خبر عريس لا يكل.. يديعوت

الساعة 03:54 م|21 يونيو 2013

بقلم: ناحوم برنياع

        (المضمون: أدرك بيرس متأخرا انه يمكنه ان يحرز في غير تباكي ما عجز عن احرازه قبل ذلك بالتباكي والشكوى. يُحذر مسؤولون غربيون كبار من أن تضيع اسرائيل آخر فرصة لتسوية مع الفلسطينيين. مشكلة منظمة نجمة داود الحمراء في العمل وراء الخط الاخضر لأن منظمة الصليب الاحمر الدولية ترفض ان تعمل هناك مع بقاء رمزها الذي تعمل به في داخل اسرائيل - المصدر).

        حينما أصدر شمعون بيرس كتابه "الغد الآن"، أعطاني نسخة لأقرأها وسألته من اجل ماذا فأجاب: "لذكرى الايام في ألوموت". كان بيرس مسجلا سنين كثيرة عضوا في ألوموت وانضممت الى النواة التي كان يفترض ان تُتم الكيبوتس. قلت: لم تكن لا أنت ولا أنا هناك.

        تذكرت هذا الحديث حينما عرضوا في عرض يوم الميلاد ثم عادوا وعرضوا صورة بيرس واقفا في أعلى عجلة قروية، فلاحا أصيلا. وتصبب عرق عدد من الاشخاص في مقاعدهم في عدم ارتياح وأنا كذلك. لو كان الحديث عن احتفال عائلي لقلنا ليكن لأن كل مجموعة صور عائلية تكون مليئة بصور من عيد المساخر وصور تنكرية. لكن الصورة من الكيبوتس ترمي الى ان تكون مركبا في السيرة الذاتية.

        إن بيرس هو انسان مركب جدا وانسان آسر. وهو مثل بطل الافلام المتحركة مؤلف من طبقات. كتب ايتان هابر عنه هذا الاسبوع يقول إن سيرته الذاتية هي سيرتنا الذاتية جميعا، وكان مخطئا. لأن سيرته الذاتية تختلف عن سيرتنا جميعا ومن هنا تأتي قوته. في السنوات التي سبقت انشاء الدولة جُند الشباب الأكثر مواهب للخدمة العامة وهذا ما يحدث لكل شعب يناضل عن استقلاله. واتجه عدد منهم الى البلماح والفيلق واتجه آخرون الى السياسة. لم تكن السياسة كلمة نابية فقد كانت تُرى مهمة ريادية ووجودية لا تقل أهمية عن الاعداد للحرب. وبدأ بيرس حياته السياسية في 1940. كان في السابعة عشرة مرشدا في حركة الشباب العاملين. وكان انجازه الأكبر تقسيم مباي فقد نجح في نقل أكثر خريجي حركة الشباب من جناح تبنكين الى جناح بيرل كتسنلسون وبن غوريون. وكان ذلك انجازا عظيما يعادل عددا من الهزائم التي نالها بيرس في صناديق الاقتراع بعد ذلك.

        لكن وصمة الوظيفية علقت به. واليوم مع كون السياسي الأكثر شعبية خريج صحيفة "بمحنيه" ليس لهذا معنى لكنه كان مشكلة في ذلك العهد. فقد اعتاد اشخاص كرابين ان يقولوا في اشخاص مثله في احتقار: "سمع اطلاق الرصاص في الهاتف فقط".

        إن الثقب في بدلته العسكرية يجب ألا يضللنا. وقد وُهبت لبيرس عدة خصائص يتمدح الجنرالات بها فهو ذو طبيعة قوية وبرود أعصاب وسرعة خروج من الازمات لا مثيل لها. وهو خلافا للتصور عنه رجل بارد وصارم. كان يصعب على كثيرين من رؤساء حكومات اسرائيل ان يعرفوا ماذا يريدون. أما بيرس فيعرف ماذا يريد ولا يشمئز من الوسائل لنيل هدفه. وهذا ما قصد اليه رابين حينما ألصق ببيرس صفة "متآمر لا يكل".

        إنه بخلاف التصور عنه أكثر استعدادا من الآخرين للمخاطرة. فقد كان من بين جميع رؤساء حكوماتنا الأكثر تحمسا لعمليات عسكرية. وقد يكون هذا ثمن حقيقة أنه لم يكن محاربا قط فهو لا يعرف حدود قوتنا. ولهذا كان يستطيع ان يؤدي دورا مركزيا في انشاء ديمونة واستقرار الرأي على عملية عنتيبة والموافقة على سلسلة عمليات اخرى أقل نجاحا. كان مسارعا الى الزناد.

