خبر شر جهاد ..تميم البرغوثى

الساعة 10:15 ص|19 يونيو 2013

ـ الشروق المصرية ـ 18/6/2013

رئيس الجمهورية الذى أيدنا انتخابه مضطرين لسوء البديل، لم يزل يتحفنا بسياسة بديله السيء، يغلق السفارة السورية فى القاهرة ويبقى السفارة الإسرائيلية، يسمى نفسه بنفسه عدوا لحسن نصر الله وصديقا لشيمون بيريز، ويغلق أنفاق غزة ويفتح قناة السويس للمستثمرين الأجانب، ويقصف سيناء لا تل أبيب، ويطهر وزارة الثقافة لا الداخلية، ويقاضى نوارة نجم ويصالح حسين سالم.

منذ أيام أعلن الرئيس الذى ظلت جماعته تدعو للجهاد ضد إسرائيل ثمانين سنة وهى فى المعارضة، الجهاد ضد حزب الله. فعل ذلك ليسانده الأمريكيون دوليا، والخليج إقليميا، والسلفيون محليا، له فى المواجهة المتوقعة مع الناس آخر هذا الشهر. إن ما فعل الرئيس، بقصر نظر مذهل، هو أنه بات طرفا فى حرب ستدمر المشرق كله وتفيد إسرائيل وأمريكا لمجرد أنه خائف من مظاهرة كبيرة. ضرر هذه الدعوة للجهاد على اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين بل والمصريين واضحة، ما أحب أن أبينه هنا أنها أضر ما تكون بالسوريين الذين زعم الرئيس ومشايخه المجتمعون فى استاد القاهرة من أيام أنهم ينصرونهم.

أولا:  إن مطالبة أى أنسان، ولو كان وحده، بإسقاط نظام بلده وتظاهره فى سبيل ذلك، حق له. وحق له كذلك أن لا تطلق عليه النار إذا تظاهر وأن يدافع عن نفسه إذا أطلقت النار عليه. ولكن بعض الحق قد يراد به الباطل، فإذا رأى أن سعيه لحقه يقتضى أن يطلب السلاح، وأن طلبه للسلاح يعنى ارتهانه إلى الجهة التى تمنحه ذلك السلاح، وإن كانت تلك الجهة تريد من وراء سعيه لحقه فى الديمقراطية، أمرا باطلا هو اشتعال حرب أهلية يُقتل فيها عشرات الآلاف فى بلده وحوله، ثم لا يتغير النظام، فعليه أن يعيد النظر.

ثانيا: لو نجح مجاهدو الاستاد ودخلت المعارضة السورية دمشق غدا، فمن سوف يجمع السلاح ممن؟ هل ستجمع جبهة النصرة السلاح من الجيش السورى الحر أم العكس، ومن من الإثنين سيجمع السلاح من بقايا الجيش النظامى السورى ومن السلاح المنتشر بين الطوائف لا سيما طوائف الأقليات الخائفة من حكم السلفيين، ثم من الميليشيات التى شكلها النظام والمسماة بلجان الدفاع الوطنى، علما أن مدد هؤلاء بالسلاح سيستمر من قبل داعميهم فى الإقليم والعالم؟ من سيمنع كل هذه الأطراف من أن يقتل بعضها بعضا بأعداد أكبر حتى مما يجرى الآن؟  إن الحرب الأهلية ستستمر حتى فى حال تحقق هذا «النصر» للمعارضة بسبب الانقسام التنظيمى والطائفى والإقليمى، بل ستصبح أشرس، ويموت أناس أكثر. لذلك فإن الداعين إلى نصرة المعارضة السورية فى الاستاد إنما دعوا لاستمرار القتل لا غير.

