خبر فلسطينيو سوريا في ميزان المنظمة ..علي بدوان

الساعة 10:04 ص|18 يونيو 2013

انتهت الزيارة الثانية للوفد الرسمي الفلسطيني المُوسع للعاصمة السورية دمشق برئاسة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول ملف اللاجئين زكريا الآغا، وهو الوفد الذي جاءت زيارته لدمشق في سياق المساعي الفلسطينية الرسمية المُعلنة من أجل النظر بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، على ضوء الحال الذي وصلت إليه أوضاعهم في سياق الأزمة الطاحنة التي تعم البلاد.

فما الجديد في زيارة الوفد الرسمي الفلسطيني لدمشق، وهل أستطاع الوفد أن يضع النقاط على الحروف بالنسبة لما جرى ويجري داخل وعلى محيط التجمعات الفلسطينية؟

الزيارة الأولى والموقف السياسي أو الهروبي

تُعدُ زيارة الوفد الفلسطيني الرسمي لدمشق، الزيارة الثانية من نوعها لوفد منظمة التحرير الفلسطينية لسوريا منذ بداية الصراع الداخلي في البلاد، حيث تمت الزيارة الأولى قبل ثلاثة شهور تقريباً، وقد قيل الكثير عنها، وسجلت عليها ملاحظات نقدية مُختلفة من قبل بعض القوى الفلسطينية الموجودة في إطار المنظمة ومن خارجها، ومعها بعض المؤسسات الأهلية الشعبية التي كانت تأمل بقيام الوفد بزيارة بعض المخيمات الفلسطينية في سوريا ومنها مخيم اليرموك على سبيل المثال، بقصد الإطلاع على الواقع العام للمخيم بشكل مباشر وعن قُرب.

وقد رفض الوفد في حينها تلبية دعوات البعض بزيارة مخيم اليرموك انطلاقاً من موقف سياسي أفصَحَ عنه بشكل صريح رئيس الوفد زكريا الآغا الذي قال أمام اجتماع عام لمجموع القوى والفعاليات الفلسطينية عُقد في حينها بمقر المجلس الوطني الفلسطيني بحي المزرعة بدمشق، بأن برنامج زيارته الميداني رهن بيد الطرف الرسمي المستضيف للوفد، وهو ما اعتبره البعض بمثابة إعلان عن موقف سياسي، فيما اتجه آخرون للقول بأنه موقف هروبي من استحقاق بعينه لا تريد قيادة المنظمة دفعه.

ومع هذا، لقد تمخضت زيارة الوفد الأولى عن نتائج أولية بخصوص أكثر من موضوع تم طرحه مع الجهات المعنية المُختلفة، كان منها الكلام العام عن ضرورة تحييد التجمعات الفلسطينية عن نيران الأحداث المشتعلة، والعمل من أجل تخفيف معاناة المواطنين الفلسطينيين في المخيمات التي باتت ساحة للمعارك العسكرية الطاحنة ومنها مخيم اليرموك على وجه الخصوص، وهو المخيم الملاصق لمدينة دمشق من جهة الجنوب والمدخل الرئيس لحي الميدان الدمشقي المعروف.

يُذكر بأن الوفد الفلسطيني في زيارته الأولى لدمشق طلب رسمياً من الجهات السورية المسؤولة بإرجاع بعض ممتلكات حركة فتح والمنظمة، وهو ما اعتبره البعض محاولة من المنظمة لاستثمار الحالة السورية من أجل تحقيق مكاسب بعينها، بدلاً من التركيز على البحث في أحوال اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الذين باتوا في مهب رياح الأزمة.

ويُشار إلى أن ممتلكات حركة فتح في سوريا، هي ممتلكات عقارية لمقرات ومكاتب كانت استولت عليها مجموعات حركة فتح/الانتفاضة أثناء انشقاقها عن حركة فتح الأم منتصف العام 1983 بقيادة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح نمر صالح (أبو صالح) والعقيد أبو موسى، والعقيد أبو خالد العملة.

