خبر هكذا نقض نتنياهو وزارة الخارجية -هآرتس

الساعة 09:11 ص|11 يونيو 2013

بقلم: براك ربيد

        (المضمون: تم الاقتطاع طول سنوات ولاية رئيس الوزراء الحالي من صلاحيات وزارة الخارجية الاسرائيلية بصورة تدريجية منهجية ونُقلت لتعتني بها جهات امنية ومقربون منه - المصدر).

        إن إبلاغ الدولة المحكمة العليا في الاسبوع الماضي أن اسرائيل أحرزت اتفاقا مع دولة افريقية عبرت عن استعداد لاستيعاب مهاجري عمل من أريتيريا، أصاب قسم افريقيا في وزارة الخارجية بصدمة. وقد نبع شعور الدبلوماسيين الاسرائيليين بالحيرة من أنهم لم يعرفوا شيئا عن الاتصالات التي أجراها حاغي هداس، مبعوث رئيس الوزراء الخاص بتلك الدولة.

        وحل غضب حقيقي على هداس سريعا محل الحيرة. "عملنا مع هداس وساعدناه في كل ما طلبه"، قال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية، "تجولنا في عواصم افريقيا شهورا محاولين ان نجد دولة توافق على استيعاب اريتيريين وتلقينا فجأة ركلة في وجوهنا من طرفنا خاصة. إننا نشعر حقا بأننا مغفلون".

        قبل ذلك ببضعة ايام حدثت حادثة مشابهة، فقد أجرى مستشار الامن القومي يعقوب عميدرور توجيها خاصا لسفراء الاتحاد الاوروبي في اسرائيل. ولم يُجهدوا أنفسهم في ديوان رئيس الوزراء بابلاغ ممثل وزارة الخارجية أو بدعوته الى التوجيه. وسمعوا في وزارة الخارجية بوقوع ذلك بعد ذلك فقط. "يفهم السفراء الاجانب الرسالة ويعون ان وزارة الخارجية غير ذات صلة من وجهة نظر رئيس الوزراء"، قال مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية.

        إن طائفة من المديرين الكبار في وزارة الخارجية تحدثت اليهم صحيفة "هآرتس" من اجل اعداد هذا التقرير لم تفاجئهم هاتان الحادثتان. فهم يجعلونهما علامة طريق اخرى في الانتقاض البطيء لجهاز الخارجية الاسرائيلية. فقد أصبح الالتفاف على وزارة الخارجية وإقصاء الدبلوماسيين المختصين بواسطة مبعوثين شخصيين وتسويات سياسية وجعل الوزارة غير ذات صلة بمسار اتخاذ القرارات السياسية – الامنية، أصبح عملا مقبولا في مدة ولاية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

        استعمل نتنياهو الى جانب حاغي هداس في افريقيا، يوسف تشحنوبر، مبعوثا خاصا لاتصالات المصالحة مع تركيا مع إقصاء شبه مطلق لوزارة الخارجية. وفوّض نتنياهو الملف الفلسطيني الى محاميه الخاص اسحق مولخو الذي عرفوا في وزارة الخارجية بعمله من اشاعات فقط أو أحاديث مع دبلوماسيين اجانب. وفي كل ما يتعلق بالعلاقات بالولايات المتحدة يتصرف نتنياهو تصرفا مشابها. إن رؤساء وزارات سابقون ايضا ركزوا في أيديهم العلاقات بالبيت الابيض لكن هذه الظاهرة بلغت عند نتنياهو ذروة جديدة. ان السفير في واشنطن، مايكل أورن، وهو تعيين سياسي من نتنياهو، يعمل وحده مع الادارة الامريكية ومع ديوان رئيس الوزراء ويُقصي فريق السفارة ومقر عمل وزارة الخارجية في القدس.

        وتبدو صورة مشابهة من منظومة العلاقات بدول مهمة اخرى. فنتنياهو يرى السفارتين في القاهرة وفي عمان عقارين رمزيين فقط. وهو يفضل ان يعالج جهاز الامن العلاقات بهاتين الدولتين. فقد ألقى بالمسؤولية عن العلاقات بمصر على الجيش الاسرائيلي ووزارة الدفاع وتم تنظيم زياراته للاردن ولقاءاته مع الملك عبد الله من وراء ظهر السفير الاسرائيلي.

        نُقلت مجالات عمل كاملة تتعلق بالسياسة الخارجية في السنوات الاخيرة من وزارة الخارجية. فقد نقل نتنياهو مكافحة سلب اسرائيل شرعيتها ومقاطعتها وهو موضوع تقليدي لوزارة الخارجية لتتولى المسؤولية عنه وزارة الشؤون الاستراتيجية مع مخصصات تبلغ عشرات ملايين الشواقل. وفي مقابل ذلك وفي حين أُضعف قسم الجاليات في وزارة الخارجية وشُل تماما، يُنفق على مكتب حكومي خاص لشؤون القدس والجاليات عشرات ملايين الشواقل كل سنة.