        إن كل سياسي يكون محصور العناية في نفسه لكن بيرس أكثر حصرا للعناية من الآخرين. ويُريحه موقع الضحية. حينما أحدث عرفات فضيحة على المنصة في القاهرة في أيار 1994، ورفض التوقيع على الاتفاق بين حكومة اسرائيل وم.ت.ف وأحرج الرئيس مبارك ورابين ووزير خارجية الولايات المتحدة وروسيا ورجاله – كان بيرس يرى ويسمع. وبعد ان انتهى الاخفاق صعدت إليه الى الطبقة العشرين في فندق سميراميس وطلبت أن أعلم ما الذي قيل فأجاب بيرس بسؤال: "هل قرأت اليوم روبيك روزنتال؟".

        كتب روبيك روزنتال، وهو عضو في كيبوتس نحشون في ذلك الوقت، مقالات في صحيفة "هآرتس". قلت: لا. فأخرج مقالة قصيرة انتقادية جدا نُشرت في ذلك اليوم وأُرسلت اليه بالفاكس. لم توجهه رحمته لنفسه ولا شهوة الانتقام بل حب الذات، الذات الخالصة فقط.

        "التباكي ليس زعامة"، قتله رابين بهذا القول. يُخيل إلي أنه لو التقى به في منصب الرئيس لفوجيء لأنه لم يعد يتباكى. فقد تعلم أنه يمكن احراز قدر أكبر بالسيطرة على النفس. حينما حاول رئيس الوزراء التركي اردوغان التنكيل به في دافوس رد بيرس بصمت جليل. فلا عجب أن يحترموه هذا الاحترام في العالم.

        إنه يتعلم طول الوقت، وقد حول نفسه بنفسه من سياسي مهتم بالامور الخارجية الى سياسي مهتم بالامور الداخلية، ومن نشيط حزبي الى مفكر، ومن شخصية وطنية مختلف فيها الى شخصية عالمية. من المؤسف أنهم أقاموا له يوم ميلاد كما يقيمون لأرباب المال الكبار – مليء بالتبجح وعدم التدقيق التاريخي والبريق والاولاد. لو أننا ذوو حظ لتم تصحيح كل ذلك في الاحتفال بالمئة.

        سلام، الآن

        يوجد للمنظمات الدولية مكان جديد ضخم في حي الشيخ جراح في القدس. وهذا المكان ملك لعائلة النشاشيبي وهي واحدة من العائلات النبيلة الفلسطينية. وقد أعدوا في الطبقة العليا شقة لطوني بلير مبعوث الرباعية. إنه يسكن في الشرق لكن المنظر الطبيعي الذي يراه في زياراته هنا يتجه في الأساس الى الغرب، الى حكومة اسرائيل. إن بلير ووزير الخارجية الامريكي جون كيري ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون التي ستصل الى هنا في الايام القريبة، بل وبيل كلينتون الذي كان ضيفا في مؤتمر بيرس، يتوقعون من نتنياهو ان يجد طريقة لاعادة الفلسطينيين الى التفاوض. والاشارة واضحة وهي أنه اذا فشل الجهد الحالي فسيُلقى عبء البرهان على كاهل اسرائيل.

        يتحدث هؤلاء الاشخاص كل واحد باسلوبه عن نافذة الفرص التي ستغلق بعد قليل، وعن اجتماع نادر بظروف نشأت الآن، وعن خطأ محرج لا يجوز لاسرائيل ان تخطئه. ولا يستطيع السامع ألا يتساءل عن الفرق الذي لا يمكن ان تُعقد قنطرة فوقه بين برنامج عمل هؤلاء الاشخاص الجديين وبين برنامج عمل الدولة التي حلوا ضيوفا عليها. حينما يظهرون على المنصة يكونون نجوم الحفل. وحينما ينزلون عنها يصبحون قلقين. إنهم يخشون ان يكون هذا الحفل يوشك ان ينتهي.

        إن خطة كيري التي يؤيدها بلير تؤلف بين السياسة والأمن والاقتصاد، وهذا التأليف يرمي الى تسكين نفوس الفلسطينيين. فهم لا يرشونهم هذه المرة بافضالات اقتصادية كي يوافقوا على المجيء الى طاولة التفاوض. إن التوجه الى اسرائيل معلل بتطورات في المنطقة: فاذا لم يتم تجديد التفاوض فان الحرب قد تنتقل الى المناطق. ومكانة اسرائيل الدولية في خطر. واذا بقيت السلطة الفلسطينية موجودة فتسبب لاسرائيل مشكلات كثيرة في المؤسسات الدولية، واذا انتقضت السلطة فستكون فوضى.