وبالفعل تمت إعادة تسليم المقر المعروف بمكتب التعبئة والتنظيم التابع لحركة فتح والكائن وسط مدينة دمشق وبالقرب من ساحة عرنوس إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وتحديداً لمدير الدائرة السياسية للمنظمة بدمشق أنور عبد الهادي بعد أن تم إخراج حركة فتح/الانتفاضة منه، حيث من المقرر أن يُصبح المقر إياه المبنى الجديد لسفارة دولة فلسطين في سوريا.

كما تُشير بعض المعلومات المؤكدة إلى أن إجراء آخر سيتم خلال فترة قريبة جداً من خلال إعادة تسليم مكتب الرئيس محمود عباس السابق بدمشق، وهو المكتب المعروف بمبنى الصداقة والكائن في ساحة التحرير وسط دمشق، أيضاً للدائرة السياسية للمنظمة وإخراج حركة فتح/الانتفاضة منه.

نتائج الزيارة الثانية

ولكن ماذا تم في الزيارة الثانية من نتائج مباشرة وملموسة؟

المعلومات تشير إلى أن العنوان الأساسي الذي طغى على لقاءات وفد منظمة التحرير الفلسطينية مع مختلف الجهات السورية الرسمية، والفصائلية الفلسطينية بمجموع قواها الأربعة عشر فصيلاً في الساحة السورية بعد غياب مندوب حركة حماس، ومع الهيئات الفلسطينية المجتمعية ومنها الهيئة الأهلية الفلسطينية التي تقود حالياً الأوضاع العامة لمن تبقى من الناس في مخيم اليرموك وهي هيئة فلسطينية مستقلة وغير فصائلية على الإطلاق، ومع المدير الإقليمي لوكالة الأونروا في سوريا مايكل ماكنزي، كان يتعلق بضرورة تقديم المعونات العاجلة للاجئين الفلسطينيين في سوريا والتخفيف من حدة الانعكاسات المتوقعة لما جرى ويجري في البلاد على عموم اللاجئين الفلسطينيين، خصوصاً في المخيمات والتجمعات الفلسطينية المنكوبة في سوريا.

وتلك المخيمات المنكوبة هي: مخيم اليرموك، مخيم السبينة الواقع في الريف الجنوبي لمدينة دمشق، ومخيم الحسينية الواقع في الريف الشرقي لمدينة دمشق، مخيم خان الشيح الواقع في الريف الغربي لمدينة دمشق، مخيم حندرات الواقع شمال مدينة حلب، مخيم درعا، وتجمع برزة الفلسطيني مخيم حطين وتجمع دوما.

فأحوال أهالي ومواطني تلك المخيمات الفلسطينية والتجمعات مازالت على حالها، ومازالت حالة التشرد تمثل الواقع الراهن لأكثر من 75% من أبنائها.

فيما باتت حياة من تبقى داخل مخيم اليرموك على سبيل المثال في حالة سيئة، تسوء يوماً بعد يوم مع تراجع أسباب ومقومات الحياة واستمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات وأيام طويلة، وشح المواد التموينية والتقنين في إدخالها وتوريدها للناس داخل المخيم، خصوصاً وأن الكثير من الناس مازالوا يفضلون البقاء في المخيم بالرغم من الوضع الأمني الصعب الذي مازال يحيط باليرموك من كافة جوانبه في ظل الأعمال العسكرية والقصف المتقطع والمتواصل أحياناً، وتكرار المنوال ذاته كل يوم.

عدا المصاعب الأمنية التي تحد من حركة ودخول الناس عبر المدخل الوحيد المتاح حالياً، وهو المدخل المتاح في ساعات الصباح وحتى قبل الظهر، وأحياناً يجري إغلاقه لعدة أيام.

إنجاز متواضع لكنه ملموس

إن الإنجاز الملموس للوفد الفلسطيني الرسمي من قيادة منظمة التحرير بزيارته الدمشقية الثانية تَمَثَلَ بتأكيد قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقاضي بضخ مليون دولار أميركي شهرياً من موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله لفلسطينيي سوريا، بواقع 1500 ليرة سورية لكل فرد شهرياً على بطاقة العائلة (وهو مبلغ رمزي ومتواضع جداً على كل حال) وقد وصل منه الدفعة الأولى كاملةً عن الشهر الماضي.

