خبر حدث في غزة... سقط في وحل العمالة للافراج عن جثة شقيقه الشهيد

الساعة 05:02 م|27 يونيو 2013

وكالات

حكاية ملفنا القضائي هذه المرة أمنية وليست جنائية, فالمدان ليس قاتلا أو مروج مخدرات أو سارقا بل وقع في شباك العمالة للإفراج عن جثة أخيه الشهيد التي لا يزال الاحتلال يحتفظ بها.

 

القضية بدأت قبل سنوات قريبة حين خرج شاب في مقتبل العمر يبحث عن عمل داخل الأراضي المحتلة 48 فأوقفه الجنود على معبر “ايرز” وسحبوه إلى غرفة التحقيقات وبدأ ضابط المخابرات آنذاك باستجوابه وسؤاله عن شخص يحمل اسم عائلته حتى أجابه بأنه أخوه الشهيد.

 

استغل ضابط المخابرات صلة القرابة بين الشاب والشهيد إضافة إلى الوضع المادي الذي يعيشه حتى ساومه على العمل معهم مقابل الإفراج عن جثة أخيه، فلم يتردد المتهم كثيرا حتى وافق.

 

وبعد أسبوع من مقابلة الشاب رجال المخابرات جاءه اتصال من أحدهم يطلب منه مقابلته في إحدى المستوطنات القريبة من الحدود الشرقية للقطاع.

 

وبداية الأمر أفاد الشاب وفق تحقيقات الشرطة بأنه توجه إلى المقبرة الشرقية، وهناك وجد سيارة في انتظاره قرب الحدود سارع إليها وانطلق برفقة من فيها إلى شقة داخل المستوطنة.

 

جثة الشهيد

 

وبمجرد دخول الشاب إلى الشقة صحبه جندي ووضعه داخل غرفة وأغلق عليه الباب بعدما أمره كبير الضباط هناك وطلب منهم إحضار ما يريده، فظن المتهم وقتئذ أنه في فيلم بوليسي أو أنه وقع في فخ الاحتلال دون الحصول على شيء.

 

حينما أطل الصباح دخل ضابط كبير إلى المتهم وراح يطلب منه الحديث عن غزة ومقاومتها ويسأله عن معلومات ولاسيما أن عددا كبيرا من أفراد أسرته من رجالات المقاومة.

 

لم يبخل المتهم في تقديم المعلومات طمعا في الإفراج عن جثة أخيه لكن لحظات الانتظار طالت وبقي سنة بأكملها يقدم معلومة تلو أخرى دون الظفر بجثمان أخيه.

 

دوما كان يطلب المال من رجل المخابرات فيرسل إليه الأخير ما يريده، ولكن صبر المتهم نفد فاتصل على الضابط وأخبره أنه سينهي تعامله معهم إذا لم يفرج عن الجثة، وحينئذ وبخه الضابط وقال له كما جاء في التحقيقات: “أخدت فلوس كتير ولازم تتعامل معنا والا سنفضح أمرك”.

 

لم يكترث للتهديدات وبقي شهرا لا يرد على اتصالات المخابرات، ولكن قلة المال في يده جعلته يعاود الاتصال فيهم ليبلغهم موافقته على التعاون مقابل الإفراج الحقيقي عن أخيه، ووعده بما طلب، ولكن بقيت الحال كما هي عليه.

 

لم يهدأ وبقي يفكر في التخلص من الوحل الذي وقع فيه حتى اهتدى إلى حيلة تجعله يغسل عاره كما ادعى خلال تحقيقات الأمن الداخلي، فقال إنه طلب مقابلة ضابط المخابرات في إحدى المستوطنات القريبة وأخفى في جيبه مسدسا للانتقام، ولكنه تراجع عن فعلته لأن كل شيء يخضع للتفتيش هناك، فحمل خنجرا اكتشفه أحد الجنود عند التفتيش، فلاذ بالفرار منهم.

 

بعد فراره وانكشاف نيته قرر تسليم نفسه إلى الأمن الداخلي والاعتراف بما نقله من معلومات تتعلق بسلاح المقاومة.

 

بعد التحقيق معه عرض على القضاء لينال جزاءه، فوقف في قاعة المحكمة مكسور الجناح, وبعد لحظة صمت من تلاوة تهمته قام وكيل النيابة من مكانه مطالبا القضاة بإيقاع أقصى العقوبة على المدان، في حي أن محامي الدفاع طالب باستعمال الرأفة مع موكله نظرا إلى ظروفه الصحية وأنه لم يدل بمعلومات كثيرة، وأن هدفه من التعاون كان الانتقام واسترجاع جثة أخية الشهيد.

 

المحكمة حكمت عليه وقتئذ بإعفائه من العقوبة المقررة قانونا وذلك طبقا لنص المادة 84 من الأمر 555 لسنة 1957، وذلك بعدما درس القضاة البيانات والأدلة كافة واكتفوا بمدة توقيفه في السجن.

 

التخابر والجهات الأمنية

 

تعقيبا على الملف القضائي، يقول رئيس محكمة بداية غزة القاضي ضياء المدهون: “وفق القانون الفلسطيني من حق القاضي تخفيف الحكم على من يتخابر مع الاحتلال بمقتضى الأدلة والبينات”، لافتا إلى أن عقوبة التخابر قد تصل حد الإعدام طبقا للخطورة التي تلحق بالأمن واستقرار المجتمع.

 

وأضاف المدهون: “المحكمة حين تقرر العقوبة تنظر إلى الجريمة والمدان من الجوانب كافة وتأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة”.

 

وتابع: “المواطنون يستمعون إلى الجريمة من بعضهم دون إدراك الخفايا الحقيقية للواقعة، فيكون هناك خلل في تقديرهم الأمور”، مطالبا إياهم بوضع ثقتهم بالقضاء وأحكامه.

 

ونصح القاضي كل من تسول له نفسه التخابر مع الاحتلال أن يتمسك بمبادئه ويدرك عواقب الأمور التي قد تودي به إلى التهلكة، “لذا من الضروري تعزيز الانتماء إلى الوطن والحرص على حمايته”.

 

وفي سياق القضية المطروحة، فإن الاختصاصي الاجتماعي عطا أبو ناموس يرى أن ما فعله المتهم يدل على جهله، “فقد أعمى بصيرته حبه لأخيه الذي حرص على إحضار جثته”، موضحا أن تسليم نفسه إلى الجهات الأمنية يدل على مدى تصالحه مع نفسه، “فهو رفض التمادي مع الاحتلال دون الإفراج عن أخيه”.

 

وفيما يتعلق بتقديمه معلومات عن المقاومة، فسر الاختصاصي ذلك بأنه خشي أن يفضحه الاحتلال، معتبرا أن ما يمارسه الاحتلال من ضغوط وإغراءات للشباب يجعلهم يقعون لا شعوريا في وحل العمالة.

 

وطالب أبو ناموس باستمرار حملات مكافحة العملاء لما تشكله تلك الظاهرة من خطورة على المجتمع الغزي، ناصحا الشباب بتقوية الوازع الديني والوطني لديهم “باعتبار مجتمعنا معرضا للاضطهاد”.

 

في الختام نصيحتنا لكم مختصرة: لا تنساقوا وراء مغريات الاحتلال كي لا تقعوا في فخ العمالة حتى لا تكون النتيجة الفضيحة وتلويث سمعة عائلة لا ذنب لها بما يقترفه أبناؤها الساقطون.

موقع المجد الأمني