خبر بلا أخ وصديق... يديعوت

الساعة 09:27 ص|05 يوليو 2013

بقلم: اليكس فيشمان

(المضمون: إن تنحية مرسي ضربة شديدة لحماس. فبعد أن أحرق خالد مشعل الجسور مع ايران وراهنت على الاخوان المسلمين في مصر فقد حليفته الرئيسة. والرابح الأكبر هو أبو مازن الذي أصبح ذا صلة مرة اخرى - المصدر).

قبل بضعة اسابيع فحص منسق العمليات في المناطق عن المزاج العام السياسي في يهودا والسامرة وكانت الاستنتاجات مقلقة، فقد تبين ان مكانة زعيم حماس لدى الجمهور الفلسطيني أقوى كثيرا مما اعتقدوا. فلو أنه أُجريت اليوم في الضفة انتخابات حرة كما قدّر عنصر أمني رفيع المستوى جدا في اسرائيل، فمن المحتمل جدا ان يتفوق خالد مشعل على أبو مازن. ولم يبدُ طموح حماس الى الاستيلاء على المؤسسات الوطنية الفلسطينية وعلى السلطة الفلسطينية كلها آخر الامر، داحضا.

قبل أكثر من شهر كان مشعل إبن بيت في القصر الرئاسي في القاهرة، وكان على يقين أنه راهن على الحصان الصحيح الذي دُعي محمد مرسي. وكان الحلف بين حماس وحكم الاخوان المسلمين جزء من مسار استراتيجي هو الانفصال عن ايران وسوريا وحزب الله والاقتراب من مصر وتركيا وقطر والاردن. وقد ألزم هذا حماس من جهة ان تستعمل توجها أكثر اعتدالا بل ان تعرض على الملأ خطة لمحادثة اسرائيل بغير عنف على حسب التصور المصري. ومنح الابتعاد عن "محور الشر" المنظمة من جهة اخرى دعما من الغرب وقوّى مشروعيتها. وتابعوا في اسرائيل اتصالات أناس حماس بممثلين اوروبيين وامريكيين في مستوى منخفض في الحقيقة تحدثوا فيها بصراحة عن اخراج حماس من قائمة المنظمات الارهابية.

لكن كل شيء تغير في غضون بضعة ايام. فقد تركت تنحية الرئيس مرسي الخاطفة حماس فجأة يتيمة فردة بغير راعيتها الرئيسة وبغير الظهر العريض الذي كان لها في السنة الاخيرة في القاهرة. وستُصفق الأبواب المفتوحة في القصر الرئاسي في القاهرة الآن في وجه مشعل ورفاقه، وستُستعمل حماس مرة اخرى على يد اجهزة الامن المصرية على أنها آخر العملاء، بصفة سلطة فلسطينية من النوع الثاني كما كان الامر زمن حكم مبارك.

ليس الاخوان المسلمون وحدهم هم الذين ضُربوا في ليل أول أمس لأن حماس ايضا تلقت ضربة شديدة. وليس الحديث فقط عن ضربة سياسية بل عن ضربة ايديولوجية ايضا لأن هذه المحاولة، وهي محاولة انشاء نظام اسلامي في أكبر دولة عربية، فشلت وستؤثر بلا شك في الدولة الاسلامية المصغرة لحماس في غزة.

إن الزلزال في مصر أصاب الاخوان المسلمين في العالم كله بصدمة، لكن حماس هي الاولى التي ستدفع الثمن: في الساحة الدولية وفي الساحة الفلسطينية الداخلية. إن الدول الغربية التي كانت تراود الاخوان المسلمين وكأنهم "الشيء القادم" في العالم العربي، ستفقد الاهتمام الآن، أما معارضة حكم حماس في داخل غزة فسترفع رأسها وتكون تحديا أكبر للحكم. وليست هذه بالضرورة بشرى خير لأن ضعف حماس قد يقوي التيارات التي هي أكثر تطرفا في القطاع مثل الجهاد الاسلامي والمنظمات السلفية. إن حماس التي اجتهدت جدا في الحفاظ على الهدوء على حدود القطاع ستفعل الآن كل شيء كي لا تعطي اسرائيل ذريعة لتوجه العمل عليها حتى لو كان ثمن ذلك مواجهة تلك المنظمات عسكريا.

