خبر الصوت المسموم من القاهرة... يديعوت

الساعة 10:57 ص|12 يوليو 2013

بقلم: إلداد باك

(المضمون: قراءة في كتاب احمد المسلماني المتحدث باسم الرئيس المصري الجديد "ما بعد اسرائيل" وفي فكره بعامة. وهي قراءة يجب ان تثير القلق من الثورة المصرية الثانية الجديدة - المصدر).

هو رجل وسيم في مستهل الاربعينيات من عمره، دقيق القوام ويحرص على مظهر أنيق وتسريحة شعر أنيقة. وهو من أكثر الصحفيين شعبية وتقديرا في مصر برغم – وربما بفضل – صغر عمره. ويعُد برنامج تحليل سياسي نقدي يذيعه واحدا من محركات الثورة المصرية الاولى التي أنهت حكم مبارك والثورة الثانية التي أفضت قبل اسبوع الى عزل محمد مرسي. وهو نجم في شبكات تلفاز عربية ونشر مئات المقالات وغير قليل من الكتب أصبح أكثرها مع نشرها فورا يباع كثيرا.

يسميه مُجلّوه "فولتير الثورة المصرية". قبل نحو من سنة اقترح عليه عدد من كبار المعسكر المدني ان يترشح في الانتخابات الحرة الاولى لرئاسة مصر فرفض الاقتراح بأدب لأنه ربما قدّر ان هذا ليس هو الوقت المناسب الى الآن. لكن حينما توجه اليه رئيس مصر المؤقت عدلي منصور قبل بضعة ايام باقتراح ان يصبح متحدثه الشخصي، استقر رأيه على انه حان الوقت ليوسخ يديه بالسياسة.

لم يصبح احمد مسلماني بتعيينه متحدثا للرئيس صوت مصر الرسمي فقط بل وجه "الثورة الثانية" المدنية والليبرالية التي استقر رأيها على الاعتماد على قادة "جيش الشعب" للتحرر من الحكم الديني المتطرف للاخوان المسلمين. بيد ان معنى المصطلحين "مدني" و"ليبرالي" في مصر يختلف جدا عن معناهما في الغرب، وليس كشخصية المسلماني لبيان الفرق العظيم بين الصورة التي تحاول الثورة المصرية ان تمنحها لنفسها منذ ايامها الاولى وبين ما هي عليه في الحقيقة وهي انها موجة قومية معادية لامريكا ولاسرائيل وللسامية.

من المهم ان نؤكد ان ليست جميع تيارات الثورة المصرية مشاركة في هذا التصور العام، لكن أكثرها يؤمن به. لم يُعزل مبارك فقط بسبب الفساد والاستبداد اللذين نُسبا الى نظامه بل لأن الجماهير كانت تراه متعاونا مع اسرائيل ومع الولايات المتحدة. وطُرح مرسي عن كرسي الرئاسة ايضا لأن معارضيه غضبوا لأنه لم يلغ اتفاقات السلام مع اسرائيل ولم يضع حدا للهيمنة الامريكية على مصر. إن المسلماني الذي يتوقع له كثيرون حياة مهنية لامعة في السياسة المصرية، وهناك من يعتقدون انه سيصبح رئيسا ذات يوم، يؤمن ايمانا خالصا بالطبيعة القومية للثورة المصرية وكونها وسيلة لتحويل مصر الى قوة عظمى اقليمية ووسيلة لاختفاء اسرائيل المأمول من خريطة الشرق الاوسط.

ربيع عربي وشتاء اسرائيلي

كانت حياة المسلماني يمكن ان تفضي به الى اتجاه آخر، فقد ولد في ايلول 1970 في قرية في دلتا النيل لعائلة فقيرة تقية. وما زال الوالد محمد، وهو رجل دين متواضع توفي قبل بضع سنوات، مصدر إلهام الى اليوم للصحفي المحبوب، ويفخر المسلماني في جملة ما يفخر بأن قصص القرآن التي كان يسمعها من والده في طفولته علمته كيف يتحدث الى الناس، ويُبين لهم أوضاعا معقدة ببساطة. وكان الوالد نشيطا في حركة "الاخوان المسلمين" في منطقة سكنه. ومال في آخر حياته الى الاعتزال في بيته والابتعاد عن الناس، لكنه ظل يقابل عددا من اصدقائه من صفوف الحركة.

