خبر مهمة كيري ..هاني المصري

الساعة 09:50 ص|02 يوليو 2013

بعد لقاءات عديدة وجولات مكوكية بين القدس وعمان ورام الله، وبعد إلغاء مؤتمر صحافي كان من المتوقع أن يتم الإعلان فيه عن استئناف المفاوضات، مدد كيري إقامته وألغى لقاءات متفقًا عليها سابقًا، وحاول تذليل العقبات ولم ينجح، وأعلن أن هناك تقدمًا قد تحقق، وأن مساعديه سيبقون وسيواصلون العمل من أجل تذليل العقبات المتبقية.

لم يوضح كيري ما هو التقدم الذي أحرزه، وهذا ما أكده صائب عريقات في تصريح لاحق مخالف لتصريح سابق، كان قد أعلن فيه عن عدم وجود أي اختراق في المباحثات.

فما هو هذا التقدم؟

لم تتسرب معلومات حتى كتابة هذه السطور عما دار بالضبط في الاجتماعات التي طال بعضها كثيرًا بمشاركة مسؤولين عسكريين وأمنيين وخبراء إسرائيليين، ولكن إذا حللنا المعلومات المتوفرة قبل جولة كيري الأخيرة وأثناءها، يمكن أن نعرض الصورة الآتية:

أبدى الجانب الفلسطيني الاستعداد لعقد لقاء أو أكثر على أي مستوى، حتى من دون استجابة الحكومة الإسرائيلية لأي شرط من الشروط الفلسطينية الثلاثة، وهي: التزام إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 مع تبادل للأراضي، وتجميد الاستيطان وإطلاق سراح أسرى، خصوصًا المعتقلين منذ ما قبل اتفاق «أوسلو». ولكن الجانب الفلسطيني لن يعتبر هذه اللقاءات، إن جرت، استئنافًا للمفاوضات، وإنما يقوم بها بشكل مؤقت لكي يساهم في إنجاح جهود كيري، ومن أجل إظهار حكومة نتنياهو على حقيقتها، وحتى لا تلوم الإدارة الأميركية الفلسطينيين على إضاعة الفرصة الجديدة.

التفسير الرسمي الفلسطيني سالف الذكر لهذه المرونة غير مقنع لسبب بسيط، وهو أن الحكومة الإسرائيلية مفضوحة بشكل كامل للقاصي والداني، ليس بسبب ما تصرح به فقط، وإنما جراء ما تقوم بتجسيده على الأرض من حقائق احتلالية واستيطانية تنسف أي إمكانية لتحقيق السلام، وأن إدارة أوباما لن تلوم إسرائيل على فشل جهودها مهما أبدى الجانب الفلسطيني من مرونة وتنازلات، بل يمكن أن تفعل مثل إدارة كلينتون بعد فشل مؤتمر «كامب ديفيد»، حيث لامت الرئيس الراحل ياسر عرفات، بالرغم من تعهد بيل كلينتون بأنه لن يفعل ذلك، ومن أن هدف باراك الجلي ليس السلام وإنما إزالة القناع عن وجه ياسر عرفات.

ما يجعل هذا التوقع محتملاً جدًا أن كيري يطالب الرئيس «أبو مازن» بالموافقة على استئناف المفاوضات من دون شروط. وعندما قال له الرئيس: إنه جرب ذلك سابقًا ولم يحصد سوى الفشل، قال له كيري: ولكنك عندما فعلت ذلك لم يكن هناك كيري، فوزير الخارجية واثق تمامًا من قدرته على التوصل إلى اتفاقية سلام فلسطينية إسرائيلية قبل انتهاء الفترة الرئاسية الثانية لأوباما، وهذا ما جعله يبدو ساذجًا، ويمكن أن يتحول إلى أضحوكة، إذا لم يستوعب حقائق الوضع قبل فوات الأوان.

ما يضعف الموقف الفلسطيني أنه يذهب إلى الاجتماعات في ظل استمرار الانقسام وتفاقمه أفقيًا وعموديًا، وفي ظل الخلافات التي تتفاقم داخل السلطة نفسها، مثلما حدث في الخلافات بين حكومة فياض والرئيس وحركة «فتح»، والاستقالة المبكرة لحكومة رامي الحمد الله، وفي ظل تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية بشكل غير مسبوق مع تفشي حالة الإحباط واليأس من القيادة والقوى من دون أمل ملهم. وما يزيد الموقف الفلسطيني ضعفًا على ضعف، الأوضاع العربية المتغيرة بشكل عاصف وبصورة تجعل العرب منشغلين عن القضية الفلسطينية كليًا بالصراعات الداخلية التي تقدم فرصًا لإسرائيل أكثر ما تطرح عليها من تحديات ومخاطر، لدرجة أن كيري يحاول إقناع إسرائيل بانتهاز الفرصة التاريخية القائمة الآن للتوصل إلى حل يضمن تصفية القضية الفلسطينية من جميع جوانبها بصورة تحقق الأهداف والمصالح الإسرائيلية الجوهرية.