        وقد زاد الوضع حدة منذ ان نشأت الحكومة الجديدة. فان الشعور بانحطاط الروح المعنوية يتم الشعور به جيدا في الأروقة الرخامية للمبنى المدهش عند مدخل دار الحكومة في القدس. وقد زار وزير الخارجية بنيامين نتنياهو هذه الوزارة مرة واحدة في الاشهر الثلاثة الاخيرة. ويمكن أن نشبه وضع وزارة الخارجية الاسرائيلية بوضع سيارة فخمة تنتظر صاحبها في الموقف لكنها تُحل الى قطع غيار في تلك الاثناء تُسلم بطريقة كل من سبق فاز. وبعد أن لم يُعين نتنياهو وزير خارجية بحقيبة كاملة لكون ذلك جزءا من صفقة سياسية مع افيغدور ليبرمان خلق من العدم وزارة خارجية بديلة لها اسم مغسول هو "مكتب العلاقات الدولية" كان هبة سياسية لمقربه يوفال شتاينيتس. والى ذلك جعل نتنياهو قطع وزارة الخارجية عن الشأن الفلسطيني رسميا ونقل المسؤولية عن ذلك الى وزيرة القضاء تسيبي لفني.

        يوجد في وزارة الخارجية اليوم غير قليل من الناس يشتاقون الى افيغدور ليبرمان. فقد زاد هذا الأخير كثيرا ميزانية الوزارة العامة وافتتح ممثليات جديدة بل حاول ان يُحسن شروط خدمة الدبلوماسيين. وفي مقابل ذلك لم يُظهر وزير الخارجية السابق اهتماما خاصا بالعمل السياسي لوزارة الخارجية.

        لم يُلق ليبرمان بثقله السياسي من اجل تقوية مكانة وزارة الخارجية في مواجهة الجهاز الامني فيما يتعلق بالشراكة في اجراءات اتخاذ القرارات. وقد وبخ الدبلوماسيين على الدوام لأنهم يتضاءلون في مواجهة أمم العالم ولا يحافظون على الكرامة القومية. وسمع أفكار العاملين في وزارة الخارجية لكنه رفض أكثر الوثائق التي قدموها اليه رفضا باتا ودسها في الدرج ولم يأخذها معه الى مباحثات المجلس الوزاري المصغر.

        إن توجه بنيامين نتنياهو نحو وزارة الخارجية اسوأ كثيرا لأنه يشمل الاشمئزاز والاستخفاف والارتياب. ولا يرى نتنياهو وزارة الخارجية جسما يجب ان يشتغل حقا بقضايا سياسية أمنية. وقد قال مستشار نتنياهو للامن القومي يعقوب عميدرور في واحد من حضوراته في أحد اجتماعات السفراء إنه يُفضل ان تحصر وزارة الخارجية عنايتها في الدعاية والأنشطة الثقافية والمساعدة الدولية في مجالي الزراعة والطب.

        ويُقدم تقرير مراقب الدولة عن القافلة البحرية الى غزة مثالا على ذلك أوضح من كل شيء. فقد فضل نتنياهو الاعتماد على جهاز الأمن على الاعتماد على الدبلوماسيين. وقد رأينا النتيجة على متن "مرمرة". أما في القافلة التالية فكانت وزارة الخارجية قد تدخلت وأوقفت خروج السفن بطرق دبلوماسية.

        إن نتنياهو الذي كان في ثمانينيات القرن الماضي سفيرا في الامم المتحدة ونائبا لوزير الخارجية بعد ذلك، نمّا لنفسه صورة سيد الاعلام والدعائي الأكبر والدبلوماسي صاحب الفضل. وهو يعتقد أن أكثر الدبلوماسيين المختصين لا يبلغون عُرقوبه. وهو يعتقد ايضا مثل ليبرمان ان سفراء اسرائيل لا يواجهون كما ينبغي الانتقاد على اسرائيل ولا سيما في القضية الفلسطينية.

        إن رهاب نتنياهو من الانباء المسربة الى وسائل الاعلام يُحرك جزءا كبيرا من شكوكه في وزارة الخارجية. ففي الوقت الذي يتحفظ فيه رئيس الوزراء من توثيق لقاءاته السياسية ويمتنع عن الاشراك في المعلومات، يقوم عمل وزارة الخارجية على الجمع بين البرقيات الدبلوماسية ونشرها نشرا واسعا لتشجيع الحوار وتبادل الرأي والأفكار. وقد وجه نتنياهو والعاملون معه السفراء أكثر من مرة الى عدم اجراء تسجيل وعدم نشر برقية توجز لقاءاته مع قادة اجانب.