وترعرع الابن احمد من الفقر الى العظمة. وهذا تحقق للحلم المصري. وكان هذا الفتى صاحب النظر الثاقب والصوت الهاديء طالبا متميزا وفاز بجوائز كثيرة واختير ليرأس مجالس الطلاب اللوائية والقطرية. وأنهى بتميز دراسته لعلوم السياسة في جامعة القاهرة وقُبل ليعمل مساعد بحث في "مركز الاهرام للبحوث الاستراتيجية". وقد اختص فيما اختص به بقضية الصراع العربي الاسرائيلي وهكذا بدأت حياته الاعلامية – العامة.

نشأ المسلماني في فترة بلا حروب حينما كان بلده يتمتع بثمار السلام مع اسرائيل ويسير في طريق التطور والنماء. وكان يمكن ان يكون ممثلا لجيل السلام المصري وصوتا سليما يؤيد التغيير والأمل، لكنه أصبح نتاج بيئته التقليدية والمحافظة ونتاج مؤسسات التربية والدين والاعلام والاكاديميا التي عملت على قمع كل بارقة تعايش مع اسرائيل. ولا ينبع نجاحه المهني والشعبي من الجرأة والتمرد والتجديد بل من التمسك بأفكار قومية قديمة وآراء مسبقة عنصرية ونظريات مؤامرة خيالية. وقد منح المسلماني كل ذلك في برامجه في التلفاز ومقالاته وكتبه رداءا جديدا وشابا ومقاتلا واكاديميا في ظاهر الامر.

قبل بضعة اشهر نشر المسلماني كتابا يحمل الاسم الاشكالي وهو "ما بعد اسرائيل". والحديث في واقع الامر عن صيغة ثانية لكتاب نشره قبل عشر سنوات في ذروة الانتفاضة الثانية تنبأ فيه بنهاية اسرائيل والصهيونية، وأُضيف الى الصيغة الحالية عدد من الفصول يتناول التطورات التي مر بها الشرق الاوسط في السنوات التي مرت منذ ذلك الحين ولا سيما أحداث "الربيع العربي". وقوي فقط ايمان المسلماني بأن اسرائيل تخطو نحو الفناء. وهو يقول في مقدمة الطبعة الجديدة ان "الربيع العربي" يرمز الى "الشتاء الاسرائيلي".

إن الكتاب الذي يُعرض في واجهات عرض حوانيت كتب فخمة ويُباع ايضا على منصات مغبرة في الشوارع، يحظى مثل المتوقع باهتمام كبير. إن مضمونه يمنحنا فرصة ذهبية لرؤية كيف ترى قيادة الثورة المصرية اسرائيل. والاستنتاجات مقلقة، فمتحدث رئيس مصر يعبر عن صدى نظريات معادية للسامية بدائية، وسيتهم اسرائيل بالرغبة في جر مصر الى حرب أهلية للاستيلاء على أجزاء واسعة منها، ويُبين ان الجيش المصري يستعد بكامل الجد لمحاربة اسرائيل. ويتنبأ في الوقت نفسه بانحلال اسرائيل الداخلي. وهذا حشد لا نظام فيه من الفانتازيا المريضة في جزء منها ومقتبسات معادية لاسرائيل لنشطاء يسار متطرف من اسرائيل ويهود العالم تمنح أفكار المسلماني تأييدا اخلاقيا واكاديميا في ظاهر الامر. ويفخر مؤلف الكتاب بعلاقاته القريبة بزعيم حماس خالد مشعل ومعرفته لروجيه جارودي مُنكر المحرقة الفرنسي الذي أسلم (ومات قبل نحو من سنة في سن الـ 98)، وبالالهام الذي تلقاه من وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو لكتابة الطبعة الحالية من كتابه.

يبدأ الكتاب بأقوال ثناء من مشعل على قيادة الجيش المصري. "أنا على صلة دائمة بالاستخبارات المصرية وأعرف قادتها جيدا"، يكشف مشعل في حديث أجراه قبل زمن قصير مع المسلماني. "عملت معهم في ايام مبارك وفي زمن الثورة. وهم نفس الاشخاص لكن روحهم تغيرت. فقد عادت اليهم الروح بعد الثورة. ويوجد بازائنا اليوم جهاز استخباري جديد وضباط جدد برغم ان الحديث عن نفس الاشخاص. إنني أراهم اليوم مصدر فخر".