أبعد مرسي القيادة السياسية المصرية عن كل اتصال باسرائيل، وهو شيء أسهم في العلاقات بين العسكريين واجهزة الامن المصرية وبين نظرائهم الاسرائيليين. إن عودة الجيش المصري الى صورة الحكم في مصر لن تجعل علاقات اسرائيل بمصر أكثر سخونة علنا، لكن من المنطق ان نفترض ان يرتفع مستوى التحادث والتعاون من وراء الستار بسبب المصلحة المشتركة في الحفاظ على سيناء هادئة. وكان يمكن ان نرى التباشير الاولى على ذلك قبل اسبوع حينما ضرب الجيش المصري حصارا وثيقا على غزة ووضع كتيبة دبابات بالقرب من حدود القطاع بموافقة اسرائيل. وتم وقف إمداد القطاع بالوقود ومواد البناء من مصر، وتوجه تجار غزيون الى اسرائيل طالبين الحصول على محروقات حتى "بأسعارنا المرتفعة جدا".

تأثير رمضان

بيد أن الأمواج الارتدادية للانقلاب في مصر لم تقف عند قطاع غزة ويتوقع ان تصل سريعا جدا الى الضفة الغربية ايضا. فاذا كان عشرات آلاف الشباب العاطلين في يهودا والسامرة والذين أحبطهم الوضع الاقتصادي السيء وعدم التقدم السياسي قد جُذبوا الى الآن الى زعماء ذوي حضور قوي مثل مشعل، فان خيارهم اليوم هو السلطة الفلسطينية. فقد بقي أبو مازن في الحقيقة اللاعب الوحيد في الملعب، وهذه بالطبع أنباء مشجعة.

إن التغيير المتوقع لمكانة حماس هو فرصة لاسرائيل، فهي تستطيع ان تتجه الى مسار سياسي مع أبو مازن الذي يتوقع ان تقوى مكانته جدا الآن، وتستطيع ان تستغل ضعف حماس كي تُضر بها. ويمكن أن نفترض ان تختار حكومة نتنياهو الطريق الثالث وهو ان تقعد ولا تفعل شيئا.

وهنا بالضبط يدخل الى الصورة وزير الخارجية الامريكي جون كيري الذي سجل في هذا الاسبوع محاولة فاشلة اخرى ليُحرك من جديد التفاوض بين اسرائيل والفلسطينيين. في واحد من أحاديث التحديث أجراه كيري مع العاملين معه قُبيل انتهاء زيارته للمنطقة ارتفعت نغمات خيبة أمل قوية من واشنطن. فقد اقتبس المساعدون على مسامعه مقاطع صحفية غير مُطرية، اذا لم نشأ المبالغة، فقد تحدثت المقالة الافتتاحية في صحيفة "نيويورك تايمز" مثلا عن ان جهات رسمية في البيت الابيض لا تمتدح في الحقيقة استثمار كيري في الشرق الاوسط وان احتمال ان يتدخل الرئيس اوباما في التفاوض الاسرائيلي الفلسطيني، ضئيل. وجاء في مقالة اخرى في الصحيفة نفسها انه في الوقت الذي يحترق العالم فيه يُضيع وزير الخارجية الامريكي وقته في الشأن الفلسطيني الذي لا يعني أحدا.

اشتملت رحلة كيري المكوكية الحالية على سبع دول في غضون اسبوعين. وكل دولة وأزمتها الاقليمية. إن الشرق الاوسط قد احتل عنده اربعة ايام "فقط"، لكنها كانت بالنسبة لكيري أهم الايام. يصعب على المتهكمين في الادارة الامريكية ان يفهموا وسواسه بتفاوض اسرائيلي فلسطيني، وسُمعت في اسرائيل ايضا مقالات وخز بعضها من مسؤولين كبار جدا في الحكومة. فقد سأل أحد الوزراء من في العالم العربي يثير الفلسطينيون اهتمامه. هل رأى أحد لافتات تتناول الشأن الفلسطيني في ميدان التحرير أو في بيروت أو في دمشق. أربما كان على أنقاض القصير في سوريا لافتة تأييد ما؟ وسأل مسؤول كبير آخر في تهكم: ماذا يريد كيري هذا؟ هل يريد جائزة نوبل؟.

يبدو ان الوحيدة في القيادة الاسرائيلية العليا التي تبذل كل جهد لتنجح مبادرة كيري هي وزيرة القضاء تسيبي لفني. وحينما تُحذر من عزلة اسرائيل الدولية اذا لم يوجد تفاوض يتساءل رفاقها في الحكومة: عن أي عزلة تتحدث؟ إن مكتب وزير الدفاع فقط يأتيه مرة في الاسبوع على الأقل شخصية أمنية أو سياسية رفيعة المستوى للزيارة، فالجميع يريدون المجيء والحديث والاستماع ولا يقطع أحد مع أحد. هل يتم الحديث عن قطيعة سلع؟ هذا ضرر هامشي. ليس قطيعة دولية ولا تسونامي، وكل شيء هراء.

