خبر العريان يبرئ حماس ويكشف حقيقة فراره ومرسي من السجن

الساعة 05:17 ص|29 يونيو 2013

غزة

لماذا عصام العريان بالذات؟ الجواب بسيط. كان سجيناً مع محمد مرسي ولديه رواية لقصة فرارهما من السجن التي شغلت الرأي العام والقضاء ايضاً. ولانه كان عضواً في مكتب الارشاد في جماعة «الاخوان المسلمين» حين ارتكبت الجماعة «تضحية كبرى» و»مجازفة كبرى» بخوض انتخابات الرئاسة بمرشح منها وهو كان من الفريق المعارض لتقديم مرشح «إخواني».

لم ألمس أن نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لـ»الاخوان»، يشعر بالقلق من احتجاجات الغد. ثقته بقدرة الجماعة تدفعه الى توقع فوز الرئيس مرسي بولاية ثانية. يجزم العريان ان «الاخوان» شاركوا في الثورة منذ يومها الاول ويقول انهم حرصوا على عدم اغراق التجمعات براياتهم وشعاراتهم.

وهنا نص الحوار:

"هل تعتقد بأن «الإخوان» ارتكبوا خطأ حين تولوا مسؤولية مصر في مرحلة حرجة؟

- اعتقد أن «الإخوان» ضحوا تضحية كبيرة جداً في تحمّل المسؤولية في ظروف محلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد والصعوبة، وجازفوا مجازفة ضخمة بتاريخهم، بثقة الناس فيهم، وبتوظيف إمكاناتهم. فبعد الثورات، دائماً طموحات الناس كبيرة جداً جداً، وإمكانات الدول لتحقيق ما تريده قليلة جداً. وفي الوقت ذاته، أن تتولى دولة بحجم دول، وأنت لم تكن في ماكينتها، لا موظفين، لا وزراء سابقين، لا خبراء يعلمون تفاصيل، لا تمتلك أجهزة الأمن ولا أجهزة المعلومات، لا تمتلك شيئاً... هذه مجازفة كبيرة. لا أخفيك سراً حين ناقشنا كلنا أمر الثورة في البداية، كنت من المتحمسين للمشاركة فيها من بدايتها إلى نهايتها، وكان قرارنا المشاركة من دون أن نفصح عن هويتنا أو نعلي رايتنا أو نقول شعاراتنا.

> حين اندلعت الثورة كنتَ عضواً في مكتب الإرشاد، لماذا يُقال إن «الإخوان» نزلوا في 28 كانون الثاني (يناير)، بعد انكسار الشرطة؟

- هذا غير صحيح. هذا يُقال لأن الجميع الآن يعتبر أن الحدث الثوري رصيد سياسي لمن شارك، بالتالي كأن الناس تشارك في الثورات وتنتظر جوائز، بينما الذين شاركوا في الثورة وصنعوها وضحّوا في سبيلها هم الذين لا ينتظرون جوائز، لأنهم ببساطة أصبحوا في عداد الشهداء. هؤلاء الشهداء هم مَنْ صنع الحدث، وليس المتظاهرين الذين ذهبوا إلى منازلهم. لم نكن خلال تلك الفترة ننتظر جوائز، يوم 25 كانون الثاني كان قرارنا المشاركة المعقولة من دون طغيان على الحدث، وهذه سياستنا طوال السنين العشر الأخيرة مع حركة «كفاية» وباقي الحركات. كنا نقول إذا نزلتم 500 شخص سننزل بـ 500 شخص، لأننا لا نريد أن يظهر الحدث إخوانياً، بل شعبياً يضم الفئات كلها. في 25 يناير كانت لنا مشاركتان أو ثلاث: إحداها أمام دار القضاء العالي، لرموز إخوانية واضحة ولأعضاء مجلس الشعب السابقين بموجب قرار للجمعية الوطنية للتغيير. 50 إلى 100 شخصية بينها محمد البلتاجي وجمال حشمت. المشاركة الثانية كانت في ميدان التحرير بشبابنا، وكان قرارنا ألاّ نأمر وألاّ نمنع، بل نترك الشباب يتفاعل مع الحدث. الشباب كانوا يأتون إلينا في مكتب الإرشاد، ويقولون، هناك حركة شبابية تستعد ليوم 25 يناير، نشارك أم لا؟ طابع «الإخوان» التنظيمي أنه إذا لم تأتِهِ تعليمات بالمشاركة، يكون الدافع الشخصي هو الأساس. وهذه حركة داخل «الإخوان» قديمة، أن يتحرك كل منهم بدافع شخصي، لأنه تربى على الانضباط التنظيمي، فشاركت أعداد نقدرها بمئات او آلاف قليلة، لأن جميع الذين كانوا في ميدان التحرير يوم 25 يناير لا أظن أنهم يزيدون على 5 آلاف. أما المشاركة الثالثة فكانت وقفة أمام نقابة الأطباء، شارك فيها كثيرون من رموزنا. آنذاك لم يكن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح فُصِل من «الإخوان». في 26 كانون الثاني انعقد مكتب الإرشاد.