ويزعم المسلماني ان اسرائيل رفضت بشدة الاعتراف باعتدال حماس السياسي واستعدادها المبدئي للموافقة على تسوية على أساس حدود 1967. "لا تريد اسرائيل ان تسمع أخبارا طيبة من الجانب الآخر"، يكتب. "وهي غير معنية بعلاقات طيبة بأية جهة ما لا الفلسطينيين ولا غيرهم. وتحظى أهم دولة وقعت على اتفاق سلام مع اسرائيل من اسرائيل بعلاقات عدائية. وبدأ يُكشف بالتدريج عن تفاصيل خطط اسرائيلية لضعضعة الاستقرار في مصر إما بتأييد حرب أهلية داخلية بين المسلمين والمسيحيين وإما بمساعدة اسرائيل لدول حوض النيل على فرض حصار مائي على مصر".

ويتناول المسلماني في كلامه التوتر المتزايد بين مصر واثيوبيا حول قضية تقاسم ماء النيل وانشاء "سد النهضة" في اثيوبيا والذي يهدد بالمس بجريان ماء النيل الى مصر وباحداث نقص شديد من الماء. إن متحدث الرئيس المصري مثل كثيرين آخرين من النخب المصرية يرى ان انشاء السد مؤامرة اسرائيلية ترمي الى اضعاف مصر ودفعها الى محاربة اثيوبيا. وهو يقتبس من كلام أحد قادة الاستخبارات المصرية زعم ان "الموساد" يستعد لبناء انابيب تنقل ماء النيل من اثيوبيا الى اسرائيل.

ويقول الصحفي السريع الكتابة وصاحب الخيال الخصب إن مصر صاغت منذ ان سقط مبارك من جديد موقفا حازما في مواجهة اسرائيل وان الجيش المصري يشعر في السنوات الاخيرة بأن حربا جديدة مع اسرائيل على الأبواب. ويقول المسلماني إن الثورة التي أفضت الى سقوط مبارك أصابت اسرائيل بمفاجأة مطلقة لا تقل عن مفاجأة حرب يوم الغفران، وهو يرى ان فترة مبارك كانت بالنسبة لاسرائيل "نصرا بلا حرب" وكانت بالنسبة لمصر "هزيمة بلا حرب". ويقول المسلماني إن اسرائيل عملت طول فترة ولاية مبارك على اضعاف مصر لكن الثورة أنهت خطة "مصر الصغيرة".

خطة التهويد السرية

إن أحد السيناريوهات المرعبة التي تقض في هذه الايام مضاجع كثير من المصريين، بتشجيع من محللين من أنصار المسلماني، هو خطة اسرائيلية لتشجيع الارهاب في سيناء كي يكون ذلك ذريعة لها لاحتلال شبه الجزيرة من جديد وانشاء دولة بديلة للفلسطينيين. ويزعم أناس المعسكر العلماني ان "الاخوان المسلمين" يساعدون اسرائيل على تحقيق هذه المؤامرة. ويكشف المسلماني في كتابه عن "مؤامرة اسرائيلية" اخرى وهي تهويد سكان واحة سيوا على مبعدة 800 كم غربي القاهرة وجعلهم "أبناء الفلاش مورا المصريين".

ويؤكد المسلماني بازاء كل هذه التهديدات الوهمية لأمن بلده وسلامته وضع اسرائيل اليائس بالاعتماد على قراءة انتقائية للصحافة الاسرائيلية وتحليل نفسي مبتذل للمجتمع الاسرائيلي. فالوضع النفسي للاسرائيليين يتدهور. كما يقرر الخبير المصري بالسلامة النفسية ويضيف ان اسرائيل هي دولة بلا حدود أمنية طبيعية وبلا موارد اقتصادية طبيعية وبلا محيط طبيعي. فحقيقة وجودها غير طبيعية باختصار. ويريد اسرائيليون كثيرون حياة الكسل والترف، كما يقول المسلماني في جزم، غير ان ذلك غير ممكن. "الاسرائيليون شعب ضعيف في دولة قوية، وجُبناء في دولة مغامرة. وقد نجحت الحركة الصهيونية في انشاء دولة لكنها فشلت في انشاء شعب. وفي كل يوم تخسر اسرائيل أكثر مما تربح. وهي دولة صغيرة يحيا الجميع فيها في خوف، ودولة ذات قنابل كثيرة لكنها بلا أمن".