كما تم تأكيد مواصلة قيام وكالة الأونروا بتقديم مساعداتها للاجئين الفلسطينيين وهي مساعدات هامة (إعانات مالية وإغاثة اجتماعية وصحية ومواد غذائية) لم تنقطع منذ عدة شهور، وتحديداً مع قيام عدد من الدول الأجنبية بتلبية النداء المستعجل الذي أطلقته وكالة الأونروا بتقديم المساعدات المالية والعينية العاجلة لفلسطينيي سوريا وقد وصلت بالفعل تلك المساعدات من عدة دول أجنبية، ومن دولة عربية وحيدة هي دولة الكويت حتى الآن.

إن خطوة تقديم المساعدات المالية من قبل المنظمة لفلسطينيي سوريا، وعلى تواضع المبلغ المُقدم، خطوة جيدة، لكنها لا تلغي ولا تغطي على الإطلاق الخطوات المُنتظرة من أجل الانتقال بأوضاع الفلسطينيين في سوريا إلى حال مُغاير لما هو قائم الآن، قبل وقوع تداعيات إضافية قد تؤدي لتوالد هجرة فلسطينية كبيرة من سوريا باتجاه أصقاع المعمورة الأربع.

فهناك نحو خمسين ألف فلسطيني سوري هاجروا إلى لبنان، وستة آلاف إلى الأردن، وخمسة آلاف إلى مصر، وحوالي ألف وصلوا إلى قطاع غزة، عدا عدة آلاف وصلوا إلى دول أوروبية مختلفة، حيث تُشير مختلف المعطيات لنزوح نحو مائة ألف فلسطيني سوري إلى خارج سوريا خلال العام الثاني من عمر الأزمة السورية من أصل نحو 520 ألف فلسطيني سوري مسجلين في سوريا في قيود وكالة الأونروا وفي سجلات الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، إضافة لنحو مائتي ألف فلسطيني من غير فلسطينيي سوريا.

الحركة السياسية المطلوبة

إن الحل، أو الحلول التي ينتظرها فلسطينيو سوريا، تتعدى الموضوع المتعلق بالمساعدات المالية والعينية مع أهميتها وأهمية استمرارها، بل تتطلب تلك الحلول المنشودة تكثيف المساعي المطلوبة من أجل القيام بإجراء اتصالات مع كل الأطراف المعنية لحلحلة موضوع مخيم اليرموك وعموم التجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية بعد أن تحوّل فلسطينيو سوريا إلى ضحايا منسيين في معمعة الأزمة العامة في البلاد، مع سيادة الفاقة والتشرد في أحوالهم العامة بعد مغادرة الغالبية منهم لمخيماتهم وتجمعاتهم المنكوبة.

وبالتالي على القيادة الفلسطينية، ومعها عموم القوى الفلسطينية الفاعلة والمؤثرة كحركة حماس، أن ترفع من وتيرة حركتها السياسية والدبلوماسية مع كل الأطراف المعنية من أجل إنقاذ فلسطينيي سوريا من الوضع الصعب، ومن المآلات المخيفة التي بدأت تعشعش في نفوس الغالبية منهم مع استمرار معاناتهم اليومية في ظل نيران الأزمة السورية المشتعلة.

أخيراً، إن فلسطينيي سوريا أوّل الثورة المعاصرة، أوّل قطرات الدم النازفة، وأوّل الرصاص، يستحقون كل اهتمام، وكل متابعة جدية من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وقيادة السلطة ومن حركة المقاومة الإسلامية حماس باعتبارها القطب الرئيس الثاني في المعادلة الوطنية الفلسطينية، من أجل إنقاذهم من مأساة الضياع الجديدة التي تنتظرهم حال تفاقمت الأوضاع في البلاد أكثر فأكثر، فأين هم الآن في ميزان المنظمة؟