        وهم يعلمون أن ناسا قليلين جدا من الطرفين يؤمنون بأنه يمكن التوصل الى اتفاق. هل ذكرنا شمعون بيرس؟ هل ذكرنا تسيبي لفني؟ هذه نهاية القائمة. فاليمين لا يريد واليسار لا يؤمن. إن داني دنون سياسي منخفض الجبهة لكنه يقول الحقيقة وهي ان نتنياهو يؤيد حل الدولتين باعتباره حيلة تكتيكية وعملا دعائيا. أما في واقع الامر فانه يسعى الى تأبيد الوضع الراهن وهو حكم اسرائيلي في الضفة الغربية وفي ظل جيب فلسطيني ذي حكم ذاتي.

        ويقولون إن الوضع الراهن ليس خيارا. وليست دولة واحدة بين الاردن والبحر خيارا لأنها لن تنجح.

        صحيح أنه يوجد الآن ثقة ضئيلة بالتفاوض، يقولون، لكن في اللحظة التي سيتم تجديده فيها ستعود الثقة. فالالتزام بالسلام موجود عند الطرفين.

        يقول سامعوهم الاسرائيليون إن نتنياهو لن يوافق أبدا على خريطة بحسب الخطة التي عرضها اولمرت على أبو مازن، هذا الى أن أبو مازن قد تهرب من تفاوض في تلك الخريطة. ولن يكون لهذه الخريطة تأييد من الليكود ولا تأييد من الائتلاف. ولن يكون له خيار، يقولون. سيضطر عند نقطة ما الى ان يقرر فهل هو مستعد للمخاطرة بنقض ائتلافه أو يفضل ان يحمل عبء التبعة.

        إن مطامح كيري كبيرة لكنه لم يحرز شيئا الى الآن. بل لم يُمنح خطوات تبني الثقة مثل افراج عن سجناء قدماء أو الموافقة على بناء فلسطيني في المنطقة ج. لأن وزير الدفاع يعلون لا يسارع الى الموافقة على ذلك. حينما يُحذر قائد منطقة المركز نتسان ألون، وهو رجل جدي، من موجة عنف اذا لم يتم تجديد التفاوض تنقض عليه "بطارية" ساسة.

        في هذا الجو لا عجب من ان يصعب على شخصين مثل كلينتون وبلير، سحرهما في تفاؤلهما، أن يشيرا الى نصف الكأس المليء. ليس بيرس وحده هو الحي المرزوق في سن التسعين بل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ايضا الذي يزيد عمره على مئة سنة.

        مشكلة صافرة الاسعاف

        كان الدكتور نوعم يفراح رئيس نجمة داود الحمراء دهشا. "لا أشعر بارتياح للحديث عن هذه الامور"، كتب إلي في رسالة قصيرة. ومن حسن الحظ أنه لم يحتج الى سيارة اسعاف.

        إن هذه الامور هي الرموز على سيارات اسعاف نجمة داود الحمراء التي تخدم اليهود الذين يعيشون وراء الخط الاخضر. في 2005 وقعت نجمة داود الحمراء على اتفاق مع الهلال الاحمر الفلسطيني قسّم المسؤولية عن خدمات الانقاذ بحيث تعالج كل منظمة المرضى من أبناء شعبها. فالهلال الاحمر يرسل سيارات اسعاف الى الأحياء العربية في شرقي القدس والى القرى الفلسطينية في الضفة؛ ونجمة داود الحمراء تعالج في الأحياء والبلدات اليهودية. ومكّن هذا الاتفاق المنظمتين من ان تُقبلا عضوين في الحركة العالمية للصليب الاحمر – وهي عضوية فائدتها معها.

        بيد ان الاتفاق كان فيه سُم. لأن أحد المباديء التي يحرص عليها الصليب الاحمر هو الوحدة بحيث يعمل في كل منطقة جسم انقاذ واحد فقط. وأيدت مواثيق دولية هذا المبدأ. فاذا كانت نجمة داود الحمراء تريد ان تكون عضوا في الحركة فيجب ان تخرج من المناطق. واحتاروا في نجمة داود الحمراء وشاوروا مسؤولين كبارا من وزارة الخارجية وديوان رئيس الوزراء واتفقوا على التصالح على أن ترفع سيارات الاسعاف التي تخدم المستوطنات رمزا مختلفا بحيث لا تكون نجمة داود الحمراء على خلفية بيضاء بل نجمة داود بيضاء على خلفية حمراء. وأعد بار ستانباك، وهو دبلوماسي فنلندي عظيم الانجازات هذا الاتفاق وجهد في تنفيذه. وتم الاعتراف بنجاح التعاون بين المنظمتين، فأحيانا يعالج مضمدون من نجمة داود الحمراء جرحى فلسطينيين في حوادث سير في الضفة واحيانا يهبون لمساعدة الفلسطينيين. وكانت خشية في اسرائيل من ان تُستعمل سيارات اسعاف الهلال الاحمر لادخال مخربين أو لتهريب وسائل قتالية ثم زال الخوف.

