خبر يهود، عرب وسلام.. معاريف

الساعة 09:01 ص|28 يونيو 2013

بقلم: أوري اليتسور

(المضمون: خيار الدولة الواحدة هو تحد كبير ومخيف، ولكنه افضل بكثير من خيار الدولتين الذي سيجلب في كنفه فقط سفك الدماء والدمار لمكانتنا الدولية. هكذا فقط يتحقق السلام -  المصدر).

شرف لي (بل وبهجة) أن أدير من على صفحات الصحيفة نزالا سياسيا ايديولوجيا مع بن – درور يميني، الرجل المستقيم والحاد والمحب للخير لاسرائيل. ولعله بذلك يكون أيضا رد جزئي لعشرات القراء والمعقبين الذين علقوا على اقتراحي للضم، بالبريد العادي والالكتروني، بالمقالات وبالتعليقات، في هذه الصحيفة وفي صحف اخرى، ولم يكن بوسعي أن أرد عليهم جميعهم. ولكن في البداية مقدمة صغيرة.

قبل نحو ثلاثين سنة زار عاموس عوز عوفرا، وأدار مع المستوطنين حوارا، او ان شئتم نزالا، كان مشوقا ومثير للاهتمام في حينه. كأساس للنقاش طلب الضيف ان نتفق معه على الاقل في شيء واحد: في أنه ليس أقل صهيونية منا. نهضت أنا وعرضت عليه صفقة متبادلة. هيا نتفق على اني لست أكثر صهيونية منك، وأنت لست سوي العقل أكثر مني. فكر عوز لثانيتين وقال انه لا يوافق. لا توجد صفقة. سنوات عديدة مرت منذئذ وملايين الكلمات سكبت. وتطور "غير السوي" الى "غريب الاطوار" و "هاذٍ"، اما "اللا صهيوني" فتطور الى "اللا يهودي" و "الخائن"، والجدال أصبح أكثر فأكثر صخبا وأقل فأقل إثارة للاهتمام. وأنا لا أزال اقترح الصفقة الاساسية اياها التي بدونها لا يوجد نقاش حقيقي: أنا لست أكثر صهيونية منك، وأنت لست أكثر سواءً للعقل مني. أنا لست أكثر يهودية منك، وأنت لست أكثر ديمقراطية مني. عندي ما يمكن أن أتعلمه منك، وعندك ما يمكن ان تتعلمه مني. الوضع على ما يكفي من التعقيد كي نعترف بان احدا منا ليس لديه حل سحري.

لم أرغب، وأنا لا أعتزم ايضا، الانجرار الى حرب الاعداد. فالجدال على الاعداد يجري بصراغ عال منذ بضع سنوات وفي أساسه حقيقة لا ينبغي التنكر لها في أنه بين المنشورات الرسمية للفلسطينيين أنفسهم توجد تناقضات جوهرية، وعلى أي حال يوجد السؤال كم من الثقة يمكن منحها لمنشورات مكتب الاحصاء الفلسطيني. وعليه، فمن غير العادل جدا القول اني آخذ لنفسي "اعفاءً من الحقائق" بسبب وجود وثيقة فلسطينية واحدة تتناقض وأقوالي.

النظرية مقابل الواقع

التقرير الدوري للجنة الانتخابات الفلسطينية، مثل موت محمد الدرة، ليس حقيقة بل في اقصى الاحوال ادعاءً. لن أدخل هنا لكل ما فيه من اشكالية، وسأقول فقط انه في السلطة الفلسطينية لا توجد انتخابات بشكل منتظم، وفي هذه اللحظة لا تلوح حملة انتخابات في الافق، وعليه فمن الادق الاستناد الى معطيات الانتخابات التي جرت عمليا والى عدد الاصوات التي احصيت بالفعل. الانتخابات العامة الاخيرة جرت في 2005 (لرئاسة السلطة) وفي 2006 (للمجلس التشريعي). في 2005 صوت ما مجموعه في يهودا، السامرة، القدس وقطاع غزة 802 ألف ناخب، وعدد اصحاب حق الاقتراع كان 1.14 مليون. النسبة بين يهودا والسامرة وغزة في كل الروايات هي تقريبا 40:60، بمعنى ان في يهودا والسامرة دون غزة صوت ما مجموع 481 ألف نسمة، وعدد أصحاب حق الاقتراع بلغ نحو 684 ألف نسمة. العدد الاخيرة يضم القدس وعشرات الاف الفلسطينيين الذين هاجروا من هنا الى كل ارجاء العالم منذ 1967.

عن انتخابات 2006 لم أعثر على معطيات رسمية، ولكن موقع "عدالة" بلغ عن 1.2 مليون صاحب حق اقتراع (بما في ذلك غزة)، عدد يستوي مع معطيات السنة السابقة (وها هي احدى المشاكل في التقرير الدوري للعام 2013، الذي يدعي 2.267 مليون صاحب حق اقتراع. فهل تحتمل قفزة من 1.2 الى 2.26 في غضون ست سنوات؟).

آخر المعطيات عن الانتخابات عمليا هي من الانتخابات للمجالس المحلية في تشرين الاول 2012. في قسم من البلدات الفلسطينية جرت انتخابات حقيقية، وفي قسم آخر انتخب مرشحون متفق عليهم بالتزكية دون انتخابات. عدد اصحاب حق الاقتراع في النوع الاول كان 505 الفا، وفي النوع الثاني كان 315 الفا. ومعا يشكلون 820 ألفا. هذه هي الاعداد التي استندت اليها وعفوا على تأخيركم. فأنا لا أزال أقدر بان الضم التدريجي لسكان يهودا والسامرة لاسرائيل سيجلب بعد 30 سنة وضعا يكون فيه في الكنيست نحو 20 نائبا عربيا. ليس نهاية العالم وليس نهاية دولة اليهود.

