تحليل أطلس للدراسات:جون كيري وحده يتحمل مسؤولية فشل جولته

الساعة 08:29 ص|01 يوليو 2013

غزة

جولات ماراثونية يجريها كيري متنقلاً بين تل أبيب وعمان ورام الله في سباق مع الزمن، وفى مهمة شاقة وتكاد تكون مستحيلة لأنها تنطلق من موقف يحابي مواقف تل أبيب ويتفهمها ويعتبرها مسلمات لا يستطيع وغير مفوض حتى بنقاشها، الأمر الذي يجعل جهوده تنصب على الجانب الفلسطيني مستعيناً بكل السحر الممكن وكل أدوات الترغيب وتفخيم العروض والوعود، وكذا أدوات الترهيب وفى مقدمتها تحميل المسؤولية والتلويح بقطع المساعدات واستخدام الفيتو والنفوذ السياسي الأمريكي ضد أي مسعى سياسي فلسطيني في الأمم المتحدة.

ولكي لا نجافي الحقيقة، والحق يقال ان كيري يتعرق كثيراً في اجتماعاته مع نتنياهو في محاوله منه لإقناعهم والضغط عليهم بتقديم بوادر حسن نية يستطيع من خلالها تقديم ما يساعد عباس في العودة للمفاوضات، تتعلق بموضوع اطلاق سراح أسرى ما قبل أوسلو، وربما وعد إسرائيلي لكيري مضمونه عدم التوسع الاستيطاني في الضفة أثناء المفاوضات.

أي أن كيري يمارس كل ممكنات الضغط التي يملكها على الطرفين مع اختلاف وجهات الضغط، فالضغط على نتنياهو يتركز على تفاصيل ما يسمى ببوادر حسن النوايا ومجموعة تسهيلات، بينما يستهدف الضغط على عباس ثنيه عن استمرار تمسكه بما يطلق عليه نتنياهو وتتفق معه أمريكا بأنه "شروط مسبقة" متمثلة في التجميد الكلي للبناء الاستيطاني وتحديد سقف زمني وتحديد مرجعية المفاوضات وهدفها وبدء المفاوضات بترسيم الحدود.

ان أهداف جولة كيري بالمقارنة بأهداف جولات نظرائه السابقين تتسم بالتواضع، حيث يغيب عنها الحديث عن اتفاق سلام شامل أو نهاية للصراع أو حتى تقديم مبادرات سياسية، فهي تتركز على عقد لقاء قمة يعلن بدء العودة للمفاوضات، وذلك ليس لأن كيري أقل طموحاً ممن سبقوه، بل لإدراكه لاستحالة انجاز أي اختراق سياسي مهم في ظل حكومة نتنياهو التي تظهر المزيد من التعنت والمزيد من التمسك بمشروع الاستيطان والتي تسعى على الأرض لإفشال واجهاض مشروع الدولة الفلسطينية.

جون كيري يدرك قبل غيره أن فشله في اعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الى طاولة المفاوضات سيعنى فشلاً امريكياً كبيراً في منطقة تهتز بعنف، لم تستطع إدارة أوباما أن تسجل فيها أي انجاز حقيقي، فشل كيري سيعني للمراقبين - دول وأشخاص ومؤسسات من العالم ومن داخل أمريكا - تأكيداً كبيراً على مؤشر تشكل لديهم منذ سنوات يكشف عن تراجع النفوذ الأمريكي، مما يحمل معه تحديات أكبر للسياسات الأمريكية، ويفتح المجال لتعزيز نفوذ قوى دولية واقليمية أخرى، كما أن فشل هذه الجولة سيدخل عملية التسوية في حالة موت سريري سيجعل معه محاولة تكرارها أمراً مستبعداً كثيراً، الأمر الذى سيأذن لمواجهة سياسية وميدانية، سياسية في مؤسسات الأمم المتحدة في أيلول المقبل في ذكرى مرور عشرون عام على أوسلو، ومواجهات على الأرض في ظل الجمود السياسي واستمرار التوسع الاستيطاني، ولأن كيري يعرف تمام المعرفة ذلك، ويعرف أن ما لم يحرزه في هذه الجولة لن يستطيع احرازه في أي جولات أخرى؛ فليس أمامه سوى استمرار المحاولة واستمرار تأجيل اعلان فشل مهمته التي هي كذلك حتى هذه اللحظة.

وعلى كيري قبل أن يحمل الاخرين مسؤولية فشل جولته أن يتسم بالشجاعة التي يفتقدها ليحمل نفسه أولاً مسؤولية فشل مهمته، فهو يتحمل المسؤولية لأنه منذ البداية لم يكن نزيهاً أو عادلاً نسبياً، ولأنه يتجاهل المعاناة الفلسطينية والحقوق الفلسطينية، ولأنه يحابي دولة المستوطنين، ولأنه لم يأتِ لتحقيق سلام؛ بل لإنجاز اتفاق استسلام فلسطيني لآلة الاحتلال والاستيطان، وسيبقى الفشل هو عنوان أي جهد أمريكي طالما تسمك برؤية الصراع بعيون صهيونية.

نحن لا نستبعد أن تطرأ في اللحظات الأخيرة تغييرات على الموقف الفلسطيني نتيجة للضغط الأمريكي، يسوق له بمبررات لها علاقة باستجابة اسرائيل لإطلاق سراح بعض الأسرى أو وعود أمريكية مقرونة بتصريح أمريكي حول المرجعيات السياسية للمفاوضات، أو من باب اعطاء جهود كيري فرصة لكي لا تظهر القيادة الفلسطينية بمظهر رافض السلام او تحمل مسؤولية فشل جولات كيري.

ان الاداء السياسي الفلسطيني يتسم بالكثير من الغموض والارتجال، حيث تغيب معه المؤسسات السياسية الفلسطينية عن المشاركة في اتخاذ القرار، وتبقى الأمر محصوراً بقيادة مصغرة محدودة، قيادة تكتفي فقط بالتنسيق والتشاور مع ملك الأردن، ولا تقدم أي رسالة اعلامية مهمة وذات مصداقية، وكأنها لم تتعلم من تجربة كامب ديفيد 2000 عندما استطاع الاعلام الإسرائيلي بكل سهولة تحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية الفشل وعرض عرفات كرافض للسلام، بينما عرض اقتراحات باراك بأنها الأكثر سخاءً، ففي ظل الاداء الإعلامي الفلسطيني الضعيف والركيك وقليل المصداقية، فإن المصدر الإعلامي للمهتمين سيبقى حصراً تسريبات الاعلام الإسرائيلي المملوءة بالكثير من الرسائل المسمومة.

في اسرائيل استعدوا قبل أن تبدأ جولة كيري لتحميل عباس مسؤولية الفشل، حيث يكثر الوزراء والمقربون من نتنياهو وكتاب الرأي الحديث عن تعنت أبو مازن ونهجه الرفضي، وآخر هذه الفبركات الحديث بإسهاب عن مادة استخباراتية تؤكد ذلك في قلب وقح وفج للحقائق، وتظهر نتنياهو على انه أصبح يسروياً أي يساري يؤمن بحل الدولتين وانه مستعد للذهاب بعيداً لأجل تحقيق السلام ودفع الثمن داخل حزبه الصقري وفى مواجهة المستوطنين.