خبر اسطورة المستوطنات.. هآرتس

الساعة 03:55 م|21 يونيو 2013

بقلم: آفنر عنبار

مؤسس ومدير عام "موليد – مركز التجدد الديمقراطي"

        (المضمون: المستوطنات لا حاجة الى اخلائها؛ المستوطنات يجب وقفها. ليس لها وجود دون دعم اقتصادي وأمني متواصل من وعلى حساب الجمهور الاسرائيلي - المصدر).

        كل يوم تطول قائمة الاشخاص الذين يؤبنون حل الدولتين – بعضهم من مؤيدي تقسيم البلاد ممن يئسوا، بعضهم معارضون قدامى يجدون صعوبة في اخفاء رضاهم. وتشق الجنازة طريقها رويدا رويدا من الهوامش السياسية الى نقطة البث القصوى: فمؤخرا بُث في القناة الثانية تقرير عني في مسألة احتمالية صيغة "الدولتين للشعبين" على خلفية التغييرات الدراماتيكية على الارض وعلى رأسها مشروع المستوطنات.

        ومع ان الاجماع الدولي حول حل الدولتين لم ينكسر بعد فانه في ضوء فشل المسيرة السلمية تصبح مسألة هذا الحل اطارا للنقاش في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. ومؤخرا فقط حدد وزير الخارجية الامريكي جون كيري الحدود الزمنية التي ستغلق بعدها نافذة الفرص لحل الدولتين – سنتين في أقصى الاحوال. بعد ذلك، قال، "هذا انتهى".

        رغم اليأس من حل التقسيم يتصاعد مؤخرا، فان الفكرة التي تقبع في أساس معارضته ليست جديدة. ففي التقرير في القناة 2 يلعب دور النجم ميرون بنفنستي، الذي يُحذر منذ ثلاثين سنة من "عدم قابلية الاحتلال للتراجع". وفي السنوات الاخيرة أصبحت عقيدة بنفنستي نقطة لقاء مفاجئة بين اليسار المتطرف واليمين المسيحاني. فهؤلاء واولئك على حد سواء يعارضون تقسيم البلاد لاعتبارات ايديولوجية: النفور من الدول القومية من جهة والايمان بملكية الشعب اليهودي على المناطق المحتلة من جهة اخرى. ولكن الطرفين يفضلان تغليف بضاعتهم بأغلفة من الحجج البراغماتية عن الجغرافيا، الديمغرافيا والاقتصاد. داني ديان، رئيس مجلس "يشع" للمستوطنين السابق، كتب في السنة الماضية في صحيفة "نيويورك تايمز" يقول ان المستوطنات هي "حقيقة لا يمكن التراجع عنها"، ورئيس الكنيست السابق روبين ريفلين قضى مؤخرا بأن "فكرة الانفصال بين الشعبين فشلت". وأعلن موشيه آرنس في التقرير التلفزيوني "انتصرنا" في الوقت الذي بدا خصمه يوسي سريد أقرب من أي وقت مضى من الاعتراف بالهزيمة.

        يحرص بنفنستي على ان يضفي على اقواله نزعة مجازية غير ان قناعته العميقة في ان ما يجري لا يمكن العودة عنه يجب ان تُفهم على خلفية مذهبه الفكري كما عبر عنه في المقابلة مع آري شبيط في "هآرتس" إذ قال: "بلاد اسرائيل هي كاملة. وحدة جغرافية سياسية واحدة. ولهذا فان تقسيمها غير ممكن". ولا غرو اذا من ان تصريحات بنفنستي في التقرير التلفزيوني – "هذا ببساطة لا ينجح، هذا غير موجود، هذا لن يفلح، لا يوجد، إنسَ هذا" – تُذكر بنبرتها فتوى الحاخام مردخاي الياهو عشية فك الارتباط بأن "فليكن ما يكون". وبالتالي فقد كان فك الارتباط، والدولة الفلسطينية ستكون هي ايضا على ما يبدو، ومن الأفضل للبعد الصوفي ان يوازن بنظرة جلية الى الحقائق.

