خبر الاطاحة بمرسي والصراع لاعادة الثورة المصرية الى مسارها- نظرة عليا*

الساعة 09:48 ص|10 يوليو 2013

الاطاحة بمرسي والصراع لاعادة الثورة المصرية الى مسارها- نظرة عليا*

بقلم: يورام ميتال**

        (المضمون: العملية التي ميزت عزل الرئيس مرسي تشهد على أن لا أساس للادعاء السائد في أن مصر ما بعد مبارك علقت في شتاء اسلامي. ومع ذلك، من الخطأ الافتراض بان قيام نظام سلطوي استنادا الى قيم الحرية والعدالة الاجتماعية سيتاح دون دمج الاسلاميين في بلاد الاهرام - المصدر).

        في السنة الاخيرة انتشر الادعاء بان الربيع العربي اصبح شتاء اسلاميا في مصر. وتعزيز لهذا الادعاء وجده من يتبناه في فوز مرشحي الاحزاب الدينية في انتخابات حرة ونزيهة لمؤسسات الحكم وفي عملية الاسلمة التي دفعها الى الامام الرئيس محمد مرسي. المؤيدون لزاوية النظر هذه ركزوا على جانب واحد من الساحة السياسية ومالوا لالغاء وجود معسكر ذي مغزى في الطرف الاخر من الساحة، ضم القطاعات التي قادت الانتفاضة المدنية التي اسقطت مبارك. وذلك اضافة الى النفوذ العميق والمتواصل لاجهزة الامن والجهاز القضائي. والاحداث الدراماتيكية الجارية الان في بلاد النيل جديرة بالمراجعة في السياق السياسي والاجتماعي الذي يميز مرحلة الانتقال الثوري التي تمر بها مصر منذ اسقاط نظام مبارك.

        لقد شكل نظام مبارك حلقة اخرى في نظام الحكم المطلق الذي ترسخ في مصر منذ ثورة تموز 1952. فالانقلاب العسكري الذي قام به جمال عبدالناصر وزملاؤه تطلع الى تغيير النظام الملكي بمنظومة سلطوية تقوم على اساس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. الى جانب الانجازات البارزة في المجال الاجتماعي والسياسي وضع نظام الضباط الاسس لقيادة نظام حكم مطلق استمر عشرات السنين. فقد الغي الدستور وحلت الاحزاب والبرلمان. وشهر العسل القصير بين نظام الضباط والاخوان المسلمين انتهى باخراج الحركة عن القانون وحبس الالاف من نشطائها. وفرضت أجهزة الامن الرعب على الجمهور الغفير الذي فضل الابتعاد عن كل فعل سياسي.

        تحت قيادة الرئيسين انور السادات وحسني مبارك سمح – بالتدريج وتحت الرقابة – بنشاط حزبي وعادت المعارضة الى العمل في المجال العام. ووضعت السلطات المصاعب في وجه النشاط المعارض وفي هذا الاطار منعت حركة الاخوان المسلمين من العمل كحزب. ورغم ذلك برز الانتقاد المتصاعد ضد النظام بوضوح في المجال العام. ووجدت السلطات اساسا صعوبة في احباط النشاط الجماهيري الواسع لحركة الاخوان المسلمين. وسمح الدستور بمنافسة مرشحين مستقلين وانجازات ممثليهم في الانتخابات للبرلمان والاتحادات المهنية، مما ثبت مكانة الحركة كجسم معارض رائد في مصر.

        واختطفت الانتفاضة المدنية التي وقعت في مصر في بداية 2011 الاوراق في الساحة السياسية ومثلت قوة المجتمع المدني. وأجبر تدخل الجيش الرئيس على التخلي عن كرسيه، ولكن هذا لم يحصل الا بعد أن كافح ملايين المصريين بتصميم في سبيل اسقاط النظام. وأخذ لجام ادارة شؤون الدولة لنفسه المجلس الاعلى للقوات المسلحة ولكن الاهداف التي اراد تحقيقها هذا كانت تختلف بشكل جوهري عن الاهداف التي اتخذتها القوى التي قادت الانتفاضة المدنية. والاجراءات التي اتخذها الجنرال حسين طنطاوي وزملاؤه اثارت مخاوف العديدين في المعسكر الذي قاد الانتفاضة المدنية. وقد اتضح الخلاف عندما نشر المجلس العسكري خريطة الطريق للمرحلة الانتقالية والتي دعا فيها الى اجراء انتخابات للبرلمان وللرئاسة قبل استكمال صياغة دستور جديد. وحظيت خطة الضباط بدعم حرج من جانب الاخوان المسلمين الذين رأوا فيها فرصة للوصول الى السلطة في الانتخابات وتصميم النظام السلطوي الجديد. وتمتعت قيادة الحركة بجهاز تنظيمي ناجع وبمقدرات مالية كبيرة بلا قياس بالنسبة لباقي الاحزاب. وطالبت معظم الاحزاب غير الدينية والمجموعات المتماثلة مع معسكر الشباب الا تجرى الانتخابات الا بعد اقرار الدستور الذي يثبت صلاحيات السلطات. وتعاظمت المقاومة لحكم الضباط، ولكن هؤلاء كانوا مصممين على فرض الصيغة التي وضعوها.