سمع كيري الانتقاد في البلاد وفي الولايات المتحدة، وشعر بالرياح الباردة التي تهب من قبل السلطة الفلسطينية ايضا وأرسل العاملين معه الى الأرشيف قائلا إذهبوا واقرأوا الصحافة التي صاحبت رحلات وزير الخارجية جيمس بيكر الى الشرق الاوسط قبل مؤتمر مدريد في سنة 1991. ما الذي لم يُقل هناك؟ قيل إنه اضاعة وقت وإن كل شيء ترهات وانه غير جدي، وكان ذلك ايضا في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الاولى. وقد كان العالم العربي كله ساجدا للولايات المتحدة آنذاك، وبرغم ذلك احتاج بيكر الى ثمانية اشهر الى ان جرّ الجميع الى مؤتمر مدريد، وفي السنتين بعد ذلك وُلد اتفاق اوسلو في هدوء. ووعدنا كيري بأن هذا سيستغرق وقتا أقل، فنحن نشتغل بالشأن الاسرائيلي الفلسطيني منذ شهرين أو ثلاثة فقط، وسيمر شهران آخران أو ثلاثة الى ان نعلم ما هو الاتجاه.

في مطلع الاسبوع بحثوا في قيادة المركز في تأثيرات زيارة وزير الخارجية الامريكي الاخيرة في المزاج العام في الضفة. إن الجمهور الفلسطيني كالاسرائيلي ايضا لا يعلم ما الذي أحرزه أو لم يحرزه كيري، وما الذي تخلوا عنه إن تخلوا باسمه. وتُقدر جهات امنية أنه لا يُتوقع منذ بدء الصيام في الاسبوع القادم الى انتهائه في منتصف آب حدوث شيء هناك. ومن وجهة نظر الجيش الاسرائيلي و"الشباك" فان زيارة كيري وصوم رمضان يمنحان الطرفين مهلة اخرى ليزنا خطواتهما. وتدل تجربة الماضي على ان شهر رمضان هاديء نسبيا، لكن لا شيء مؤكد هنا ايضا، فالسلطة الفلسطينية لا تدعم بسبب الازمة الاقتصادية إلا جزءا من مخيمات الصيف، وسيتجول آلاف الاولاد ممن لا عمل لهم في اثناء العطلة الطويلة في الشوارع ليحتكوا بالجيش والمستوطنين. ويرى الجيش ان هذه نقطة احتكاك اخرى فيها قدرة كامنة على تفجير الوضع.

قبل بضعة اسابيع تحدث قائد منطقة الوسط، نتسان ألون، عن خيار تفجر عنيف في الضفة اذا انهارت بعثة كيري. وفي كل شهر يقع ما بين 100 – 120 حادثة تخريب. وأُضيف الى عنف الشارع ومحاولات القيام بعمليات في الاشهر الاخيرة عنصر جديد – قديم هو "التنظيم". ويقوم بهذا في هذه المرة شباب من مخيمات اللاجئين في نابلس وجنين لهم صلة بفتح. ويظهر عدد أكبر من المجموعات المسلحة من شباب فتح تحت رادار "الشباك" على خلفية عمليات سرية تشمل ارهابا موجها على اسرائيل واسرائيليين. ويصعب على السلطة الفلسطينية ان تُجابههم لأنهم عضو فيها.

قدّرت جهة أمنية في اسرائيل هذا الاسبوع أنه ما لم يُعلن عن فشل البعثة فان زيارات وزير الخارجية الامريكي هي نوع من "حبة دواء لتهدئة" الميدان. لكن اذا تم الاعلان عن فشل فقد تصبح حبة سُم. وإن تأثيرات هذا الفشل في الميدان قد تكون اسوأ من وضع عدم وجود هذه المبادرة أصلا.

حُلة بلا كُمّين

وصل الى عمان في مطلع الاسبوع الماضي ممثلون عن جهات امنية اسرائيلية وفلسطينية للاعداد لمؤتمر قمة. ولم يُعقد المؤتمر في نهاية الامر وانتهت الزيارة الى موافقة أبو مازن ونتنياهو على أن يوحي وزير الخارجية الامريكي بالتفاؤل ويذكر ان الفروق في المواقف قد تضاءلت ويعلن انه سيعود الى المنطقة قريبا. وهذه هي العناصر الوحيدة في الاعلان التي نجح أبو مازن ونتنياهو في الاتفاق عليها.