        منذ بداية طريقها استخدمت حركة الاستيطان استراتيجيتين: الاولى – استيطان القلوب – سعت الى كسب العطف كي تضمن التأييد الجماهيري الواسع. الثانية – تثبيت حقائق على الارض – استندت الى الفرضية بأن كل مستوطن آخر يُثبت السيطرة في المناطق. وها هما الاستراتيجيتان فشلتا. رغم المساعي الجبارة، فان قلوب الاسرائيليين بقيت غير مبالية من المستوطنات. وصحوة المستوطنين من حلم استيطان القلوب وقعت على ما يبدو في أعقاب فك الارتباط حين لم تجتاز معارضته حدود معسكر اليمين المتزمت.

        وبينما بقيت انجازات المستوطنين في الرأي العام طفيفة، من الصعب ان ننفي نجاحهم في تثبيت حقائق على الارض. ففي السنوات الاخيرة أضعف توسعهم الهائل الى كل تلة في الضفة تقريبا أيدي الكثير من معارضي حل الدولتين، ولكن، مثلما قضى مؤخرا الجغرافي الحائز على جائزة اسرائيل اليشع أفرات، فان تزايد المستوطنات بالذات وانتشارها العرضي يشككان باحتمالية المشروع بأسره. فقد كتب أفرات يقول ان "منظومة المستوطنات التي أُقيمت باستثمارات طائلة متهالكة بالفعل من ناحية جغرافية، لا تستوي مع المنطق التخطيطي العرضي، وعليه فانها عديمة الاحتمال في الوجود المستقل المتواصل".

        وفضلا عن ذلك، وبينما تحتل اراضي حكم المجالس الاقليمية في المناطق نحو 40 في المائة من الضفة، فان المساحة المبنية للمستوطنات تشكل 1 في المائة فقط. في 1982، في الوقت الذي عاش فيه في الضفة نحو 800 ألف فلسطيني، قدّر بنفنستي بأن عدد المستوطنين سيلحق بالتدريج عدد السكان الفلسطينيين من حيث الحجم، لأن الأخيرين سيضطرون الى الهجرة. أما اليوم فيعيش في الضفة نحو 2 مليون فلسطيني ومعدل الزيادة الطبيعية لديهم تبقى أعلى منها لدى المستوطنين. في المستوطنات لم تتطور صناعة محلية، تجارة أو زراعة ذات مغزى وأكثر من ثلثي المستوطنين يعملون داخل الخط الاخضر.

        إن المنظومة المتهالكة من المستوطنات تواصل العيش حصريا بفضل آلة التنفس التي تواصل ضخ الميزانيات الطائلة اليهم، والممزوجة بالامتيازات الاقتصادية، الاستثمارات الهائلة في البنى التحتية وخدمات الحراسة. المستوطنات هي مشروع عديم الجدوى الاقتصادية لا يمكنه ان يعيش حتى ولا يوم واحد دون أنبوب التنفس الاصطناعي الذي يورد له برعاية الجمهور الاسرائيلي. حكومة تقرر قطع هذا الانبوب ستضع حدا للمستوطنات دون ان تبعث جنديا واحدا لاخلائها.

        إن اسطورة اخلاء المستوطنات بالقوة، والتي عُظمت عن قصد في فك الارتباط، هي أحد العقبات الكأداء في الطريق الى حل الدولتين. المستوطنات لا حاجة الى اخلائها؛ المستوطنات يجب وقفها. ليس لها وجود دون دعم اقتصادي وأمني متواصل من وعلى حساب الجمهور الاسرائيلي، وعليه، اذا كانت نبوءات الغضب لبنفنستي ستتحقق، فان هذا لن يكون لأن تقسيم البلاد ليس ممكنا بل لأن الجمهور الاسرائيلي يريده – بمعنى، ان اغلبية الجمهور قررت التخلي.