        أما ما يتعلق بالشعور بالاشمئزاز فهو ينبع من اسباب سياسية. إن انقضاض مستشار أمنه القومي عميدرور قبل بضعة أشهر على سفراء تجرأوا على ان يسألوا اسئلة تتعلق بسياسة الحكومة المتعلقة بالبناء في المستوطنات لن يُنسى سريعا في وزارة الخارجية. "اذا كانت عندكم مشكلة فانكم تستطيعون الاستقالة والترشح للكنيست"، قال عميدرور للسفراء آنذاك. "يرانا نتنياهو في الخلاصة جماعة من اليساريين الطيبي النفوس"، قال أحد كبار مسؤولي وزارة الخارجية مكث ساعات كثيرة جدا مع نتنياهو. "ان حلمه هو أن ينقض الوزارة ويبنيها من جديد مع عاملين آخرين يوافقون صورته وشخصيته وآراءه".

        إن جهاز الامن شريك مركزي في اجراء إضعاف وزارة الخارجية لأن قادة الجيش على يقين مثل نتنياهو من ان كل ما تستطيع وزارة الخارجية فعله يستطيعون هم فعله على وجه أفضل. وبدل ان يعمل الجيش في تعاون يُقصي وزارة الخارجية من جهة ويتهم العاملين فيها بتسريب الأنباء من جهة اخرى. فليس عجيبا اذا ان الجيش الاسرائيلي والموساد و"الشباك" لم تفكر مرتين قبل ان تساعد على فض الاضراب في وزارة الخارجية واتهمت الدبلوماسيين بعد ذلك بالاضرار بأمن الدولة. "الوضع غير ممكن"، زعم دبلوماسي رفيع المستوى، "إننا نناضل في الخارج سلب اسرائيل شرعيتها ونناضل في هذه البلاد سلب وزارة الخارجية شرعيتها في الداخل".

        لكن ليست المسؤولية كلها على نتنياهو أو ليبرمان أو جهاز الامن لأن بعض تبعة الوضع الذي دُفعت اليه وزارة الخارجية مُلقى على أبواب العاملين فيها. فبدل الحث على المثابرة والمبادرة تشجع الثقافة التنظيمية في وزارة الخارجية على التوسط وتقمع الابداع. وإن الوهم والعجز هما جزء من المورثات الجينية لوزارة الخارجية الاسرائيلية. والدليل على ذلك ان وزارة الخارجية لم تنجح في السنوات الاخيرة في ان تُبرز من صفوفها مديرا عاما أهلا وقويا يستطيع ان يقوم مساويا بين متساوين مع جنرالات الجيش الاسرائيلي أو مسؤولي "الشباك" والموساد الكبار. وقد كان المديران العامان الاخيران – وهما الدبلوماسيان المختصان يوسي غال ورفائيل براك – ضعيفين غير مشعور بهما. فهما لم يُصرا من جهة على الرأي المختص لوزارة الخارجية في مقابل المستوى السياسي وتم دوسهما من الجهة الاخرى تحت اطارات جهاز الامن.

        ولا يوجد الى ذلك في وزارة الخارجية الاسرائيلية أية ثقافة مكافأة وعقاب. فالخلل في العمل لا يُحقق فيه، والسفراء الكسالى لا يُوبخون والدبلوماسيون الممتازون لا يُرفعون. وإن جزءا من العاملين في وزارة الخارجية يصابون في مرحلة مبكرة جدا من حياتهم المهنية بحب السفارة وتحركهم اعتبارات الأنا واحترام النفس أكثر من التمسك بالمهمة والرغبة في تقديم السلعة.

        ستجتمع هذا الصباح لجنة الخارجية والامن في الكنيست من اجل تباحث خاص يتعلق بالاضراب في وزارة الخارجية. وسينعقد بعد ذلك مباشرة اجتماع مشابه في لجنة العمل والرفاه يتناول استعمال نتنياهو لجهاز الامن في فض الاضراب. وسيتظاهر خارج الكنيست في ذلك الوقت مئات الدبلوماسيين طالبين تحسين أجورهم ووقف سحق مكانة وزارة الخارجية الاسرائيلية. وقد هاجم نتنياهو في التباحث الذي تم أمس في لجنة الخارجية والامن العاملين في وزارة الخارجية بشدة وزعم ان اضرابهم يضر بأمن الدولة. فقد قال نتنياهو: "سلوكهم سيء الأثر. واضرابهم ليس من اجل المال بل لرغبتهم في ادارة امور الوزارة". وأضاف المقربون من نتنياهو انه "من المؤسف جدا ان العاملين في وزارة الخارجية لا يساعدون على زيارة رسمية لرئيس الوزراء الى اوشفيتس ولا يزيدهم هذا احتراما".

        إن ظروف العمل البائسة للدبلوماسيين قياسا بنظرائهم في الجماعة الاستخبارية وجهاز الامن ذات صلة وثيقة بمنزلة وزارة الخارجية المتدهورة. فحينما لا يكون وزير ذو عمل كامل وحينما يُقصى العاملون في وزارة الخارجية ويُبعدون عن مسار اتخاذ القرارات السياسية الامنية وحينما يوحي رئيس الوزراء بأنه يرى ان الحديث عن وزارة غير ذات صلة، فلا احتمال لأن يطرف لوزارة المالية جفن في كل ما يتعلق بتحسين أجور الدبلوماسيين.