خبر مجزرة مصر مشروع فتنة.. عبد الباري عطوان

الساعة 05:46 ص|09 يوليو 2013

غزة

المجزرة التي وقعت أمام مقر الحرس الجمهوري في القاهرة امس وراح ضحيتها أكثر من خمسين إنسانا ومئات الجرحى، مشروع فتنة يتحمل مسؤوليتها الجيش المصري الذي من المفترض أن يكون أكثر انضباطا واشد حرصا على دماء أبناء الشعب المصري.. يتحمل مسؤوليتها أيضا لأنه الحاكم الفعلي حاليا للبلاد، وحماية أرواح المصريين من أهم مسؤولياته.

القول بأن هناك مجموعة إرهابية كانت مندسّة بين المعتصمين من الصعب أن يقنع الكثيرين، فمهما كانت هذه المجموعة خطرة أو مسلحة، فإن قتل خمسين إنسانا وإصابة المئات، نسبة كبيرة منهم جروحهم خطيرة، يؤكد أن هناك نية مبيتة للقتل والاستخدام المفرط للقوة.

مصر تنجرف نحو العنف والفوضى الدموية، والوضع الأمني فيها بات يخرج عن السيطرة، ومن كان يتصور أن الجيش المصري الذي قام بالانقلاب تحت عنوان الحفاظ على الأمن القومي، قادر على ضبط الأوضاع واهم، ولا يستطيع قراءة المشهد المصري الحالي قراءة صحيحة ومعمقة.

أن يعتكف الدكتور احمد الطيب احتجاجا على تدهور الأوضاع فهذا من حقه، ولكن هذا الاعتكاف الاحتجاجي لن يكون له أي تأثير، وإذا كان له تأثير فسيكون عكسيا، فالشيخ الطيب الذي نكن له كل الاحترام والتقدير لما يتمتع به من علم، ارتكب خطأ كبيرا عندما تدخل في السياسة وأعطى مباركته للانقلاب، في الوقت الذي كان يتوقع الكثيرون منه، ونحن منهم، أن يكون وسيطا محايدا، يقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف.

نلوم الرئيس محمد مرسي على الكثير من الأخطاء التي ارتكبها أثناء فترة رئاسته القصيرة التي لم تزد عن عام، ولكننا لا نلوم أنصاره من حركة الإخوان، ونحن نختلف معهم في الكثير من مواقفهم، إذا ما تظاهروا في الشوارع، وبطريقة سلمية احتجاجا على الإطاحة برئيسهم المنتخب، أيا كانت الأسباب والذرائع.

‘ ‘ ‘

الاحتجاج السلمي مشروع لجميع فئات الشعب المصري، فمثلما كان من حق ‘حركة تمرد’ أن تجمع الملايين في الميادين الرئيسية في القاهرة، ومختلف المدن الأخرى للاطاحة بالرئيس مرسي، فإن إنصاره يملكون الحق نفسه للتظاهر للمطالبة بإعادته إلى قصر الرئاسة، باعتباره رئيسا منتخبا في انتخابات حرة نزيهة.

أحداث العنف التي شاهدناها خلال الايام القليلة الماضية أصابتنا بالصدمة، فلم يخطر في بالنا في أي يوم من الايام، ونحن الذين عشنا سنوات في مصر، أن نرى شابا مراهقا يقذف به إلى حتفه، من فوق خزان ماء، بطريقة إجرامية تكشف عن حقد اسود، ورغبة انتقامية دموية، فماذا فعل هذا الشاب غير كونه اختلف سياسيا مع قاتليه.

هذه ليست مصر التي نعرفها، وهؤلاء الذين ارتكبوا الجريمة لا يمكن أن ينتموا إليها، وشعبها الطيب المسالم، بل لا نبالغ إذا قلنا أن هؤلاء لا يمكن أن ينتموا إلى الإسلام، دين التسامح والرأفة ونصرة الضعيف وحقن الدماء.

من المؤكد أن هناك طرفا ثالثا لا يريد الخير لمصر، وينتمي إلى عصر الفساد والتوريث، يتفنن في إشعال فتيل الفتن، لجرّ البلاد إلى حرب أهلية تمتد إلى سنوات، وتحصد أرواح الآلاف، والمؤلم أننا لم نر تحقيقا حقيقيا يكشف المسؤولين عن هذه الجرائم.

للمرة الألف نقول، ونحن الذين بدأنا نؤمن بنظرية المؤامرة منذ أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، أن مصر تواجه المخطط نفسه الذي دمر العراق، وحل جيشه وقتل خيرة علمائه وإغرقه في مستنقع الطائفية وتقسيماته، ورمّل مليون امرأة ويتّم أربعة ملايين طفل، وهو المخطط الذي يتكرر حاليا في سورية أيضا.

‘ ‘ ‘

لا نضيف جديدا عندما نوصف المشهد المأساوي بأنه يتبلور بأبشع صوره أمام عيوننا، ولكننا قد نساهم في تقليص الخسائر إن لم يتأت وقفها، إذا ما طالبنا جميع الأطراف بالتراجع عن عنادها، وتقديم التنازلات من أجل وفاق يحمي مصر ويقضي على الفتنة في بداياتها قبل أن تحرق البلاد والعباد.

عقلاء مصر وحكماؤها يجب أن يعودوا إلى الواجهة، ويتقدموا بمبادرة يتوافق عليها جميع الأطراف، وتركز على رد الاعتبار للرئيس مرسي والإعداد لانتخابات رئاسية وبرلمانية في غضون شهرين على الأكـثر، وفق دستور تضعه لجنة من الخبراء، تستند إلى ما جـــرى الاتفــاق عليه من بنود أثناء اجتماعات اللجنة التأسيسية قبل انسحاب المستقلين وممثلي الأحزاب الأخرى منها، فنقاط الاختلاف كانت لا تزيد عن عشرين في المئة، مما يعني أن مهمة لجنة الخبراء ستكون أكثر سهولة واقصر زمنا.

ترك البلد يحترق وينجرف إلى حرب أهلية دموية، والانشغال بالتشائم وتبادل الاتهامات هو ذروة انعدام المسؤولية، والتمترس في المواقف لن يزيد الأمور إلا تعقيداً، وقطعاً لن يكون هناك منتصر، وإنما خاسر واحد وهو الشعب المصري، واسألوا أهلنا في الجزائر والعراق وأخيرا سورية.