه كبيرة من المستشارين والشخصيات العامة المقبولة أوروبياً وفى مقدمتهم بيرس، ومع استثمار كل الضغط الأمريكي بهدف تجميد القرار أو تخفيف صياغاته، وفى هذا المقام سيحاول كثير استغلال ما يسمى بنافذة الفرصة الأخيرة للمفاوضات التي يقودها كيري، أي سيهدد بنفس الحيل الإسرائيلية القديمة الممجوجة عن نواياه الحقيقة في التقدم في مسيرة السلام ودفع الثمن المؤلم وتحدى مجموعات المتطرفين لكن على العالم أن يكافئه ويصفق له لا أن يضغط عليه، وهذا ما أعلنه عدد من وزراء الحكومة الذين هددوا بعدم منح موافقتهم لبوادر حسن النية التي كان ينوى نتنياهو تقديمها.
لكن من جهة أخرى هناك من يحمل نتنياهو وأحزاب اليمين المسؤولية عما يسمونه بالزلزال أو التسونامي الذي بدء يضرب ويحذر هؤلاء وهم اعلاميون بمعظمهم من أن استمرار التمسك بمشروع الاستيطان واستمرار جمود عملية السلام سيؤدى الى أن تحتل اسرائيل بجدارة مركز دولة جنوب افريقيا.