خبر عن الجرذان والناس.. يديعوت

الساعة 09:11 ص|25 يونيو 2013

بقلم: افيعاد كلاينبرغ

(المضمون: الذكريات هي التي تشكل الشخصية الانسانية والمجتمعات الانسانية فأي الذكريات يمكن ان ينساها سياسيون اسرائيليون مثل بيرس أو ينساها الشعب الاسرائيلي بعامة؟ - المصدر).

نجح فريق من الباحثين برئاسة لوريت رون وسيغف براك في محو ذكريات من أدمغة جرذان. فقد سقى الفريق جرذانا في المختبر حتى ثملت. وبعد أن أدمنت الجرذان على الكحول أُجري عليها فطام وآنذاك حصلت على دواء اسمه "رفاميتسين" جعلها تنسى ماضيها الكحولي. ولم تتذكر الجرذان رائحة الكحول والذكريات الشعورية المقرونة بشربه. وخلص النسيان الجرذان من إدمانها الشعوري – الكيميائي، ولم تسارع كما كانت في الماضي الى الضغط على الدواسة التي كانت تقدم لها وجبة اخرى. ليس الحديث عن محو ذاكرة شامل – فقد بقيت الجرذان مدمنة للسكري مثلا – بل عن احباط مركز. فتبين انه يمكن بعلاج صحيح اخفاء ذكريات اشكالية وابقاء اخرى.

يصعب ان نبالغ في أهمية هذه التجربة لأنه اذا تبين أن البشر يردون على العلاج مثل الجرذان فلن يمكن ان يُعالج فقط إدمان الكحول والمخدرات ومن يعانون من صدمة شعورية تجعل حياتهم مُرة بحبات الدواء، بل يمكن ان يُصاغ الجنس البشري كله من جديد لأن الذاكرة، كما ينبغي أن نذكر، ليست ببساطة مخزن خردتنا النفسية بل هي مُشكلة الهوية المركزية للبشر، فنحن ما نتذكره. فلو أنكم ألصقتم بنا ذكريات اخرى (بدل ذكرى قائد دورية هيئة القيادة العامة مثلا أو ذكرى موظف بلا صيت) لجعلتمونا أناسا مختلفين تمام الاختلاف.

وما لا نتذكره ايضا يمكنه ان يُشكل هويتنا (عند بعض الناس رفاميتسين طبيعي يجعلهم ينسون كل من ساعدهم في الماضي ويشعرون بأنهم ناس مستقلون). ولا يقل عن هذا أهمية أننا نستطيع ان نتبنى ذكريات ليست لنا ونستعملها لبناء شخصية بديلة. فكروا في نتنياهو وفي ذكرياته من ايام الانتداب. فلو تبين أنه لم يعش قط في فترة الانتداب لأصبح نتنياهو شخصا آخر، ولربما كان أقل اقتناعا بأن الدولة هي هو. أو فكروا في شمعون بيرس الذي ينجح في ان ينسى مرة بعد اخرى اسهامه الضخم في المشروع الاستيطاني. فلو ان بيرس نجح في ان يشمل في مسلسلة ذكرياته اللذيذة (بن غوريون وديمونة وجائزة نوبل للسلام وشارون ستون) هذه الذكرى التي هي أقل لذة، لأصبح بلا شك شخصا آخر أقل رضى عن نفسه مثلا.

وما يصح على الأفراد يصح على الامم ايضا. فتوجد اشياء يطيب لنا ان نتذكرها (الانتصارات والسلوك الاخلاقي) وتوجد اشياء اخرى يكون تذكرها أقل لذة (الهزائم والاعمال القبيحة والهزيمة أمام باراك والحيلة العفنة). ويبذل الزعماء جهدا ضخما لترتيب الذاكرة الجماعية من جديد.

والمشكلة هي ان اشياء تُنبذ عن الوعي تُبقي احيانا ذكرى شعورية ما ورائحة غامضة لكحول اخلاقية تجعلنا نضغط مرة بعد اخرى على دواسة الكحول مثل جرذان المختبر تماما. مثل شعور غامض بأنك ضحية مصحوب بشعور قوي بالتفوق الاخلاقي مثلا أو مشاعر سعادة كبيرة جُربت بنصر ما في الماضي لم تعد له صلة بالحاضر (لأن الظروف تلك لم تعد موجودة) توجهنا الى الدواسة. فأنت تنظر الى أمم كهذه يبدو أنها علقت في ماض ما لم يعد موجودا وتهز رأسك قائلا إنهم مدمنون. لن نضطر منذ الآن الى ان نشاهد هذا السلوك المدمر. لأن الذكريات الاشكالية ستُبعد مع سكب الرفاميتسين في الماء، وسنصبح جميعا مخلوقات ذكية متحررة من الاستعداد لصدمات الماضي الشعورية أو للذات الادمان.

المشكلة الوحيدة هي ان يستقر الرأي على ما الذي سيُنسى. من الواضح لنا تماما أي شيء نريد أن ينساه أعداؤنا، وهو كل شيء يعرضنا في ضوء أقل من الكامل. وأقل وضوحا من ذلك ماذا نريد/ أو نكون مستعدين لأن ننساه نحن أنفسنا. لأننا نحب كالعبد المستذل أسيادنا الشعورية ولن نستعد للتحرر بسهولة. إن هذه الدواسة ولا نتذكر لماذا بالضبط، تدغدغ رجلنا لنضغط عليها.