إن تطرف الحكومة الإسرائيلية وغرورها يمكن أن يجعلاها تُضيّع هذة الفرصة على أساس انتظار فرصة أخرى قد تكون أفضل في المستقبل، لا سيما أنها ماضية في كل الأحوال في استكمال فرض أمر واقع احتلالي يجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليًا.

وما يسمح للحكومة الإسرائيلية أن لا تكون في عجلة من أمرها، أنها تضمن استمرار الوضع الراهن، لأن القيادة الفلسطينية عاجزة وتتصرف على أساس أنها لا تملك خيارات أخرى غير خيار المفاوضات الثنائية برعاية أميركية، بالرغم من الحصاد الكارثي الذي حصده الفلسطينيون من هذا الخيار، وإذا جرّبت خيارات أخرى مثل المقاومة الشعبية أو المصالحة أو التوجه إلى الأمم المتحدة، فإنما تفعل ذلك بشكل تكتيكي لتحسين فرص استئناف المفاوضات، وليس كإستراتيجية جديدة. وأكبر دليل على ذلك أن الرئيس «أبو مازن» أخبر العديد ممن التقاهم طوال الأسابيع الماضية بأنه مستعد من أجل استئناف المفاوضات للقبول بشرطين من شروطه الثلاثة، بحيث يقبل بتجميد الاستيطان أو قبول إسرائيلي بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، بل وأكثر من ذلك، من خلال موافقته على تجميد غير معلن للاستيطان، وعلى عدم المصادقة على عطاءات جديدة أثناء المفاوضات. هذا طبعًا بعد أن تعهد الرئيس بتجميد التوجه إلى الأمم المتحدة، وبعد أن واصل مفاوضون فلسطينيون وإسرائيليون عشرات اللقاءات السرية هنا وفي هولندا وفي مناطق مختلفة.

إن الأمر لا يقتصر على اللقاءات التي أعُلن عنها وتم تأكيدها من قبل ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في أواخر العام 2010 وبداية العام 2011، أي في الوقت الذي كان فيه الموقف الرسمي المعلن هو رفض المفاوضات من دون التزام إسرائيل بالشروط الفلسطينية، حيث عقد عبد ربه عشرة لقاءات مع مولخو ولقاءً مع نتنياهو، وعدداً غير محدد مع أيهود باراك، فيما عقد عريقات أكثر من خمسين لقاءً مع مولخو، كان من تداعياتها مشادة بين عريقات ووزير الخارجية الأردني الذي طلب بإلحاح استكمال المفاوضات الاستكشافية التي عقدت في الأردن في مستهل العام 2011 ورفض عريقات ذلك برغم عقده عشرات اللقاءات مع مولخو، مستشار نتنياهو.

بالعودة إلى نتائج جولة كيري، يبدو أن النقطة الوحيدة التي يمكن إحراز تقدم فيها هي إطلاق سراح عدد من الأسرى المعتقلين منذ ما قبل «أوسلو» مقابل ثمن باهظ، مع ملاحظة أن العدد الذي سيفرج عنه غير معروف، وسيتم الإفراج عنهم على دفعات لضمان استمرار المفاوضات لأطول مدة ممكنة.

ولحل مشكلة الموافقة على إقامة دولة على حدود 67 مع تبادل للأراضي، ستقوم الولايات المتحدة بالالتزام بذلك بدلا من الحكومة الإسرائيلية، وهي صيغة سبق أن وافقت عليها إدارتا كلينتون وبوش الإبن من دون أن يعني ذلك شيئاً. فالمهم أن توافق إسرائيل أو أن تضغط الإدارة الأميركية على إسرائيل، وهذان الأمران غير متوفرين، ولن يتوفرا إلا عندما يتم جمع أوراق القوة والضغط الفلسطينية والعربية والدولية القادرة على تغيير ميزان القوى بحيث يصبح الاحتلال خاسرًا لإسرائيل وليس احتلالاً رابحًا، احتلال خمس نجوم.