خبر مائة يوم من البقاء- معاريف

الساعة 09:23 ص|24 يونيو 2013

بقلم: شالوم يروشالمي

هذا الاسبوع تكتمل مائة يوم على ولاية بنيامين نتنياهو الحالية، التي مثل ولايتيه السابقتين، هي مثابة ضرب من التراجيديا السياسية. فعلى مدى كل الطريق اضطر رئيس الوزراء الى الموافقة على سياسة ينكرها وقاتل ضدها كل حياته. ولهذا السبب فقد قيض عليه أن يتصرف دوما بمعيار مزدوج، مما جعله رجلا غير مصداق في نظر أقسام من الشعب والعالم.

خذوا القصة السياسية: فمن جهة، أيد نتنياهو علنا اتفاقات اوسلو ومبادرة واي التي وقع عليها في نهاية 1998. واليوم يؤيد خطابات السلام لاوباما وخطوات وزير الخارجية جون كيري، التي تستهدف اقامة دولة فلسطينية. ومن جهة اخرى، عمليا، سيفعل نتنياهو كل شيء كي يعرقل هذه الخطوات، يؤجلها ويشوشها. نائب وزير الدفاع داني دنون كشف النقاب عن هذه الحقيقة البسيطة. نتنياهو، بحكم الظروف، هو رئيس وزراء مخادع.

تؤكد الولاية الحالية هذه الظاهرة البائسة بقدر أكبر بقليل. رئيس الوزراء مقود أكثر مما هو قائد. لا يتخذ مبادرات بل يهدمها. ليس زعيما بل ساعٍ الى البقاء وسلبي اكثر مما هو ايجابي.

الحلف الذي تفكك

نتنياهو انطلق الى انتخابات 2013 بعد أن ربط بين الليكود وافيغدور ليبرمان واسرائيل بيتنا. ويبدو أن هذه هي مبادرته السياسية الاخيرة، التي أثبتت نفسها ايضا.

وكان السياق مفعما بالهزائم التي فرضت عليه خطوات غير مرغوب فيها. قيادة انتخابات الليكود فشلت تماما، الحزب المشترك تدهور الى 31 مقعدا، ليبرمان ورجاله خطفوا 11 مكانا. نتنياهو وجد نفسه في موقع رئيس الوزراء الذي لا يمكنه أن يقيم الحكومة التي يريد. واذا لم يكن كل هذا بكافٍ، فقد أثار عليه حزبه، الليكود، الذي يدور فيه ضده هذه الايام تمرد بكل معنى الكلمة. سنعود الى هذا.

وكانت النتيجة على الارض قاسية. فقد اضطر نتنياهو الى أن يفكك، لاول مرة منذ سنين، الحلف بين اليمين والاصوليين، والذي كان مريحا له جدا، ولا سيما في السنوات الاربعة الاخيرة، واتاح له انهاء الولاية. وبدلا من أن يواصل ذات الصيغة السياسية، وجد نفسه محشورا بين زعيمين لحزبين شبه معاديين، يسعيان الى خلافته باسرع وقت ممكن: يئير لبيد ونفتالي بينيت. ويحتفظ الرجلان معا بـ 31 مقعدا داخل الائتلاف والحكومة، وبدونهما نتنياهو لا يمكنه أن يتحرك. واذا اضفنا لكل الموضوع تطلعات افيغدور ليبرمان  (الخاضعة  حاليا للتجميد القضائي) وتطلعات الخصوم المحتملين له في الليكود، موشيه بوغي يعلون، جدعون ساعر وآخرين، نفهم لماذا يجد رئيس الوزراء نفسه ملزما بالتصرف بما يثير الريبة الدائمة ويلف رأسه الى الوراء طوال الوقت.

الايام الطيبة انتهت. في الولاية السابقة كان نتنياهو وزير أعلى للاقتصاد، شغل تحت  يديه يوفال شتاينتس، الدمية بالخيوط في وزارة المالية. اما الان فالواقع مختلف تماما. السياسة الاقتصادية يقودها وزير المالية يئير لبيد، خيرا كان أم شرا. ولعل نتنياهو يستمتع برؤية لبيد يتعذب ولكنه يشعر بانه يفقد السيطرة. نتنياهو مثلا مقتنع بانه كان يمكنه أن يقشط بين 4 و 5 مليار شيكل من الهستدروت، وعندها كان سيوفر على الجمهور رفع الضرائب مثلما تعهد في ايام الانتخابات.

شك نتنياهو بوزير المالية كبير لدرجة أن الناس في محيط رئيس الوزراء، ويبدو أنه هو ايضا، مقتنعون بان لبيد عقد حلفا سياسيا مع عوفر عيني، سيوجه لاحقا ضد نتنياهو نفسه.

