خبر في هرتسيليا: إسرائيل أوصت بتشكيل محور السنة مقابل « محور الشر »..! .. اكرم عطا الله

الساعة 08:22 ص|23 يونيو 2013

ربما كان التعبير الأشد وضوحاً عن المصلحة الإسرائيلية هو ما صدر عن دوائر في إسرائيل في الأيام الأخيرة لمعركة القصير التي كانت في طريقها للسقوط في أيدي مقاتلي حزب الله اللبناني. اندفعت إسرائيل تحت ضغط مسار المعركة للإعلان أن "حكم القاعدة وجبهة النصرة لسورية أفضل لها من حكم بشار الأسد" وفي تلك الفترة كان يعقوب عميدور مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يلتقي بسفراء الدول الأوروبية معلنا بصراحة أن مشكلة إسرائيل مع سورية هي حزب الله وأن مصلحتها في سقوط النظام هي خنق حزب الله.
اللعب على المكشوف في سورية والاصطفاف أكثر وضوحا من أن يختفي خلف شعارات أخلاقية، فهي معركة الكون التي يحسب كل الأطراف مصالحه بميزان بائع الذهب، الكل يعرف ما يريد بدقة والكل يتصرف حسب تلك الإرادة والتي يدفع ثمنها الدم السوري وأول محترفي الحسابات إسرائيل وهي اللاعب المركزي في المنطقة والتي تقبض دائما ثمن فواتير يدفعها العرب مسبقا وحين يأتي موعد التسديد تسدد لتل أبيب ثم يكتشفون عقم حساباتهم دوما.
كانت إسرائيل تراقب بدقة المعارك الدائرة في القصير وفيها تتابع بسخط أداء حزب الله الذي يتحول إلى قوة إقليمية عصية على الكسر، فقد عقدت مؤسسة الأمن فيها جلستي تقييم لاستخلاص العبر بعد تلك المعركة لتبدأ سلسلة تدريبات ارتباطا بالنتائج بعد أسبوعين فقط من التدريب الأضخم "نقطة تحول 7" والذي انتهى في الثلاثين من أيار الماضي، لكن حين يسقط النظام البعثي في سورية تنقطع طريق دمشق التي تمثل شريان الحياة لعدو إسرائيل اللدود، هذا إذا ما نفذت القيادة الجديدة التي تحلم بحكم سورية بعد الأسد بملاحقة الحزب في لبنان لتصفية الحساب معه، فهل كان على حزب الله أن ينتظر هذا السيناريو؟ ومن هنا كان عليه أن يدفع بوحدات النخبة القتالية ليتغذى بهم بدل من الانتظار أن يتعشوا به.
من هنا كانت دعوة "حماس" لحزب الله بسحب قواته من سورية مدعاة لتساؤل كبير وهي تدرك مسار التحولات على مستوى المنطقة وهي التي كانت حتى الأمس جزءاً من هذا المحور "محور الممانعة والمقاومة" وتعرف جيدا كيف يتماسك هذا المحور للدفاع عن نفسه بما يملك من قوة وهي متوفرة، فلماذا أصدرت "حماس" هذا البيان وهذه الدعوة وفي هذا الوقت بالذات؟
بيان حركة المقاومة الإسلامية جاء بعد يوم من إعلان الرئيس المصري عن قطع العلاقات مع سورية وإغلاق السفارة السورية في مصر، ولم يكن هناك ما يوحي بمقدمات لتلك الخطوة إلا انقلاب الموازين في القصير ، فحركة الأخوان المسلمين هي حركة سياسية إقليمية كانت المستفيد الأول من التغييرات في الإقليم وليس هناك شك في أن لها مصلحة بسقوط سورية لتحكم قبضتها على دمشق بعد أن حكمت القاهرة، وهذه عواصم إقليمية هامة منذ التاريخ وسقوط دمشق يعني تحقق حلم في الاستيلاء على عاصمتين تشكلان الثقل الرئيس في المنطقة .. فالأمر ليس له علاقة بحقوق الإنسان ولا بدم الشعب السوري وفي هذا تقاطع مع المصلحة الإسرائيلية .