> متى اعتقلت؟

- فجر الجمعة 28 كانون الثاني، أنا والرئيس الدكتور محمد مرسي والدكتور سعد الكتاتني. كنا 34 قيادياً بينهم نصف أعضاء مكتب الإرشاد، 7 أو 8 أعضاء، لذلك، تقديرات الأمن وتقديرات السيد عمر سليمان رحمه الله كما سمعت من كثيرين أن الثورة صنعها «الإخوان» المسلمون، النظام القديم يتهمهم بأنهم نفذوا الثورة.

> في اجتماع مكتب الإرشاد الأربعاء، كان هناك اتجاهان؟

- لا، اتجاه واحد، كما قلت، بعد الانتخابات كان قرار مكتب الإرشاد النزول إلى الشوارع.

> هل تستطيع القول إن «الإخوان» شاركوا في الثورة منذ اللحظة الأولى؟

- طبعاً، بل أقول إننا شاركنا في 9 و10 كانون الأول (ديسمبر) كتمهيد. مهّدنا لها، احتجاجاً على تزوير الانتخابات، والثورة قامت لأسباب موضوعية جوهرية. السبب الرئيس يوم 25 كانون الثاني كان الغضب من الشرطة وممارساتها، ولكن في خلفية الأحداث، تزوير الانتخابات كان القشة التي قصمت ظهر البعير.

> هل كان الدكتور عصام العريان يتوقع مثلاً قبل الثورة، أن تأتي لحظة يسقط فيها نظام مبارك، ثم يصبح مبارك في السجن، والدكتور محمد مرسي في قصر الاتحادية... هل كان يوجد هذا الحلم؟

- أجزم بأن هذا الحلم لم يكن يخطر على بال أي مصري... يكذب عليك أي مصري يقول لك إنه كان يتوقع نجاح الثورة أو سقوط حسني مبارك أو أن يصبح محمد مرسي رئيساً. لولا أن عصر المعجزات انتهى، لقلت لك إننا نعيش هذا العصر. هل هناك رئيس جمهورية ينجح في حملة انتخابية مدتها 28 يوماً، أي بلد نجح رئيسه في 28 يوماً؟ بدأنا حملة استقصاءات رأي، ولدينا جهاز قوي لاستطلاع الرأي. في الأيام الأربعة الأولى لم تكن شعبية الدكتور مرسي تتجاوز 3 - 4 في المئة.

