خبر عساف..صاروخ من غزة- هآرتس

الساعة 09:22 ص|24 يونيو 2013

بقلم: عميرة هاس

عساف الذي لم يبلغ بعد سن الـ 24، من سكان مخيم خان يونس للاجئين صعد الى الوعي قبل نحو ثلاثة اشهر كاسطورة حديثة العهد، حقيقية: بجهود مضنية خرج من القطاع المغلق الى القاهرة، قفز من فوق سور الفندق كي يصل الى مقابلة التصنيف والاختيار، اضاع فرصة التقاط رقم للمشاركة وعندها أعطاه غزي آخر رقمه للامتحان وقال: "لك فرصة في الفوز، ليست لي".

عائلة أمه جاءت من القرية الفلسطينية المهدومة بيت دراس (اليوم بيت عيزرا، شرقي عسقلان) وعائلة أبيه – من بئر السبع. في غزة معروف هو منذ زمن كمغني حفلات وأعراس، ظهرت موهبته منذ الصبا. والان باتوا في تشيلي البعيدة يعرفونه. وهذه أنباء طيبة إذ ان الجالية الفلسطينية هناك ثرية جدا وهذه على أي حال هي مصلحة تجارية. فاختيار "الايدل" منوط بعدد الرسائل القصيرة التي يحصل عليها كل متنافس، وكل رسالة تكلف مالا – شيكل ونصف لشركات الاتصال الوطنية وجوال (2.85 في بداية المنافسة). من يمكنه يحق له أن يرسل 100 رسالة قصيرة باسمه، لربح شركات الخلوي. ولكن من يمكنه ؟ بالتأكيد ليس معظم سكان مخيمات اللاجئين. المصريون، الذين تجندوا لتأييد ابن بلادهم دون صلة بجودة الصوت، هم أكثر بكثير من الفلسطينيين (ومن جهة اخرى معظمهم حتى أفقر من الفلسطينيين). بنك فلسطين تعهد بالتبرع بعدد من الرسائل تساوي الرسائل التي تؤيد عساف، لتعويض الفارق الديمغرافي مع المصريين. "الـ 48" (اي الفلسطينيين من مواطني اسرائيل) يمكنهم ان يصوتوا عبر الانترنت. ولؤي ابن العاشرة يبلغ بان الاكراد والعراقيين سيصوتون لنا.

حكم الرسائل القصيرة صدر يوم السبت، وأصبح عساف بطل العصر للفلسطينيين، من الشباب والكبار. خريجو الجامعات الغربية وخريجو السجون. سكان مخيمات اللاجئين في البلاد وفي المنفى. الشقق الفاخرة في رام الله وفي حيفا والسجناء من نساء ورجال. نشطاء م.ت.ف قدامى ومن ابتعد عن السياسة – الجميع جلسوا ليشاهدوا بالبث الحي والمباشر المنافسة اللامعة وانصتوا الى الهراء الذي اطلقه الحكام ورافقوا بسعادة عساف الذي تسلق من مرحلة الى مرحلة. كتابات في الفيسبوك موضوعها عساف، شاشات ضخمة في المطاعم وفي الشوارع، دقات قلب متسارعة وهو يغني "بجودة أقل مما في المرات السابقة"، قضم الاظافر قبل بث النتيجة في كل مرحلة. منذ اجتياح الجيش الاسرائيلي في 2002 لم يشهد الفلسطينيون تجربة توحدهم بهذا القدر. الحاكم اللبناني في المنافسة، المغني راغب علامة، وصف عساف بانه صاروخ سلام ومحبة يمر من فوق مدن فلسطين، القدس والناصرة، غزة ورام الله.

وحتى في الوحدة توجد شروخ: بعض من رجال الدين في الضفة وفي غزة (ليس فقط من مؤيدي حماس) اعربوا عن معارضتهم للظاهرة وللبرنامج، الذي يبث في محطة الـ ام.بي.سي السعودية، والتي يمكن لنا أن نفهم لماذا. جمهور مختلط من الرجال والنساء مكشوفات الشعر والصدر، تقليد للعادات الغربية – وكله بالبث الحي امام الملايين. هذا ليس غناء، هذا صرف للانتباه عن فرائض المؤمنين، ليس رجوليا وينسي مصير السجناء، قال المعارضون. ويبث البرنامج بالضبط في الفترة التي ينشغل فيها شرطة حماس بمحاولات اخرى لفرض وحدة في السلوك: قبل نحو شهرين أمسكوا في الشوارع شبانا بشعور طويلة وفرضوا عليهم الحلاقة، ووزير الداخلية في القطاع تحدث مؤخرا عن المهامة التي امامه: الحفاظ على "رجولة" الرجال. وفي الاسابيع الاخيرة تدير الشرطة حملة ضد المخدرات واقراص الترمادور – مخفف الالام الباعث على الادمان والذي بواسطته يهرب الناس من الافكار والمشاكل – ولكن أفراد الشرطة النشطاء اقتحموا المقاهي التي تتجرأ فيها النساء على تعاطي النرجيلا الى جانب الرجال. ونفى الناطقون بان هذه سياسة من فوق وادعوا بان هذه مبادرة من أفراد الشرطة. 

هكذا حصل الان عدة مرات منذ صعود حماس: رجال الامن أو مسلحون مجهولون حاولوا بهجمات عنف فرض سلوك "اسلامي" موحد حسب التفسير الاكثر تطرفا (مثل وقف الغناء في الاعراس، تفريق مخيمات صيفية لوكالة الغوث أو العباءة كزي موحد للتلميذات). وعندا اصطدموا بالمعارضة الجماهيرية ادعى الناطقون الرسميون بان هذه مبادرات خاصة وتوقفت الهجمات. وعندما ضعفت المعارضة (مثل التشدد في الفصل بين البنين والبنات في المدارس) – استمرت السياسة.

لقد فهم حكم حماس بانه لا يمكنه ان يوقف موجة الحماسة والانفعال لعساف، وبعض من الناطقين بلسانه يمتدحون الان الشاب الذي اصبح "سفير فلسطين". هذا السفير الذي صعد الى المسرح وهو مريض، غنى للسجناء والشهداء (علي الكوفية) – اغنية من التسعينيات تتماثل مع م.ت.ف (وبين الاغاني التي منعت حماس انشادها في 2007 – 2008. وقد قام الحكام والجمهور وغنوا معه – فأهلوا الاغنية كاغنية فلسطينية للعموم.

حتى الان اتخذ عساف جانب الحذر من أن يكون اداة في يد السلطة الفلسطينية (التي أيده مسؤولوها منذ البداية) ضد سلطات غزة. ولكن في نفس الوقت ترسم ظاهرة عساف الحدود لحماس. في نسبة معاكسة لحجم المنافسة الفني الصغير تثبت كم يتوق الفلسطينيون لبطل وطني اسمه وعمله ينطويان على الفرح، النجاح والحياة، وليس الحزن، المعاناة والفشل.