خبر السيناريوهات الرئيسية المتوقعة في مصر.. د. كمال الهلباوي

الساعة 07:04 م|06 يوليو 2013

رأيت من الأفضل ألا أكتب مقالا جديداً في هذا الاسبوع، ورأيت كذلك نشر مقال، الذي نُشر منتصف شهر اذار/مارس الماضي، أدعو الله أن يبارك في ثاني السيناريوهات الذي يحدث، بدلا من السيناريو الاسوأ، وهو سيناريو الفوضى أو دخول الامريكان، وفي ما يلي نص المقال القديم.

يسرني اليوم أن أكتب - كما وعدت من قبل - عن السيناريوهات المحتملة أو المتوقعة في مصر. أقول هناك العديد من السيناريوهات المتوقعة، منها ما هو مبشر بالخير والسلمية، ومنها ما هو ضار ولا يبشر بخير أبداً، خصوصاً إذا استمرت الأوضاع على ما هو عليه الأمر حالياً. وأود أن أجمل تلك السيناريوهات في أربعة سيناريوهات رئيسية، كما ذكرت في حواري التلفازي مع الاعلامية اللامعة جيهان منصور، في قناة دريم يوم الثلاثاء 12/3/2013. للأسف الشديد أن بعض مستخدمي الانترنت والمواقع الالكترونية وبعض الصحافيين اقتطعوا أجزاء من الحديث الطويل الشامل، وأخرجوه من سياقه العام ونشروه مجزءاً فشوهوه، ولا أدري إن كان ذلك مقصوداً أم جاء منهم على عجل واستهتار وضعف تقدير للمسؤولية.

نحن جميعاً ينبغي أن نتذكر الآية الكريمة ‘ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد’، وأن نتذكر أيضاً أن السجلات في الآخرة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وتحصيها، أو ينبغي علينا على الأقل أن نعرف أمانة الكلمة. بعض الغربيين عندما ينقلون أو يشيرون إلى فكرة ما ليست من تفكيرهم أو يستعيرون كلمة واحدة من كاتب آخر، يذكرون ذلك في الهامش، على عكس بعض من ينتسبون إلى العالم العربي أو الاسلامي، فإنهم ينقلون بأريحية كبيرة ولا يشيرون إلى ما يقتبسون.

وأتذكر ونحن في لندن منذ أكثر من عشر سنوات أن صحيفة كتبت خبراً غير صحيح عن الشيخ راشد الغنوشي واتهمته بالعنف والارهاب، فرفع دعوى تعويض على الصحيفة وحكمت له المحكمة بأربعين ألف جنيه استرليني، فضلاً عن الاعتذار الذي ارتضاه الشيخ راشد. متى يحدث هذا في مصر أو في بقية دول العالم العربي؟ الحريات تصاحبها مسؤولية.

السيناريو الأول وهو السيناريو الأمثل في مصر: أن يستمر النظام القائم حتى نهاية المدة المبينة والمحددة له في الدستور، لأن الرئيس مرسي منتخب في انتخابات هي أول انتخابات حرة نزيهة، وليس فيها في العموم تزوير كما كان يحدث من قبل، ولكن المؤسسات التنفيذية مثل الحكومة القائمة تحتاج إلى تعديل جذري أو تغيير، لتضطلع بمهامها خير قيام، وينتهي الانفلات الأمني، وتبدأ مرحلة علاج التحديات والمشكلات العديدة في مصر، وهي لا تخفى على كبير ولا صغير. الجميع يعاني فحتى إن وجد الخبز لا يجد الأمن الكافي. كما ينبغي في هذا السيناريو لكي ينجح، أن يتم الاختيار لشغل الوظائف العامة، بمن في ذلك المستشارون والوزراء ورؤساء المؤسسات والنائب العام، من أهل الكفاءة والخبرة والأمانة والقوة، كما جاء في القرآن’إن خير من استأجرت القوي الأمين’، وأيضاً ما جاء في القرآن على لسان سيدنا يوسف عليه السلام لعزيز مصر’إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم’. إذن القوة والأمانة والحفظ والعلم، صفات لازمة للنجاح، كما جاء في القرآن الكريم، وإليها تنتمي أو تتفرع عنها صفات أخرى عديدة، ويجب أن ينتهي تماماً الاعتماد على أهل الثقة فحسب، لأن هذا العمل من العشوائيات. أما إن كان أهل الثقة على نفس القدر من الكفاءة فهذا أمر آخر، وإن كان التنوع أساس المشاركة الفاعلة في إدارة الوطن لمن يستوعب دروس الأشهر الماضية.

أما السيناريو الثاني بعد الأمثل، فهو تولي الجيش إدارة الوطن في مرحلة انتقالية لا تزيد عن سنتين فقط، وبشرط أن يفشل السيناريو الأول تماماً، وأن يكون الوطن مهدداً في وحدته أو أمنه القومي وأن تكون الدولة في خطر حقيقي لأي سبب كان، داخلي أو إقليمي أو خارجي. ولا ينبغي أن يتدخل الجيش إلا إذا عجز المدنيون في هذه المرحلة الانتقالية عن الحفاظ على وحدة الوطن وأمنه، أما التنافس والصراع السياسي فلا يكون سبباً لتدخل الجيش.