> دخلتم السجن في 28 كانون الثاني (يناير)، متى خرجتم؟

- خرجتُ من السجن أنا والدكتور الكتاتني وذهبنا مباشرة إلى ميدان التحرير ظهر الأحد 30 كانون الثاني. دخلنا معسكر قوات الأمن في مدينة الشيخ زايد فجر الجمعة، وبقينا منتظرين. في اليوم ذاته، ونحن في السجن أرسلنا نطلب طعاماً، قالوا لا يوجد في الحجز، قلنا نشتري من الخارج. لم يمانعوا وكان معنا مال، فأرسلنا جنوداً ليشتروا طعاماً، عادوا قبل العصر وقالوا إن البلد «خربانة»، «هايبر مول»، متجر كبير على الطريق الصحراوي، مدمر. سألناهم، لماذا لم يُحضِروا منه أي طعام، ما دام مخرَّباً؟ قالوا: كنا خائفين. ظللنا نضرب أخماساً في أسداس، لا نعرف ماذا سيحدث، ولم يقل لنا أحد سبب توقيفنا وهل سنحال على النيابة. قررنا يوم السبت أن نتمرد، وفعلاً بدأ الاحتجاج ورفضنا دخول الزنازين، بعد الصلاة. جاءنا السيد مساعد وزير الداخلية اللواء عمر الفرماوي، وهو صديق قديم لي، يُحاكَم الآن، وتفاوض معنا. قال، أتعهد لكم ألا تبيتوا ليلة أخرى، لا بد من نقلكم إلى مكان آخر، لأننا خائفون على حياتكم، لا يوجد طعام ولا ماء ولا حراسة، وفي البلد إضراب واسع، ومَنْ يقتحم المكان سيقتلنا. قلنا له انقلنا إلى سجن عمومي أو أعرضنا على النيابة، فتعهد وقال، بيتوا الليلة وإن شاء الله غداً قبل العصر، سيحسم أمركم. صلّى معنا الظهر يوم السبت وقال جهزوا أشياءكم، ستذهبون. يوم السبت 29 كانون الثاني، أخذنا متعلقاتنا وذهبنا، ونحن في الطريق نتلمسه، لم يقل لنا أحد إلى أين أنتم ذاهبون، وليست معنا بطاقات هوية. فقلنا لو اتجه (السائق) إلى مصر الجديدة على المحور سنذهب إلى النيابة، لو ذهب في اتجاه الاسكندرية نكون في طريقنا إلى السجن معتقلين. ونحن في الطريق بدا كل شيء صامتاً، ووجدنا سيارة نصف نقل محمّلة خضروات، وشخصاً ممن كانوا معنا، الدكتور أحمد دياب استاذ الأدب واللغة الصينية، وكان عضواً في مجلس الشعب السابق. السائق تعرّف إليه، فكتب ورقة صغيرة وألقاها له، تفيد بأننا إما في سجن وادي النطرون وإما في سجن اسكندرية الغربي في برج العرب. وقلنا له أمشِ وراءنا لتعرف أين سنذهب، ومشى على أمل إبلاغ أهلنا، ولم يبلّغوا، ودخلنا السجن.

قلت للمأمور ولمدير المباحث أين المستند الذي يثبت أننا هنا، أين أمر النيابة او أمر الاعتقال، فأقسم أنه لم يتلقَّ أي ورقة، بل تعليمات شفوية. قلنا له، لا يجوز أن ندخل السجن من دون أي مستند، فاحتدم السجال بينه وبين الأستاذ صبحي صالح، فتدخلتُ قائلاً إننا منذ يومين لم نأكل أو نشرب... على الأقل نريد طعاماً. دخلنا سجن وادي النطرون 2 القريب من مدينة السادات، وقدموا لكلٍّ منا بعض الرز وربع دجاجة.

شاء الله أن يكون شابان من «الإخوان» معتقلين في العنبر ذاته، كانا طالبين في جامعة الأزهر، يعرفان السجن. تم توزيع الأكل، وصلّينا المغرب والعشاء ونمنا. استيقظت كعادتي بعد 3 - 4 ساعات لأصلّي، فوجدت في الثانية أو الثالثة فجراً دخاناً، كانت بوابات الزنازين مفتوحة وباب العنبر الرئيسي مغلقاً، ووجدت المسؤول عن العنبر يصرخ: «أخرجوني سأموت معهم». واكتشفنا أن السجن شهد تمرداً طوال الليل، وكان بدأ قبل مجيئنا بليلة. بدأ الجمعة وتصاعد السبت، فشكلنا لجنة من أعضاء مكتب الإرشاد السبعة (أنا والدكتور مرسي والدكتور محيي حامد والدكتور الكتاتني والدكتور محمود أبو زيد والدكتور سعد الحسيني وعضو سابع) من بين الـ 34 سجيناً، لنتدبر أمرنا. خرج الحارس وأصبحنا وحدنا، صلّينا الفجر والأحوال في الخارج تتطور حتى سمعنا إطلاق نار، وكان معنا راديو، فسمعنا نشرة الأخبار، وخبر اغتيال مأمور سجن القطة اللواء محمد البطران. سمعنا الخبر مرتين، فقلت إن بثه عبر الإذاعة الحكومية يوحي لجميع الموقوفين في السجون المصرية بأن يتمردوا. هذا متعمّد، ومحمود وجدي وزير الداخلية السابق قال في شهادته إن أكثر من 35 ألف سجين خرجوا، أي نحو ثلث السجناء.

