خبر مصر ما بعد ثلاثين يونيو.. بقلم: جيمس زغبي

الساعة 08:13 ص|01 يوليو 2013

 

بصرف النظر عن تطورات الوضع المصري في الأيام التالية لـ 30 يونيو لابد من دراسة الحالة الراهنة كما تطرح نفسها، فمصر تعيش الآن أزمة أفدح في حجمها مما كان عليه الحال قبل سقوط مبارك، حيث ارتفعت أسعار الغذاء في السنوات الماضية وزادت معدلات البطالة، كما تضاعفت نسبة الجريمة. وخلال السنة الماضية فقط شهدت مصر 9500 احتجاج ومظاهرة على الصعيد الوطني.

والنتيجة أن البلد يعيش على وقع انقسام حاد مع فقدان أغلب المواطنين لثقتهم في الحكومة وإعرابهم عن خشيتهم من توظيف القانون والآليات الدستورية لإحكام قبضتها على السلطة، وهو ما أدى إلى احتدام حالة الاستقطاب من الجانبين، السلطة والمعارضة، لتصل أحياناً إلى درجة خطيرة من الصراع والتحريض. ولكن على رغم مشكلة الشرعية التي وجد فيها حزب الرئيس نفسه، وجماعة "الإخوان المسلمين" عموماً، لم يتخذ مرسي الخطوات الضرورية لإقرار مصالحة وطنية تعيد اللحمة إلى أبناء الوطن الواحد، سالكاً بدلاً من ذلك مسلك الهجوم على الخصوم ومؤسسات المجتمع المدني وتحميلها مسؤولية ما يجري من اضطرابات.

ويضاف إلى ذلك أن المعارضة السياسية بألوانها المختلفة والمنضوية تحت مظلة جبهة الإنقاذ ما زالت ضعيفة، وإن كانت تدعي تمثيل أغلب المواطنين، ولا تستطيع منافسة تنظيم مثل جماعة "الإخوان المسلمين". وأمام كل ذلك يجد الجيش نفسه في وضع صعب، فهو المؤسسة الأولى التي تحظى بثقة المصريين في هذه الظروف، كما أنها رغم خوفها مما ستؤول إليه احتجاجات 30 يونيو وتخوفها من تصاعد العنف وخروجه عن السيطرة، تبقى مترددة كثيراً في التدخل وإهدار رصيدها بالانغماس في المعترك السياسي. وقد اكتفى الجيش حتى هذه اللحظة بإطلاق تحذير للنخبة السياسية، سواء في السلطة أو المعارضة، داعياً الأطراف كافة إلى التوافق ضمن حوار وطني ينهي الخلافات ويجنب البلاد الفوضى والاضطراب.

وفي خضم الأزمة التي تعصف بمصر يبدو أن الولايات المتحدة أساءت التقدير وقراءة الموقف، فقد باتت أميركا في أعين العديد من المصريين منحازة للحكم الراهن ومتحالفة مع "الإخوان المسلمين"، متجاهلة استياء الرأي العام ومعارضته للسلطة. ومهما كانت النتائج التي ستتمخض عنها احتجاجات 30 يونيو المرتقبة، سواء انتهت بالعنف، أو كانت سلمية، وأياً كانت ردة فعل الجيش بالتدخل، أو الامتناع عن ذلك، لابد من الإقرار بأن طرفي الصراع معاً يملكان مؤيدين يقفون وراءهما، كما أن المعارضة وإن كانت لم تطور قوتها الانتخابية بعد، إلا أنها بالقطع تحركها مخاوف فئات مهمة من المجتمع المصري لا يمكن تجاهلها.

والحقيقة أن "الإخوان" أهدروا فرصة سانحة للتحلي بشهامة المنتصر، فبعد الفوز في الانتخابات البرلمانية مباشرة كان عليهم التعجيل بالتواصل مع الآخرين، ودمج جميع الخصوم ضمن حوار وطني شامل. كما كان عليهم الالتزام بتعهداتهم وعدم التقدم بمرشح للانتخابات الرئاسية. وحتى بعدما فازوا بأغلبية ضئيلة كان لابد لهم من تأمين ثقة هؤلاء الذين صوتوا لصالحهم، بل طمأنة منافسيهم الذين خسروا الانتخابات. وفي هذا الإطار كان يفترض أن يُشرك الجميع في كتابة الدستور وعدم التعجيل بتمريره حتى يتم التوافق عليه ليشعر المصريون جميعاً بأنهم شاركوا في صياغة مستقبل البلاد. وبدلاً من القيام بهذه الخطوات بدأ "الإخوان المسلمون" يتمددون، حيث استندوا إلى مجلس شورى يغص بالأنصار لتمرير الدستور، كما عززوا قبضتهم على مفاصل السلطة، معلنين مرسي فوق المراجعة القضائية، ثم انخرطوا في حملة لمهاجمة القضاء والصحافة والمنظمات غير الحكومية.

فكانت النتيجة استياء فئات متزايدة من الشعب المصري وانقلابها ضد "الإخوان" بسبب مخاوف بعضها من إقامة نظام إسلامي غير ديمقراطي، بيد أن معارضي الرئيس وعلى رغم كثرة عددهم لم يتكتلوا في إطار قوة سياسية بقيادة موحدة تحظى بدعم واسع وتوافق عريض. وهذا الوضع حال دون انتصار المعارضين في الانتخابات البرلمانية، وعزز مخاوفها من أن "الإخوان المسلمين" سيبسطون سيطرتهم على مؤسسات الدولة قبل أن تتاح لهم فرصة تنظيم أنفسهم. وبعدما عجز المعارضون عن إحلال التغيير من خلال العملية الديمقراطية لجأوا إلى التظاهر والنزول للشارع. والمشكلة أنه على امتداد الفترة السابقة لم يكتفِ الرئيس بعدم التجاوب، بل تصلب أكثر وأصر على المضي قدماً دون تغيير لتأتي النتيجة على شكل 30 يونيو.

وفيما تحبس مصر أنفاسها انتظاراً ليوم الحسم أطلقت السفيرة الأميركية في القاهرة تصريحات تحث على الحوار فهمتها المعارضة على أنها دعوة لاحترام شرعية مرسي، وبصرف النظر عن نوايا السفيرة واحتمال المبالغة في تفسيرها من قبل المعارضة، إلا أنه بعدم تفهمها صراحة انشغالات قطاعات عريضة من الشعب المصري المتعلقة بمخاوف تغول "الإخوان المسلمين" وتقويض حكومة مرسي لأسس المجتمع المدني، تكون السفيرة قد وضعت الولايات المتحدة في موقع غير مريح وجلبت لها شبهة الانحياز لطرف على حساب الآخر، حتى لو كان ذلك غير صحيح. ومع أنه لا يمكننا التنبؤ بما سينتهي إليه الوضع بعد 30 يونيو، إلا أن ما نعرفه حقاً أن مصر، بعد انقشاع غبار المظاهرات، ستبقى منقسمة وتعيش على وقع التحديات الاقتصادية الخطيرة. كما ستظل دائماً في حاجة إلى حوار وطني يشق طريقاً جديداً للبلد، لذا وبصرف النظر عما إذا كان الجيش قادراً، أو مستعداً لتسهيل هذه العملية، يبقى في هذه اللحظة أفضل الخيارات الممكنة.