ثالثا: إن محاربة حزب الله مصلحة إسرائيلية. ولو خيرت إسرائيل بين أن يكون حزب الله على حدودها أو جبهة النصرة فإنها ستختار الثانية، لأن لحزب الله من القدرات الصاروخية والبنية التحتية والأنفاق والخبرة القتالية المتصلة منذ عام 1982  والسند الإقليمى الإيرانى ما يشكل به تهديدا حقيقيا لإسرائيل، أما جبهة النصرة والقاعدة فلم تقاتلا إسرائيل قط، والسند الإقليمى الذى تتمتعان به اليوم ضد النظام السورى لن يأتيهما إذا قررتا قتال إسرائيل. ثم إن كان  انتصار المعارضة فى سوريا يعنى استمرار الحرب مع الطوائف، وبين المعارضة ونفسها وبين المعارضة وحزب الله، فإن إسرائيل لا بد وأنها تحبذه، لأن ذلك يتيح لها، إلى جانب خنق حزب الله وموت الكثير من السوريين، حسم الصراع العربى الإسرائيلى بفرض حل نهائى للقضية الفلسطينية على العرب الذين لن يكون عندهم أى قوة مسلحة تهددها.  فى هذه الحرب كان من يغضب لدم الأطفال يتعرض لابتزاز من باب الوطنية ويتهم بالعمالة لإسرائيل، وكان من يريد الحفاظ على القوة العسكرية الوحيدة المهددة لإسرائيل فى العالم العربى وهى حزب الله يتعرض لابتزاز من باب الإنسانية ويتهم بالتغاضى عن دم الأطفال. ولكن المعارضة السورية الآن تعرض علينا  أن يقع الشران معا، أن يتفكك حزب الله، ثم أن تتضاعف أعداد الأطفال السوريين القتلى إذا اقتتلت الطوائف والفصائل بعد سقوط النظام.

رابعا: ربما يكون حزب الله دخل الحرب السورية دفاعا عن خطوط إمداده وتفاديا لأن يواجه جماعات سلفية فى بعلبك والهرمل، فيصبح مطوقا، إسرائيل من الجنوب والبحرفى الغرب، وجبهة النصرة من الشمال والشرق، ولكن فى تدخله أيضا محاولة لإنهاء الحرب، لأن انتصار المعارضة لن ينهيها، وعجز النظام عن الانتصار فيها لن ينهيها كذلك. إن تعريف حزب الله للنصر واضح، وهوإعادة البلاد لما كانت عليه يوم الرابع عشر من مارس 2011. وهذا، رغم ما فيه من مرارة بقاء النظام بلا عقاب، قد لا يكون منفرا لجزء لا بأس به من الشعب السورى، لا سيما الطبقة الوسطى من سكان المدن الكبرى الذين لم يشاركوا فى هذا الحراك أصلا، لا حبا فى النظام، بل خوفا من الحرب الأهلية، فأهل القرى أقدر على التعامل مع الحروب الأهلية من أهل المدن، يشربون من آبارهم ويأكلون من ثمرهم أو يأتيهم المدد من الحدود إن كانوا قريبين منها. أما المدرس والمهندس والموظف وساعى البريد وعامل النظافة فيعتمدون فى بقائهم على القانون والدولة والمرتب والوظيفة والشارع المسلوك والدكان المفتوح.  وأهل المدن يلمسون الاختلاط الطائفى، وخطورة تحوله لاقتتال طائفى أكثر من القرى المنعزلة بعضها عن بعض. لذلك لم تثر الطبقات الوسطى فى دمشق وحلب، وهى مهتمة بانتهاء الحرب أكثر من أهتمامها بمن ينتصر.  أما تعريف المعارضة للانتصار فغامض، ليس فيه شيء أكيد إلا استمرار الاقتتال بين الطوائف حتى يحصل تدخل أمريكى يقتل سوريين أكثر ليجمع السلاح.

خامسا: سأغير رأيى إن أرانى أى الناس تصورا لانتصار المعارضة لا يؤدى لازدياد القتل بين السوريين. سأنحى جانبا كل الاعتبارات عن ميزان القوة وإسرائيل وغيرها، إنما همى الأول والأخير هم السوريون، هل هناك تصور واحد تنتصر فيه المعارضة ولا يموت فيه أناس أكثر؟ حتى يكون  جواب فدعوة الرئيس للجهاد فى سوريا لن تعنى إلا أنه مستعد لأن يقول لأى طرف ما يحب أن يسمع مقابل أن يبقى فى الحكم.