> كيف خرجتم أنتم؟

- قلنا للشباب اعتلوا الأسوار وفتشوا عن حل... سنموت في هذا المكان.

> مَنْ هؤلاء الشباب؟

- طلاب جامعيون معتقلون، من «الإخوان المسلمين» تحدثوا مع نزلاء العنبر الذي يجاورنا، ونحن فتحنا الباب وخرجنا وهم حطموا الحائط وأخرجوا شخصاً أحضر مفتاح أبواب السجن. كررنا مطالبتهم بإحضار المفتاح الخاص بعنبرنا، لكنهم رفضوا قبل هروبهم، وطالبناهم بإعطائنا هاتفاً، فأرسلوه لنا.

> «الإخوان»؟

- لا... هؤلاء كانوا من جهات تكفيرية ومعتقلين سياسيين، لديهم الاستعداد للمساعدة. كان بينهم أشخاص ظلوا في السجن 8 إلى 10 سنوات، ولديهم الاستعداد للمخاطرة بحياتهم بدلاً من البقاء في الزنزانة. ارسلوا لنا الهاتف، وبدأنا اتصالات بواسطته، لنفهم ماذا يحدث، فعلمنا أن في السجون تمرداً، وأن الشرطة انكسرت، والجيش نزل إلى الشارع، وهي اختفت من الشارع. طالبنا «الإخوان» بإنقاذنا لكنهم ردوا بأن ليس في إمكانهم فعل شيء، قالوا لنا، في محيط السجن أهالٍ استمروا في الصراخ عليهم لمطالبتهم بأن يفتحوا لكم السجن. وهذا ما حدث، الأهالي جاؤوا.

> أهالي السجناء؟

- نعم، فكل الإذاعات تناقلت أنباء عن اقتحام السجون وتعرّضها لإطلاق نار، لذلك، جاء الأهالي لإنقاذ أبنائهم.

> ولكن لماذا الحديث عن مجيء عناصر من «حماس» أفرجوا عنكم؟

- ما يقال من ان «حماس» جاءت لإطلاق المعتقلين من عناصرها وعناصر «حزب الله»، هو شيء كان متوقعاً. عندما يُعرف عصر 28 كانون الثاني (جمعة الغضب)، أن البلد انهار، والجيش استلمه، والشرطة انكسرت، والسجون واجهت تمرداً، ماذا ستفعل لو أنت من «حزب الله» أو من «حماس»، ولك زملاء في هذه السجون؟ ستأتي لإطلاق زملائك، ولن تطلق الآخرين، فلا شأن لك بالآخرين، ولم يكن أحد يعلم أننا في سجن وادي النطرون منذ البداية.

> يتردد أن الرئيس مرسي أُعطِيَ هاتف الثريا الذي تحدث عبره إلى قنوات فضائية؟

- عبر الهاتف حاولنا الاتصال بعائلاتنا، وبعدها بدأنا الاتصال بالسجناء الذين أُطلَقوا، وطالبناهم بالمساعدة. كنا جئنا إلى السجن مساء السبت، ونجحوا ظهر الأحد في جلب عتلات (قطع معدنية)، وتم كسر الباب. قبل أذان الظهر بعشر دقائق كنا مستعدين للخروج، وبالفعل خرجنا، عائلاتنا كانت نقلت إلينا عدم استطاعتها الوصول إلينا، وأنها ستُجري اتصالات بمعارف قريبين من السجن، في وادي النطرون أو مدينة السادات. بمجرد خروجنا من السجن وجدناهم وصلوا بسيارات، واصطحبونا.

> أين التقيتهم؟

- أمام أبواب السجن.

> ومَنْ هؤلاء؟

- الأهالي. أجريتُ اتصالاً مثلاًً بنجلي الذي أكد صعوبة الوصول إلى السجن، وأن الجيش يمنع المرور وأعلن حظر التجول. قلت له ابحث عن أحد، فقال إنه سيُجري اتصالات بأصدقائه وزملاء يقطنون قرب السجن كي يتمكنوا من المجيء إلينا.

> وماذا عن «حماس»؟

- «حماس» بريئة من هذا الموضوع.

> إذاً، «حماس» لم تلعب أي دور في الإفراج عنكم؟

- على الإطلاق.