كان واضحا قبل ان يأتي كيري الى هنا ان المطالب الفلسطينية أوسع كثيرا مما كانت في الماضي. فقد أكدت السلطة الفلسطينية تفضلات وتنازلات اسرائيلية في مجالات تتعلق بصلاحيات الحكم تأكيدا أكبر، والفلسطينيون يريدون توسيع تأثيرهم في المنطقة ج التي تبلغ مساحتها 62 في المائة من مساحة الضفة. وهم في هذه الاثناء يعلمون اسرائيل في كل يوم درسا في الاستيطان الفلسطيني في المنطقة ج بحيث توجد عنزة اخرى ودونم آخر. فقد كان لهم معلمون جيدون هم جيرانهم اليهود.

عرّف شخص اسرائيلي رفيع المستوى جون كيري في الجولة الخامسة بأنه أكثر وعيا وأقل حماسة مما كان في الماضي. وقد انقضت تلك الايام التي أبلغ فيها الجانبين أنه يريد ان يتلقى أجوبة في غضون اسبوعين، وهو لم يعد يعمل الآن على ردم الفجوات بل على تضييقها.

وقد ترك كيري هذه المرة في البلاد بخلاف زياراته السابقة مساعديه اللذين كانا منذ فترة خدمته في مجلس الشيوخ. أكبرهما شأنا هو فرانك ليبنشتاين الذي سيكون المسؤول كما يبدو عن التفاوض الاسرائيلي الفلسطيني في وزارة الخارجية الامريكية ويحل محل ديفيد هيل (الذي حل محل جورج ميتشل – وهو ذلك الدبلوماسي صاحب الخبرة وكثير النجاح الذي نجح الشرق الاوسط في تحطيمه). والمساعد الثاني هو جونثان شفارتس. وقد ترك لهما كيري حُلة بلا بطانة وبلا كُمّين وهما الآن يعدُوان بين القدس ورام الله ليخيطا ما بقي. ويأملان ان تكون لديهما الى أن يعود وزير الخارجية الى هنا مرة اخرى حُلة تناسب جسمي الطرفين. أصبح كيري يعلم أنه لن يستطيع ان يُحدث تفاهمات بين اسرائيل والفلسطينيين لا على الاجراء ولا على التفضلات ولا على "بطاقات دخول" (وهي شروط بدء المحادثات) ولا على البرنامج العام. والحُلة التي تُخاط هي في الحقيقة اعلان نوايا امريكي يحدد اطار الاتصالات التي يستطيع الطرفان الاجتماع تحتها.

أُضيف في هذه الاثناء عدد من الدروز الصغيرة الى هذه الحُلة. يريد الفلسطينيون الافراج عن أكثر من 100 سجين في السجون الاسرائيلية منذ قبل اتفاق اوسلو. ووافقت اسرائيل على الافراج عن 30 – 40 سجينا كهؤلاء. بيد ان الفلسطينيين يريدونهم الآن قبل المحادثات، أما الاسرائيليون فيقولون: فلنجلس ولنتحادث ولنفرج بحسب التقدم. وفي هذه الحال يؤيد الامريكيون الجانب الاسرائيلي.

لكن بقيت فروق جوهرية اخرى ليس واضحا هل ستتضاءل وكيف. يريد أبو مازن ان يرى سريعا جدا خرائط على الطاولة. ويحث الفلسطينيون الامريكيين ويتفق هؤلاء معهم على أن الشأن الاول يجب ان يكون الحدود والأمن. بيد ان نتنياهو غير مستعد لأن يُري أي خريطة في هذه المرحلة الحالية. وتزعم اسرائيل انه ينبغي الحديث عن كل الشؤون الجوهرية على التوازي ويشمل ذلك اعلانا فلسطينيا بانهاء الصراع، والفلسطينيون غير مستعدين لاعطاء هذا. ويجب ان يكون التنفيذ في مقابل هذا من وجهة نظر اسرائيل متدرجا، فنتنياهو لا يؤمن بأن شيئا من الموضوعات الجوهرية ناضج للحل. أما أبو مازن في المقابل فغير مستعد للاستماع الى حديث عن مسار تدريجي.

إن احدى سبل ثني الامريكيين للطرفين هي الجيب. فهم يعرفون الشهوة الاسرائيلية للوسائل القتالية التي تعتمد على تقنيات متقدمة، وهم عالمون بالضائقة الاقتصادية الحرجة للسلطة الفلسطينية. ففي الوقت الذي يهدد فيه الاوروبيون بمضاءلة مساعدة السلطة يؤخر الامريكيون تحويل مبلغ 480 مليون دولار التزم الرئيس اوباما بأن يعطيها للفلسطينيين في زيارته الاخيرة للمنطقة. وربما يكون هذا هو الذي سيساعد على مضاءلة الفروق، وربما تساعد الرياح الجديدة التي تهب من القاهرة ايضا في تخليص العجلة العالقة في الوحل.