"التهديد": جون كيري

في موضوع المسيرة السياسية الامر أكثر تعقيدا بقليل. نتنياهو، وهذا واضح، كان يود  لو يرى وزير الخارجية جون كيري يأخذ أقدامه وينصرف من المنطقة، بالضبط مثلما فعل الرئيس اوباما حين وصل الى هنا قبل نحو شهرين. ويفهم الجميع بان هذه كانت زيارته لوداع المسيرة السلمية. لو لم يكن كيري في المحيط، لما كان نتنياهو بحاجة الى المناورة، التلوي والتملص من محاولات الوزير حث المفاوضات والدولة الفلسطينية التي كتب نتنياهو ضدها كتبا بمئات الصفحات. اذا كان كيري هنا، يتعين على نتنياهو أن يخادع، ولكن عليه ايضا أن يقنع بانه صادق وحقيقي.

المشكلة هي ان نتنياهو فقد السيطرة حتى على هذا التكتيك. الخط السائد في الحكومة هو خط نفتالي بينيت الذي يقول علنا "لا" للدولة الفلسطينية، لا للمفاوضات، لا للتجميد، لا لشيء وفقط "البناء، البناء والبناء".

بينيت ليس الوحيد. شركاء نتنياهو الكبار في الليكود يكشفون الوجه الحقيقي لرئيس الوزراء ويضعونه في حرج أمام العالم. فقد قال نائب وزير الدفاع داني دنون ما قاله. واعترف نائب وزير الخارجية زئيف الكين بانه يفكر كدنون، ولكنه يتصرف خلاف ذلك. وينشيء رئيس الائتلاف يريف لفين ونائبة وزير المواصلات تسيبي حوتوبيلي لوبي في الكنيست لفرض السيادة الاسرائيلية في يهودا والسامرة، يشارك فيه نواب من الليكود، البيت اليهودي وحتى من يوجد مستقبل. الجميع يعرف منذ الان الاطياف، المواقف الناهضة للمسيرة وليبرمان، ناهيك عن وزرائه – يئير شمير وعوزي لنداو. ولم نقل بعد كلمة عن الرفيق موشيه فايغلين من الليكود.

وزير الدفاع السابق ايهود باراك يقول في احاديث خاصة ان ليس لنتنياهو الشجاعة لتحقيق خطاب بار ايلان. ولكن حتى لو تأزر بالشجاعة، فليس له احد يسير معه. حتى لو اراد، فانه لا يستطيع.

المشاكل في البيت

والان جاءت المشاكل في البيت، من داخل الليكود. مرة اخرى تأتي الكرة هنا أيضا. فالفشل في الانتخابات الاخيرة والوحدة مع اسرائيل بيتنا تركا خارج الكنيست نشطاء مركزيين بذلوا كل اموالهم في السباق. وهم غاضبو من رئيس الوزراء، من قيادة الانتخابات، من المعاملة الاغترابية التي يلقونها في المكتب. كما انه توجد شكاوى طائفية. وأراد النشطاء اجراء انتخابات للمؤسسات، ولكن الامر تماطل. وفرضت المحكمة على نتنياهو انتخابات تجري هذا الاسبوع، مرة اخرى خلافا لارادته.

لو كان نتنياهو يتنافس بنفسه على أحد المناصب في مؤسسات الليكود، فلعله كان سيتكبد هزيمة نكراء. وبالمناسبة، رئيس السكرتاريا، الوزير اسرائيل كاتس، يطالب بتشكيل لجنة تحقيق برئاسة قاضي خارجي لكل الاخفاقات التي رافقت الليكود في حملة الانتخابات، الامر الذي يعني أن بانتظارنا احداثا في هذا المقطع أيضا.

الصمود، في هذه الاثناء

لقد حشر نتنياهو بين كل عناصر الائتلاف الذي اقامه رغم أنفه. حزبه يدير له الظهر. وفي الوضع الناشيء يمكنه أن يفرض جناحية وان يطير بعيدا عن المواضيع الداخلية المشتعلة، الى مطارح ليست له فيها معارضة ثقيلة. ولا غرو أن معظم وقته ونشاطه يكرسهم لايران وسوريا. ولكن حتى في الموضوع الايراني "مشروع حياة" نتنياهو، حقق رئيس الوزراء نجاحا محدودا. فمن جهة أثر الضغط الدولي الذي قاده على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في ايران وشجع انتخاب الرئيس الجديد حسن روحاني. ومن جهة اخرى، انتخاب روحاني المعتدل كفيل بان يخفف الضغط عن ايران. وهذا هو السبب الذي يجعله يخرج الى صراع جديد، اصعب باضعاف، كي يثبت بان شيئا لم يتغير في مملكة آيات الله.

ومع كل هذا، فان ائتلاف نتنياهو لن يتفكك بسهولة. فليس لاحد أي مصلحة فوضوية كهذه: لا نتنياهو في وضعه، لا الليكود، لا ليبرمان، لا لبيد، لا بينيت وبالطبع ليس تسيبي لفني التي كل أزمة سياسية وانتخابات جديدة ستبعث بها وحركتها الى البيت. الحكومة ستواصل العيش، في هذه الاثناء، في ظروف مستحيلة. اما ما سيكون بالفعل فهو الصراعات الداخلية والاحتكاكات اليومية التي تثير حاليا سباقا خفيا ودافعا كبيرا وهكذا تسجل ايضا بضع اصلاحات جديرة بالاشارة في مجال السماء المفتوحة، الغاز، الموانىء والخدمات الدينية. هذا على الاقل.