> وماذا عن إجراء مرسي اتصالاً بقناة «الجزيرة»؟

- كان بعد خروجنا، واتفقنا أن الوحيد الذي سيتحدث هو الدكتور محمد مرسي، إذ كانت هناك إشاعة حول وفاتي، وكنا نريد توجيه رسالة إلى عائلاتنا فحواها أننا بخير، فأجرى اتصالاً بـ «الجزيرة».

> عبر هاتف الثريا؟

- لا، عبر هاتف عادي، تعريفته عشرة قروش، والاتصال من طريق مراسل قناة «الجزيرة» في القاهرة. أدّينا الرسالة، وذهبنا مع الإخوة الذين جاؤوا إلينا، وقالوا إن أقرب مكان إلى السجن والأكثر أمناً هو مدينة السادات.

> ولكن في هذا التوقيت كانت الاتصالات قُطعتْ؟

- لا يوجد هاتف ثريا، الاتصالات قطعت الجمعة، وخرجنا الأحد وكانت عادت. أجرينا اتصالات بمجرد وصولنا إلى منازل إخواننا لتناول الغداء. كنا سنعود إلى مقر مكتب الإرشاد لنعرف ما الذي يحصل في البلد. في المساء اتفقنا على المكان الذي سيذهب إليه كل شخص، أنا و (رئيس الحزب) الدكتور الكتاتني كان المخطط أن نذهب إلى المكتب ولكن، بعد نزولنا إلى ميدان التحرير. ذهبنا إلى مكتب الإرشاد واستبدلنا ملابسنا، ونزلنا إلى الميدان أنا والكتاتني لكي نُطمئن الناس، فالميدان كان بؤرة اهتمام العالم، ولم نعد إلى منازلنا إلا بعد أربعة أو خمسة أيام.

> ظللتم في ميدان التحرير؟

- نعم، ظللنا في ميدان التحرير حوالى 4 ساعات، وكان الاتفاق ألا ينزل إليه أحد من رموز «الإخوان المسلمين» لئلا تُصبغ الثورة بالطابع «الإخواني». وكان الاستثناء وجود شخص مثل محمد البلتاجي، ووجود آخرين في عمل ميداني على الأرض، لا أحد يعرفهم.

> تداعت الأحداث بعدها، ألم يحدث اتصال في تلك الأيام بين عمر سليمان و «الإخوان»؟

- قبل الاتصال الشهير، لم يحدث أي اتصال.

> وما فحوى هذا الاتصال الشهير؟

- في الجلسة التي حضرها شباب الثورة وغيرهم، لم نكن وحدنا على الإطلاق. الاتصال حصل مع عمر سليمان، إثر ضغوط كثيرة جداً، شارك فيها (رئيس المجلس العسكري السابق) المشير محمد حسين طنطاوي. السيد المشير نزل يتفقد الميدان أكثر من مرة، وفي إحدى المرات قال لشباب «الإخوان» يا شباب أبلغوا المرشد ضرورة لقاء عمر سليمان، فكانت هذه إحدى الرسائل. رسائل أخرى جاءت من الخارج: «يا إخوان، البلد تُحرق وأنتم ناس مسؤولون».

> مَنْ مِنْ داخل «الإخوان» قاد هذه الأيام الصعبة؟

- المرشد (محمد بديع)، لا يوجد أحد غيره. جماعة «الإخوان» اعتادت طوال تاريخها أن لها قائداً واحداً، وهو من يتحمل المسؤولية، والجميع يصب عنده ما لديه من معلومات أو اقتراحات. وتعوَّدَت الجماعة، على عكس ما يراه الناس، أن هذا المرشد لا يتصرف منفرداً، لا بد أن يأخذ قرارات عبر الأطر المؤسسية. لم يخفِ عنا شيئاً، يوم قررنا الذهاب إلى عمر سليمان، عقد (المرشد) اجتماعاً سرياً خارج المكان الذي كنا نجلس فيه، وعرض علينا الأمر.

> مَنْ حضر هذا الاجتماع؟

- أعضاء مكتب الإرشاد فقط، بعض الأشخاص اتصلوا بـ (القيادي الإخواني) محمد البلتاجي وأبلغوه، وآخرون اتصلوا بي وأبلغته. كان هدفنا من لقاء عمر سليمان شيئاً واحداً: أن يوقف القتل، وأن يُترك المتظاهرون.

