خبر متى سيصبح فعنونو بطلا -هآرتس

الساعة 10:07 ص|15 يوليو 2013

متى سيصبح فعنونو بطلا -هآرتس

بقلم: ألوف بن

        (المضمون: اختلاف نظرة الرأي العام في الولايات المتحدة وفي اسرائيل الى عاملين في جهازي الامن في اسرائيل والولايات المتحدة كشفا عن أسرار أمنية - المصدر).

        كلاهما شغل مناصب ضئيلة الشأن في منظمات أمنية، اطلعا فيها على أسرار دولة حساسة. وكلاهما اقتنع بأن أرباب عمله مسؤولون عن اعمال غير اخلاقية، واستقر رأيه على النكث بقسَم السرية وعلى أن يُحدث العالم عنها. وكلاهما جمع مادة بالسر، أما أحدهما فبآلة تصوير وأما الآخر ففي الحاسوب ثم تركا بلديهما وتحدثا عما يعلمان لصحيفة بريطانية وأحدثا عاصفة دولية. وكلاهما مطارد منذ ذلك الحين من قبل السلطات التي لا تغفر لهما تسريب المعلومات.

        سار ادوارد سنودن، عامل المقاولة السابق في وكالة التنصت الامريكية (ان.اس.إي)، الذي كشف عن عمق تغلغلها الى تفاصيل تصفح العالم كله للانترنت والمكالمات الهاتفية لسكان الولايات المتحدة، في السبيل الذي خطه مردخاي فعنونو، العامل التقني السابق الذي أزال السرية عن قرية البحث الذري في ديمونة. وقد علم سنودن أنه اذا اعتُقل فسيعاقب عقابا طويلا في ظروف قاسية كسلفه الاسرائيلي، وخطط لفراره بصورة أفضل منه. لكن حتى لو حظي سنودن باللجوء السياسي في روسيا أو فنزويلا ولم تخطفه الادارة الامريكية من هناك كما فعلت اسرائيل بفعنونو، فسيقضي ما بقي من حياته مطاردا ولن يعرف السكينة بعد ذلك. وسيكون مثل فعنونو بالضبط الذي يحيا منذ تم الافراج عنه تحت قيود قاسية على حريته.

        لكن مع كل التشابه بين افعالهما، كان الرد العام على تسريبات فعنونو وسنودن مختلفا تمام الاختلاف. ولا يوجد تجسيد أفضل من هذا للفروق بين الديمقراطية في اسرائيل والديمقراطية في امريكا، فجهاز الامن هنا يتمتع باجلال يكاد يكون دينيا، ويُرى المس بالمفاعل الذري كتدنيس الهيكل المقدس. وسوّغت قلة قليلة من اليساريين الورعين فقط عمل فعنونو علنا. أما أكثر الجمهور فأحبوا التسريب وكرهوا المُسرب، فقد قرأوا في شغف ما كشف عنه وأسعدهم ان يسمعوا ان عند اسرائيل "200 قنبلة ذرية"، كما زعم، لكنهم قبلوا موقف السلطة التي عرضته على أنه خائن خطير أو مجرد حالم. وتعب المُجلّون ايضا، فلم يتم تحديث موقع "الهيئة الاسرائيلية من اجل مردخاي فعنونو" منذ عدة سنوات.

        ورد الجمهور الامريكي بصورة مختلفة. فهم هناك لا ينظرون الى جهاز الامن في إشفاق مقدس، وتلقى اعمال السلطة دائما ارتيابا سليما، وقد سمّى أصحاب أعمدة صحفية ليبراليون سنودن "بطلا" وجادلوا من قبلوا موقف الادارة وهو انه كشف عن أسرار ويجب أن يُعاقب. وقبل الجميع حق وسائل الاعلام في نشر ما كشف عنه باعتباره مفهوما من تلقاء نفسه ولم يدّعوا كالصحافة اليمينية في اسرائيل أن "الجمهور لا يريد أن يعلم" ويجب تعريض هذه المعلومات للرقابة. وأظهرت استطلاعات الرأي ان الرأي العام الامريكي منقسم في مسألة هل سنودن وغد أو صدّيق وهل يجب محاكمته. ولم يوجد في اسرائيل نقاش عام كهذا في محاكمة فعنونو.

        يجب على اسرائيليين يؤيدون سنودن ويرونه محارب حرية كشف عن الامبراطورية الامريكية بتلونها وشرها أن يعاملوا سلفه الاسرائيلي على هذا النحو ايضا. فلا يوجد أي فرق اخلاقي أو عملي بينهما، ومن المثير ان نعلم هل يتغير على مر الزمن تقدير فعنونو في اسرائيل، وهي يُرى مُسربا ضحى بحريته من اجل العامة – لا جاسوسا وخائنا؛ وهل سيُرى في يوم من الايام بطلا في نظر اسرائيليين ليبراليين على الأقل.

        لأن الدرس من قضية فعنونو الذي سيتعلمه سنودن قريبا ايضا هو ان المُسرب الفرد يستطيع فقط ان يثير نقاشا لا أن يغير السياسة أو "يضعضع أمن الدولة". فقد بقي الغموض الذري الاسرائيلي كما كان قبل كشوف فعنونو في 1986، ولم تتحقق مخاوف جهاز الامن من ضغط دولي لاغلاق ديمونة، ولا أمل أنصار فعنونو ان يوجد ضغط كهذا. وهذا ما سيحدث ايضا لما كشف عنه سنودن، فالاستخبارات الامريكية لن تكف عن اعمال المتابعة والتنصت وتفتيش الانترنت. فالدول أقوى كثيرا من مواطنيها حتى من اولئك الذين هم مستعدون للمخاطرة. "أيها الموظف والآلي والسائق الذي قالوا له إفعل كذا وكذا"، كما كتب فعنونو في قصيدته "إنني جاسوسك"، بقي في آخر النهار وحده مع اختياره المصيري والثمن الذي دفعه عنه.