خبر ما بعد مرسي... فرصة ثانية لأوباما ..روبرت ساتلوف

الساعة 08:34 ص|08 يوليو 2013

ـ الاتحاد ـ

تمنح تنحيةُ الجيش المصري لمرسي إدارةَ أوباما فرصة ثانية نادرة في السياسية الخارجية. لكن لكي نكون صائبين هذه المرة، علينا أن نفهم أين أخطأنا في المرة الأولى. بالنسبة للبعض، يكمن الخطأ الأساسي الذي ارتكبه أوباما في سياسته تجاه مصر في سحب الدعم الأميركي لـ«مبارك» في فبراير 2011، عندما خرج آلاف المصريين إلى ميدان التحرير مطالبين بالتغيير. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه كان على الولايات المتحدة أن تقف مع «مبارك»، الخصم القوي لـ«لإخوان المسلمين»، والذي سبق لجنوده أن قاتلوا إلى جانب الجنود الأميركيين في حرب الخليج، وظل وفياً لاتفاق السلام الذي عقدته مصر مع إسرائيل، رغم العزلة التي عانتها في العالم العربي.

غير أن تدهور الحالة الصحية لمبارك كانت تعني أن دوره قد شارف على نهايته، وهي حقيقة رفض الاعتراف بها، وبدلا من ذلك أحاط نفسه بالمتملقين وتصرف كفرعون معاصر. غير أنه بالنسبة للمصالح الأميركية، أصبح مبارك عبئاً ثقيلا وكان ثمة بديل معقول له.

في أوائل عام 2011، كان البديل المعقول هو الجيش، فرغم حديث أوباما المتزايد عن نشطاء ميدان التحرير ووصفهم بورثة غاندي، فإن السياسة الأميركية كانت تقوم فعلياً على حماية المصالح الأميركية في مصر عبر دعم نقل السلطة من جنرال في القوات الجوية في الثانية والثمانين إلى جنرال في الجيش في الخامسة والسبعين (المشير طنطاوي). فالجيش المصري الذي يمثل المؤسسة الأكثر شعبية في البلاد، يمكن الاعتماد عليه لاجتياز العواصف السياسية وإيجاد قبطان مدني لقيادة سفينة الدولة إلى بر الأمان، أو هكذا كنا نعتقد.

غير أنه بالنظر إلى الوراء الآن، نجد أن الخطأ الفادح الذي ارتكبته الولايات المتحدة يعزى إلى الثقة المفرطة التي وضعناها في بعض الجنرالات. ذلك أنه عندما انتقل البيت الأبيض إلى التركيز على ليبيا ومواضيع أخرى، قام بوضع السياسة الأميركية تجاه مصر في نظام «الطيار الآلي»، وأذعن للجنرالات بخصوص وتيرة «الانتقال الديمقراطي» ومحتواه. والواقع أن الاهتمام الحقيقي للجنرالات كان وضع نظام سياسي يحافظ على سلطتهم؛ ثم إنهم فهموا تداخل الضرورات الأمنية الإقليمية المصرية والأميركية، وقالوا إنهم يدركون الحاجة إلى عملية سياسية تكون شعبية وتشاركية وشرعية.

كانت هذه السياسة منطقية، لكنها كانت خاطئة على نحو مأساوي. ففي ظرف 18 شهراً فقط، أشرف طنطاوي على عملية سياسية خطط فيها لاعب هامشي في دراما ميدان التحرير، هو «الإخوان المسلمون»، للاستيلاء على النظام السياسي بشكل منظم. وقد يكون طنطاوي سمح بحدوث ذلك اعتقاداً منه أنه وجد لاعباً سياسياً داخلياً لصيانة مصالح الجيش، لكن الحقيقة سرعان ما أخذت تتضح للجميع. وقد كان استيلاء «الإخوان» على السلطة مكتملا لدرجة أنه من بين الخطوات الأولى لرئيسهم المنتخَب حديثاً، في أغسطس 2012، إقالة طنطاوي.

طوال هذه الفترة، رأت الولايات المتحدة الجنرالات يرتكبون الخطأ تلو الآخر؛ لكن صناع السياسات الأميركيين لم يقوموا بأكثر من طرح الأسئلة. وفي العلن، كثيراً ما كنا ندفع بالمبادئ الصحيحة، أي التعددية والحرية الدينية والإصلاح الاقتصادي، لكننا كنا نذعن دائماً للجنرالات في السر. وحتى عندما اتخذت المرحلة الانتقالية منعطفاً مضاداً للولايات المتحدة في أواخر 2011، مع اعتقال ومحاكمة موظفين أميركيين من مؤسسات مؤيدة للديمقراطية مموَّلة من الحكومة الأميركية، فإن واشنطن اختارت التزام الصمت على نحو محرج.

وبدون شك فإن خلع مرسي من قبل جيش بلده، ليس انقلاباً بالمعنى التقليدي ولا يستحق تعليقاً للمساعدات الأميركية مثلما ينص قانوننا. ثم إنه من شبه المؤكد أن الجيش حال دون وقوع حمام دم كان سيطبع مصر لعقود. والجمود وعدم التحرك هو الذي كان سيكون إجرامياً، وليس التدخل.

غير أنه مع عودة الجيش، سيكون من الجرم أيضاً أن تكرر الإدارة الأميركية أخطاء الفصل الأخير من الحكم العسكري، عندما تمت التضحية بكل شيء باسم الاستقرار. فالسيسي ليس أكثر تسيساً من طنطاوي، وإنْ كان ربما أكثر مهارة منه. وعلى واشنطن أن تكون أكثر مهارة أيضاً.

كثيراً ما قال أوباما إن الولايات المتحدة ترفض الاختيار الخاطئ بين الديمقراطية والاستقرار؛ وهو أمر يصدق على مصر اليوم أكثر من أي وقت آخر. وعليه، ففي مرحلة ما بعد مرسي، على واشنطن أن تنتهج سياسة لا يكون فيها دعمنا لمصر مرهوناً بسلامها مع إسرائيل فقط، ولكن أيضاً بالتقدم المستمر نحو بناء حكومة ديمقراطية تعددية تتبع سياسات اقتصادية سليمة. ويعني ذلك الانخراط مع الطيف السياسي المصري، وليس الحزب الحاكم فقط، والدفاع عن الأقليات، وإعادة الاستثمار في برامج المجتمع المدني، وقيادة مجموعة من «أصدقاء مصر» تعد بمساعدات مالية جوهرية.

ونظراً لتلطخ الاسم الأميركي بما يُنظر إليه على أنه إذعان لـ«الإخوان»، فالمرحلة المقبلة من العلاقات الأميركية المصرية ستكون صعبة بدون شك. والمؤكد أن نفوذنا تراجع، غير أنه مازال موجوداً. ولأن مصر مهمة، علينا أن نكون صائبين هذه المرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روبرت ساتلوف: المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»