> اجتمعتم به مع القوى السياسية فقط؟

- نعم، ورفضنا الاجتماع منفردين. كان هذا شرطنا، على رغم أن غيرنا التقى به منفرداً، ولو أنه حيّ الآن لكشف أسراراً كلها كانت لمصلحة نظام مبارك. أنا أدعي ذلك، وكل الأطراف السياسية في مصر كانت لديها علاقات قوية جداً بنظام مبارك، ونحن وحدنا الذين كان يصنّفنا في خانة العداوة المطلقة.

> إذاً، أنتَ تقول إن شخصاً مثل حمدين صباحي كانت لديه علاقات بنظام مبارك؟

- كل الأطراف كانت لديها صلات مباشرة أو غير مباشرة بنظام مبارك. نعم، حمدين كانت خلال عضويته في البرلمان السابق له علاقات وهو كرجل سياسي لا أُعيب عليه ذلك. إذا كان نظام حكم لا يراك خطراً عليه، وأنت تريد أن تستفيد من صلاتك السياسية معه، أنا لا أعيب عليك. حسني مبارك كان يرانا نحن البديل، لكننا تواصلنا معه.

> وعمرو موسى مثلاً؟

- عمرو موسى جزء من نظام مبارك في الأساس.

> ومحمد البرادعي؟

- كانت لديه صلات، ممّن حصلَ على قلادة النيل في احتفال رسمي؟ من مبارك.

> إذاً، أنتَ ترى أن كل الأطراف كانت لها علاقات مع النظام؟

- هذه الأطراف بمن فيها «الإخوان» لم تطرح نفسها يوماً، بديلاً لنظام مبارك. كلنا عندما وقّعنا بيان المطالب السبعة الذي رفض الدكتور البرادعي توقيعه، على رغم أنه صدر باسمه، وأنا شريك في هذا كله، قلنا حينها، يجب أن نذكر اسم الدكتور البرادعي، لأنه أيقونة. لا يريد أن يوقّع ولا يريد أن يصدر البيان باسمه، فماذا نفعل؟ قلنا إن النقاط التي طرحها البرادعي في البيان كانت تطالب مبارك بإجراء إصلاحات فقط، لم تطالبه بالرحيل. البيان ظللنا نجمع التواقيع عليه لفترة سنة قبل الثورة، ولم يطالب أحد مبارك بالرحيل سوى بعد منتصف الثورة. الذي ردد هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام»، شخص بلدياتي (يقطن إلى جواري) من قرية ناهيا في محافظة الجيزة (جنوب القاهرة). هو أول من أطلق هذا الهتاف.

> هل كان «إخوانياً»؟

- لا أعلم، هو شاب كان ضمن تظاهرة آتية من بلدتي، وحتى هذه الشعارات كانت الناس ترددها وهي لا تدرك أبعادها.

> كنتم تجتمعون في مكتب الإرشاد... متى بدأتم تبحثون عما بعد مبارك؟

- عندما انتهت «موقعة الجمل»، ونجح لقاؤنا مع عمر سليمان في حقن الدماء، واستمرار الاعتصام السلمي والتظاهرات، وبدأت الأمور تتكشف. أيقنا أن رحيل مبارك عقب استقرار الأمور بعد موقعة الجمل حتى 11 شباط (فبراير)، وكان قرارنا في البداية عدم المشاركة في انتخابات رئاسية. عُقِد اجتماع لمجلس شورى «الإخوان» في 10 شباط، وقرروا ألاّ يرشحوا رئيساً. هذا كان يعني أنهم أدركوا أن مبارك سيرحل.

> مَنْ كان الرجل القوي داخل مكتب الإرشاد؟

- لا شيء اسمه رجل قوي، وكل ما يقال عن خيرت الشاطر غير صحيح، وهو كان داخل السجن وخرج عقب الثورة. كل هذه القرارات اتُّخِذت وهو غير موجود، بالتالي القوة الرئيسة في «الإخوان» هي الطابع المؤسسي. فقرار ترشيح خيرت الشاطر اتُّخِذ عبر تصويت 56 من أعضاء مجلس الشورى من إجمالي 110 أعضاء.