        لكنهم شعروا في المستوطنات باهانة لأن الاتفاق بين نجمة داود الحمراء والهلال الاحمر كشف عن الفرق العميق بين طريقة رؤية اليمين في اسرائيل للمستوطنات وطريقة رؤية المستوطنات في سائر العالم. وما يرونه من هنا لا يرونه من هناك. إن المستوطنين يرون أنفسهم جزءا لا ينفصل عن دولة اسرائيل ويتسهار مثل تل ابيب أما في نظر العالم فهي منطقة محتلة.

        وتمزقت نجمة داود الحمراء بين مطالب الاتفاق وصراخ المستوطنين. وفي محاولة لارضاء الجميع نُقلت سيارات اسعاف في كل البلاد من ملكية نجمة داود الحمراء الى ملكية المستوطنات. ولم تهدأ نفوس المستوطنين. فصعبوا الامر بقولهم وماذا عن ملابس العاملين وماذا عن سيارات الاسعاف القليلة التي بقيت في ملكية نجمة داود الحمراء؟ إن نجمة داود الحمراء أصبحت الآن تحت ضغط جماعة ضغط المستوطنين.

        في الاول من أيار أرسل المديرون العامون لخمس منظمات من الصليب الاحمر رسالة الى نجمة داود الحمراء. وكان الموقعون جميعا يمثلون دولا صديقة كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهولندة والنرويج. وسألوا في أدب متى سيحين التنفيذ الكامل للاتفاق وأشاروا بأدب الى أن استمرار عضوية نجمة داود الحمراء غير مضمون. وتوجهت نجمة داود الحمراء الى وزارة الخارجية. وكانوا يأملون ان تستعمل الحكومة علاقاتها لانقاذهم من المشكلة.

        إن نائب وزير الخارجية الجديد هو زئيف الكين وهو من كبار أنصار "يشع". فسأل موظفي الوزارة من الذي أجاز اتفاق التصالح في عهد حكومة شارون. وأنكروا كل صلة كما كان متوقعا. وقال لهم الكين إن "الاتفاق فاضح. والربح من عضوية اسرائيل في المنظمة لا يعادل الكلفة. لأنه توجد هنا سابقة خطيرة. يؤسفني أنني لا استطيع أن ألغي الاتفاق لكننا لن نساعد نجمة داود الحمراء".

        ووزن الكين امكانية تهديد نجمة داود الحمراء بعقوبات، فاذا لم تلغ الاتفاق فستسلبها الحكومة منزلتها باعتبارها منظمة مفضلة. واختارت الانتظار. قال لي هذا الاسبوع: "يؤسفني أنني مضطر الى معايشة الاتفاق لكنني لن أهب مساعدة الدولة للحفاظ عليه. ولن آسى اذا نُكث الاتفاق".

        إن الكين يعيش في فيلم. فهو يُحذر من سابقة لكن السوابق أصبحت موجودة هنا منذ زمن. لقد زاغت عينه عن ان يرى الحركة المتزايدة للقطيعة مع اسرائيل في الجامعات، وستيفن هوكينغ الذي ألغى حضوره مؤتمر الرئيس هنا بسبب ضغوط أصحاب القطيعة مع اسرائيل، والمصانع التي تخرج من المناطق ومن الضفة لأنها غير قادرة على التصدير من هناك. وهو يحاول مثل كثيرين من زملائه إمساك العصا من طرفيها بأن يقول من جهة انه ليست لاسرائيل مشكلة في المجتمع الدولي، فكل شيء جنة عدن حتى إن رئيسي رواندة والبانيا جاءا الى القدس هذا الاسبوع؛ وأن يصرخوا من جهة اخرى بأن معاداة السامية ترفع رأسها وان الوضع وضع محرقة ثانية في كل مرة تتخلى فرقة بوب أو مخرج سينمائي عن زيارة اسرائيل.

        كان أحد ضيوف مؤتمر الرئيس هذا الاسبوع ميك ديفيس، وهو من أغنى يهود بريطانيا. إن ديفيس قلق جدا من حركة القطيعة مع اسرائيل في دولته. وقال لي انه حين جاء نتنياهو الى لندن برحلته الشهيرة وهي رحلة السرير لجنازة مارغريت تاتشر، أقنع سفير اسرائيل بأن يجمع عددا من الاشخاص اليهود للقاء رئيس الوزراء. فقال لهم نتنياهو: "لم أُعد خطبة. أنتم مدعوون لعرض اسئلة".

        قال ديفيس: "توقعت ان يتحدث رئيس الوزراء إلينا ويسمع ما الذي يقلقنا وماذا يمكن ان يُفعل لمنع أضرار باسرائيل ويهود الجاليات. ولم يكن رئيس الوزراء معني بالاستماع".