بين أغلبية وأقلية

ولكن الجدال على الاعداد ليس لب الامر. حتى لو كانت الاعداد أكبر، لا يزال لا مفر أمامنا من البدء بالتفكير دون خوف ودون فزع عن خيار الدولة الواحدة بين النهر والبحر، تكون دولة الشعب اليهودي وفي نفس الوقت دولة ديمقراطية ومتساوية، فيها أغلبية يهودية متماسكة الى جانب اقلية عربية كبيرة جدا.

يمكن التفكير بكل أنواع الافكار الابداعية التي تخفف الانتقال، مثل المجلسين، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، او حكم ذاتي معين لعرب يهودا والسامرة اضافة الى الجنسية الاسرائيلية، ونوع من المبنى الفيدرالي الذي يخلق ربطا وقدرا من الفصل بين الشعبين المتواجدين في اسرائيل، على أن يكون الجميع مواطنين لدولة واحدة ديمقراطية وحرة.

ولا يدور الحديث عن خطوة تتم صباح غد، بل عن ميل بالمدى البعيد. انا اقترح البدء بغور الاردن، حيث لا يوجد سوى بضع عشرات الاف السكان العرب. نفتالي بينيت يقترح البدء بكل مناطق ج. هذه تفاصيل وليس مبادىء.

المبادىء هي ثلاثة. الاول، خيار الدولة الفلسطينية سيء جدا لاسرائيل (وللفلسطينيين ايضا، انظروا مقال بن – درور يميني في هذا العدد)، أسوأ بكثير لاسرائيل من الخيار المعقد والباعث على التحدي للدولة الواحدة. الدولة الفلسطينية ستكون مسلحة ومعادية، تطلق الجراد على تل أبيب والكاتيوشا على بيتح تكفا، ستجلب معها سفك دماء لا يتوقف، وتقاتل بكل قوتها ضد اسرائيل في الساحة الدولية. وبعد قيامها، وفي ظل حربها التي لا تتوقف معها، سنكون مكروهين جدا ومندد بنا في العالم، بحيث نشتاق الى غولدستون. صحيح أن العالم دفع ضريبة كلامية على مدى سنين مطالبا اسرائيل بـ "انهاء الاحتلال"، ولكن الحقيقة هي أنه كلما اتخذنا خطوات جزئية "لانهاء الاحتلال"، هكذا تردت مكانتنا الدولية الى درك أسفل فأسفل.  في الايام ما قبل اوسلو، عندما كان "الاحتلال" في ذروته، لم يتحدث ولم يحلم احد بالمقاطعة ضد جامعات اسرائيلية أو بتقديم ضباط الجيش الاسرائيلي الى المحكمة الدولية. المحاضرون الاسرائيليون كانوا ضيوفا مطلوبين في كل حرم جامعي في العالم. كما أن احدا لم يتخيل باصات تتفجر في مدن اسرائيل ووابل من الصواريخ على مدن وبلدات اسرائيل. لا يمكن أن نتجاهل الحقائق فقط لانها تتصرف عكس التوقعات. يجب أن نفهم بان ليست الحقائق هي المغلوطة بل التوقعات.

جزء لا يتجزأ من المشهد

المبدأ الثاني هو ان لاسرائيل مصلحة واضحة في الفصل بين قطاع غزة وبين يهودا والسامرة. للفكرة الوطنية الفلسطينية توجد بالطبع مصلحة معاكسة، ولكننا لا يفترض بنا أن نخدم الفكرة الفلسطينية، وليس ضروريا الافتراض بانه في حالة تعارض المصالح ستنتصر بالذات مصلحتهم. حتى الان، في العشرين سنة الاخيرة، في كل الصدام، انتصرت بالذات مصلحتنا. في قطاع غزة توجد دولة فلسطينية مستقلة بحكم الامر الواقع منقطعة ماديا وسياسيا عن يهودا والسامرة، ومنذ اليوم تعتمد بقدر كبير على جيرتها مع مصر. حتى ابو مازن بات قريبا من اليأس من ربط الكيانين. وبدلا من الضغط على المصريين لاغلاق معابر رفح، يتعين علينا أن نتطلع لان يفتحوه على مصراعيه ويخلقوا تواصلا من غزة وحتى العريش. هذا ليس مستحيلا.

والمبدأ الثالث هو الاهم والاصعب للهضم الاسرائيلي. لعلهم في فقاعة تل أبيب لا يشعرون بذلك، ولكن العرب هم جزء لا يتجزأ من مشهد بلاد اسرائيل. من يكرههم – يكره بلاد اسرائيل؛ من يخافهم – يخاف بلاد اسرائيل؛ ومن يهرب منهم – سيطاردوه.

نحن جد نحب التباهي بالسلام مع مصر ومع الاردن، ولكن الحقيقة هي أن هذه اتفاقات سياسية وليس سلاما. لم نحقق السلام لا مع السكان المصريين ولا مع السكان الاردنيين. السكان العرب الوحيدون الذين صنعنا معهم السلام الحقيقي هم سكان عرب اسرائيل. السبيل الوحيد لصنع السلام الحقيقي مع السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة هو جعلهم هم ايضا عرب اسرائيل. هذا هو التحدي. وهو صعب جدا ويوقظ كل شياطين المخاوف والكراهيات، ولكنه يقف في بواباتنا ونحن ملزمون بالشروع في التفكير فيه.