> أنتَ كنتَ ضد ترشيح خيرت الشاطر؟

- كنت ضد أن ندفع بمرشح رئاسي، لأنها مجازفة شديدة، وبقيتُ أدافع عن رأيي لنحو نصف ساعة، وهناك من اقتنع به.

> لكنك بعدها غيَّرت رأيك؟

- التزمتُ قرار المؤسسة الذي كان صدر.

> هل يعيش الشرق الأوسط بين مرشدين، أحدهما في طهران والثاني في القاهرة؟

- لا، الشرق الأوسط يعيش بين شعب عربي امتلك القرار وهو صاحبه، ومرشد بحكم المذهب والمؤسسة الدينية، له سلطة القرار في إيران. لولا المذهب الشيعي وتركيبته الدينية العجيبة لما كانت لمرشد الثورة الإيرانية هذه السطوة. أما العرب فليس لديهم مرشد.

> إذاً، مَن المرجع للرئيس محمد مرسي الدستور أم المرشد؟

- الدستور.

> وفي حال تعارَضَت خيارات الرئيس مرسي مع خيارات مرشد «الإخوان» ماذا يحدث؟

- خيارات محمد مرسي تُطبَّق على مرشد «الإخوان».

> على مرشد «الإخوان»؟

- نعم، خيارات محمد مرسي بحكم موقعه الدستوري هي التي تعطيه القوة، وعندما يخرج من الرئاسة سيصبح مواطناً عادياً.

> لماذا يقال إن خيرت الشاطر هو الرجل القوي؟

- لأن الناس تعيش دائماً في ما تتوهمه أو تتخيله. يصعب على المواطن العربي الآن في أي بلد، أن يشعر بأنه صاحب القرار، بعدما غُيِّب ستين سنة أو أكثر.

> هل أنت نادم على أن شخصاً جاء من «الإخوان» ووصل إلى سدة الرئاسة؟

- إطلاقاً... على العكس، أرى أن كل ما حدث كان توفيقاً من الله، وأننا في كل مرة لم نكن نبتغي سوى مصلحة هذا البلد.

> اعرف انكم تعارضون لكن ماذا لو أُجريت انتخابات رئاسية مبكرة؟

- سيفوز محمد مرسي حتماً، لأن ما يصنعه الإعلام شيء، وما هو على الأرض شيء آخر.

> إذاً، الإعلام كاذب؟

- ليس كاذباً وإنما يصنع خيالاً كالأفلام. الواقع شيء آخر مختلف، أنا أعيشه، وحتى هذه اللحظة أركب الميكروباص، وأشتري الخضروات، وأذهب إلى البقال، وأعيش مع الناس. أقول إنه (مرسي) سيفوز لسبب بسيط جداً، أنه سيكون مرشحاً ضد عشرة مرشحين آخرين، وستتوزع أصوات الرافضين لمحمد مرسي على هؤلاء، أما أصوات المؤيدين فستتجمّع لديه.

> هل تقلَّصت شعبية مرسي أم ازدادت، أم تراوح مكانها؟

- تراوح مكانها. فقد بعضاً من مناصريه لكنه اكتسب بعض معارضيه فظلت كما هي. شعبية محمد مرسي كانت 52 في المئة، ولكن، لديك الآن حالة عزوف عن السياسة نتيجة تقلُّص أحلام المواطنين.

> هل تعتقد بأن الرئيس مرسي سيكمل ولايته؟

- أعتقد بأنه سيكسب ولاية ثانية.

> إذاً، تتصوَّر أن «الإخوان» بعد الولاية الأولى سيدفعون بالدكتور مرسي، وليس اختياراً بديلاً؟

- الاختيار كان، نرشح للرئاسة أم لا، لذلك لا بد من الاستكمال.

> تقصد الشخص؟

- هذا يتوقف على محمد مرسي، لكنه أصبح رمزاً.

> وهل تخشى من 30 حزيران (يونيو)؟

- على الإطلاق.

> كيف ترى سيناريو هذا اليوم؟

- يوم عادي، نُقلت إلينا تأكيدات من حركة «تمرد» و «جبهة الإنقاذ» بأن هذا اليوم سيكون سلمياً.

> قررتم في البداية عدم الترشح للرئاسة، ما العنصر الذي تغيَّر؟

- رفض المجلس العسكري أن ندخل السلطة التنفيذية، رفضاً قاطعاً وصارماً. هذا هو العنصر.