ومن الواضح أن الحركة الإسلامية الأم ضغطت على فرعها الفلسطيني الذي يدين لها بالطاعة كمرجعية عليا لاتخاذ نفس الموقف وإن كان بشكل خجول، فالجميع بات يعرف بمن فيهم نائب وزير الخارجية الروسي أن سحب قوات حزب الله من سورية معناه سقوط دمشق في أيدي المعارضة هذا لا يحتاج إلى دلائل، فقبل معركة القصير والدفع بقوات الحزب كانت المعارضة على أبواب دمشق تحضر لإعلان الانتصار كما يقول الأمين العام للحزب. وإن كانت هناك أطراف في حركة حماس ليست مهيأة لهذا التحول الكبير بالرغم من وجود مقدمات سابقة تقترب منها الحركة الفلسطينية أكثر من قطر وهي جسر العلاقة مع الولايات المتحدة آخرها مفاجأة حوار ترعاه الإمارة بين طالبان وواشنطن، فليس هناك مصادفات في السياسة.
فهل باتت حركة حماس في محور نقيض لمحور الممانعة؟ وهناك من يعتبر أن قرار الرئيس المصري بإغلاق السفارة السورية هي ورقة ألقيت لإغراء الولايات المتحدة حتى لا تتخذ موقفا يستعجل رحيل حكم الإخوان في مظاهرات الثلاثين من حزيران كما حصل مع مبارك وللتماثل مع الموقف الاميركي، فما هي علاقة حركة حماس بذلك بذلك ؟ أم أن موقفها هذا جزء من استحقاق أو بوابة الدخول في المجتمع الدولي وهو ما طالب به بعض قادة الحركة خلال الأسابيع الماضية.
المؤسف في هذا الصراع الدائر في سورية هو أنه بدأ يتخذ طابعا مذهبيا ظل كامنا فترة طويلة وبدأ يخرج من القمقم بعد أن فشلت الأطراف المعادية للنظام السوري في إقناع الكثير بأن دعمها للمعارضة ينطلق من إقامة الدولة الديمقراطية في سورية، وهي ممالك وإمارات تعيش حالة طلاق كبرى مع مفهوم الديمقراطية وممارساته.
والغريب أكثر أن هذا الاصطفاف شبه المعلن بين كلا التيارين السني والشيعي ينكشف بعد ما جاء في توصيات مؤتمر هرتسيليا الثالث عشر الذي عقدته إسرائيل في الحادي عشر من اذار الماضي والذي جاءت إحدى توصياته بالنص "ضرورة تكريس الصراع السني الشيعي من خلال السعي إلى تشكيل محور سني من دول المنطقة أساسه دول الخليج ومصر وتركيا والأردن ليكون حليفا لإسرائيل والولايات المتحدة ضد محور الشر الذي تقوده إيران ويضم سورية وحزب الله محور الشيعة".
فهل تسير المنطقة واصطفافها وفقا لما رسمته مراكز صنع القرار في تل أبيب؟ وما تقاربها مع تركيا وتقديم الاعتذار بعد الرفض لسنوات إلا دليل على اقتراب إسرائيل من هذا المحور، وإن كان هذا مفهوما بالنسبة لتركيا وبعض دول الخليج لكنه غير مفهوم بالنسبة لمصر التي شاء قدرها أن تلعب دور القائد في المنطقة وليس جزءا من تحالفات، وإذا كان ذلك غير مفهوم بالنسبة لمصر فهو مستحيل الفهم بالنسبة لحركة حماس التي تمثل الحالة الثورية الأبرز بالنسبة للإسلام السياسي، فهل أخطأنا حين لم نضع توصيات مؤتمر هرتسيليا نحن المتابعين للشأن الإسرائيلي؟ أم أن حركة حماس تعرف ما الذي تفعله بالضبط وكل الأوراق أمامها وتبحث عن أوراق جديدة؟.