        في الانتخابات الحرة والنزيهة لمجلس النواب فاز مرشحو الاخوان المسلمين والسلفيين بانجازات غير مسبوقة. وسرعان ما تبين لهم بان الاستيلاء على الحكم هو مهامة سهلة مقارنة بالتحديات التي يتعين عليهم مواجهتها. ووضعت الاغلبية الهائلة التي تمتعوا بها في السلطتين التشريعية والتنفيذية وكذا في لجنة صياغة الدستور قيد الامتحان التزامهم بخدمة عموم الجمهور المصري وليس فقط القطاع الديني. وفي حملة الانتخابات للرئاسة تعهد زعماء الاخوان المسلمي بتحقيق أهداف ثورة يناير 2011 واشراك الجماعات المختلفة في ادارة شؤون الدولة وحماية مصالح عموم المواطنين. باختصار، التصرف كحركة حكم لا تستبعد احدا.

        اما سلوك الرئيس مرسي في السنة التي تولى فيها الرئاسة فتشهد على الفجوة بين هذه الالتزامات وبين الاجراءات التي اتخذها والسياسة التي اتبعها. وسرعان ما تبين ان مرسي يتبنى اسلوبا سلطويا ذكر اكثر من اي شيء آخر بمبارك.  وخططه لانقاذ الاقتصاد من الازمة الحادة واستعادة الامن الداخلي لم تعطي ثمارها وأخذت الازمة الاقتصادية بالتفاقم. ونشرت الاحزاب والحركات المعارضة المختلفة الادعاء بان مرسي فشل في معالجة المشاكل الداخلية لان سياسته تسعى الى خدمة مصالح حركة الاخوان المسلمين التي كان حتى وقت اخير مضى من قادتها. وأصبحت مسألة الاسلمة لمؤسسات الحكم والمجتمع لب الخلاف بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه. واشار منتقدو الرئيس الى مئات التعيينات للاشخاص المتماثلين مع تيار الاسلام السياسي في الوظائف العليا في أجهزة الحكم. ووجه انتقاد لاذع ايضا الى الشكل الذي تدخل فيه الرئيس في عمل لجنة الدستور وبالاساس في قراره المتسرع بطرحه على الاستفتاء الشعبي رغم المعارضة الجماهيرية الواسعة التي وصفت بانها عملية اختطاف. وبرز الانتقاد لخطوات الرئيس بوضوح ايضا في أوساط المؤسسة الامنية وفي قيادة الجهاز القضائي.

        غير أن الخطوة التي ادت الى الاطاحة بالرئيس مرسي بدأتها مجموعة من الشباب التي أطلقت في نهاية نيسان الماضي حملة تدعى "تمرد". وحظيت هذه المبادرة بدعم جماهيري غير مسبوق وفي غضون بضعة أسابيع جندت تواقيع أكثر من 20 مليون مواطن دعوا الى تقديم موعد الانتخابات للرئاسة. كما بادر منظمو الحملة الى مظاهرات كبرى ضد مرسي في 30 حزيران واعلنوا عن نيتهم الشروع في عصيان مدني في حالة عدم استقالة الرئيس على الفور. ورفض مرسي رفضا باتا هذه المطالب وخرجت حركة الاخوان المسلمين في حملة تضامن مع الرئيس. ودعوة الجيش الاطراف المتصارعة للوصول الى تفاهم في غضون بضعة ايام لم تعطي ثمارها. فأكثر من 20 مليون مواطن تظاهروا في أرجاء الدولة وتعاظمت المخاوف بالشلل وباندلاع اعمال العنف. وعبر الانذار الذي نشره الجيش عن ميل واضح الى جانب معارضي الرئيس وهذا بالفعل عزل بعد نحو 48 ساعة.

        أذهل عزل الرئيس قيادة الاخوان المسلمين، ولكنهم انتعشوا بسرعة وقرروا رد الحرب. ودعت قيادتهم ملايين مؤيديهم الى التظاهر حتى عودة مرسي الى قصر الرئاسة، وأعلنوا باستفزاز بانهم سيكافحون دون هوادة ضد محدثي الانقلاب العسكري الذي وقع بزعمهم في مصر. ووصفوا خصومهم السياسيين بانهم يخدمون مصالح نظام مبارك واعتبروا قادة الجيش خونة للثقة التي منحهم اياها الرئيس مرسي. وفي هذه الاثناء يمتنع قادة الحكم والجيش عن اتخاذ وسائل ضد مؤيدي الرئيس المعزول. وتعلن القيادة المدنية والعسكرية التي تمسك الان بلجام السلطة عن نيتها اعادة ثورة يناير الى مسارها الاصلي، ضمان الحريات المدنية والقانون والنظام. ولكن هذه الاهداف الجديرة لن يكون ممكنا تحقيقها الا اذا عملت القيادة الحالية بصدق على رأب الصدع غير المسبوق الذي يعيشه المجتمع المصري.

        ان العملية التي ميزت عزل الرئيس مرسي تشهد على أن لا أساس للادعاء السائد في أن مصر ما بعد مبارك علقت في شتاء اسلامي. ومع ذلك، من الخطأ الافتراض بان قيام نظام سلطوي استنادا الى قيم الحرية والعدالة الاجتماعية سيتاح دون دمج الاسلاميين في بلاد الاهرام.