ويزعم ان شعور اسرائيل المزور بالقوة يجرها الى تهديد ايران والى البحث عن سقوط الاردن والى احداث توتر مع تركيا ومصر. "لكن اسرائيل القوية تخفي وراءها اسرائيل ضعيفة، وقوة الجيش تخفي وراءها تدهور الدولة"، يكتب المسلماني. "يتغير التاريخ من جديد، فهناك شروق في مصر وغروب في اسرائيل، وخريف الفساد في القاهرة وربيع الفساد في تل ابيب".

ويُبين المسلماني ان اسرائيل من اجل البقاء في هذه الظروف غير الطبيعية تُجري معركة لا على الاسلام والمسلمين فقط بل على الغرب والمسيحيين ايضا. واحدى وسائل هذه المعركة الرئيسة هي نظرية "الكبلاه" المنتشرة جدا "بين اشخاص يعانون حالات قلق وتنافس" ويبحثون عن معنى للحياة. وهكذا يجعل مادونا وديمي مور وبريتني سبيرز "عميلات مسيحيات لليهودية في خدمة اسرائيل".

وهناك وسيلة اخرى في هذا الصراع كما يرى المسلماني وهي استغلال مشاعر الغرب بالذنب بسبب المحرقة لتسويغ "المحرقة الجديدة" على الفلسطينيين. ويتوسع في الاتيان باقتباسات من كلام اشخاص منهم نشطاء يساريون اسرائيليون زعموا ان اسرائيل تعامل الفلسطينيين كما عامل النازيون اليهود. بل ان المسلماني يلاحظ عند الاسرائيليين "ميلا نازيا" ينبع من الشعور بالفشل والضعف الذي بدأ بعد حرب يوم الغفران وقوي بعد التوقيع على اتفاقات كامب ديفيد. ويُدلي بتقرير عن زيادة عدد المهاجرين من اسرائيل ويقتبس خبرا من وكالة الانباء الفرنسية يقول ان 50 ألف اسرائيلي أحرقوا جوازات سفرهم وعادوا الى البلاد التي ولدوا فيها في شرق اوروبا وأرادوا الهجرة من هناك الى المانيا. فليكن.

ويولي المسلماني مجموعة "المؤرخين الجدد" أهمية كبيرة ويُكثر الاقتباس من كتب: توم سيغف وآفي شلايم وايلان بابه وشلومو زيند عن وضع اسرائيل اليائس والاسطورة "الكاذبة" التي بُنيت عليها. ومن جهة اخرى يحظى المؤرخ الجليل بني موريس الذي "خان" تصور المؤرخين الجدد من متحدث الرئيس المصري بشتائم شتى فهو عنصري وبلا أية قدرة على التفكير السامي، وانسان محدود لم يُسهم بشيء مهم في البحث التاريخي، وهو ينشر كتبا كي يثبت فقط انه ما زال قادرا على الكتابة.

ويُبحر المسلماني ايضا الى الماضي، ويُحدث قراءه عن ان صدمة انهيار مملكة الصليبيين في الشرق الاوسط قبل نحو من ألف سنة أفضت باسرائيل الى ان تنشيء بعد تأسيسها فورا معهدا لبحث تاريخ الصليبيين. وقد وجد العاملون في هذا المعهد ان الصليبيين كانوا شديدي التعلق بمساعدة خارجية ولهذا بنت اسرائيل قوة مستقلة. وهذا ما يجعل اسرائيل ايضا تحرص على الحفاظ على مبادرة الهجوم ولا تنتظر ان تهاجَم. ويلخص المسلماني قائلا ان "اسرائيل في مفترق طرق وكذلك العالم العربي ايضا. قد يتطور المستقبل في اتجاه الفكرة العامة لهذا الكتاب وهي الشتاء الاسرائيلي والربيع العربي. وقد يتطور الربيع العربي ليصبح شتاءا من جديد ويغرق العالم العربي في الفشل مرة اخرى. لكنني من أنصار مدرسة الأمل". واذا كان شخص مثل المسلماني متفائلا فعندنا سبب جيد لنكون متشائمين.