طبعاً الجيش مؤسسة قوية ومنظمة، ولكن مهمته ليست إدارة الوطن. كما أنه وفقاً للنظم الديمقراطية تكون الادارة مدنية، فضلاً عن الانتخابات النزيهة وتداول السلطة بين أحزاب قوية وليست ديكورية ولا عنتريات فارغة، بل معارضة حقيقية ومنافسة سياسية راقية. وأن يهتم الجيش بالأمن القومي والاسهام في الأبحاث والصناعات، خاصة العسكرية والحربية التي يحتاجها الوطن، حتى يقل الاستيراد والاعتماد على الآخرين رويداً رويداً، وهي مهمة أكبر من مهمة إدارة الوطن. وللأسف الشديد بعد إذاعة البرنامج في قناة دريم اقتطع بعض الإعلاميين أجزاء منه ونسوا السيناريو الأول تماماً وركزوا على أنني أنادي بنزول الجيش إلى السياسة، ونسوا أنني أؤكد أن هذا سيناريو محتمل في ضوء قراءة الأحداث والوقائع وتحليلها.

أما السيناريو الثالث المتوقع فهو سيناريو مزعج، ولكنه محتمل ومتوقع أيضاً. يتمــــثل هذا السيـــناريو الثالث في استمرار الأوضاع والأمور والتحديات والحلول الضعيفــــة أو المفتقدة، على ما هي عليه من جانب الادارة، خصوصاً الرئاسة والحكومة، وكذلك المعارضة والثوار، بمن فيهم البلطجية الذين يتسللون اليوم إلى الصفوف الأولى من المتظاهرين، ويعمدون إلى العنف سواء عن عمالة لغيرهم أو سوء سلوك وسوء تصرف أو يأس أو انتقام.

هذا السيناريو قد تزداد احتمالات وقوعه إذا زاد الانفلات الأمني وتحولت المظاهرات القائمة إلى ثورة جديدة، سواء كانت ثورة جياع أو ثورة بلطجية أو ثورة ثانية حضارية، بعد أن يتجمع ما بقي من الثوار على الطريق، وأن يختاروا لهم قيادة موثوقة من بينهم، تعيد إحياء الثورة بكل قيمها الحضارية التي رأيناها في التحرير، المسلم بجوار المسيحي، والاسلامي بجوار الليبرالي والعلماني، والرجل بجوار المرأة والشيخ بجوار الشاب، من دون وقائع مشينة، مثل التحرش الذي رأيناه بعد ذلك أو الفتاوى الشاذة، التي تحمل المرأة نتيجة ذلك التحرش إذا نزلت إلى ميادين التحرير، بعد أن كانت عنصراً مهماً من عناصر نجاح الثورة. هذه الثورة متوقعة، ولكن أسوأ سيناريو ضمن هذا السيناريو الثالث هو سيناريو ثورة الجياع أو البلطجية.

أما السيناريو الرابع المحتمل، وهو مماثل في السوء للسيناريو الثالث أو أشد سوءاً، فهو انتشار التشدد والتكفير والتبديع والتفسيق، وانتشار بعض أعمال العنف والقتل كما حدث في صحراء سيناء من قبل، من دون مكاشفة المواطنين بالمجرم أو بالفاعل الحقيقي. ورغم أن ذلك قد يكون نتيجة الفهم المتشدد للدين مع وجود الاخلاص، إلا أن أمريكا كما عودتنا من قبل في العراق وأفغانستان، مستعدة تحت ذريعة محاربة الإرهاب- كما في سياستها واستراتيجياتها- أن تتدخل عسكرياً في مصر لحماية ما تسميه مصالحها التي يهددها العنف، كما زعمت أمريكا في حالات سابقة كثيرة، وأن تنسب إلى ‘القاعدة’ ما تريد وكما تشاء، ليكون ذلك ستاراً للتدخل للحفاظ على مصالحها وعلى أمن إسرائيل كذلك، مع اعتبار أن مصر من الدول العربية القلائل التي ليس فيها حتى الآن قواعد عسكرية أمريكية. وقد نجد من بعض أهل الوطن الكرام من يسوغ ذلك التدخل، وقد نجده حتى من بعض العلماء، الذين سوغوا التدخل العسكري الأمريكي في الخليج سابقاً، من دون أن يقول لنا أي مسؤول في الخليج اليوم متى يخرج الأمريكان من الخليج أو من تركيا على سبيل المثال.

هذا سيناريو من أسوأ السيناريوهات المتوقعة، وإن كان بعيداً ولكنه محتمل، وبدايته هي التدخل الأمريكي في الشؤون المصرية وإن كان سلمياً وتعاونياً، وفيه الكثير من النصائح للادارة وللحكومة المصرية اليوم.