خبر المؤتمر القومي العربي ينتصر لرسالته.. محمد السعيد إدريس

الساعة 07:36 م|10 يونيو 2013

عقد المؤتمر القومي العربي دورته الرابعة والعشرين في مصر يومي 1 و2 يونيو/حزيران الحالي بعد غياب دام خمسة عشر عاماً . فالمؤتمر الذي تأسس عام 1990 في ظروف عربية شديدة القسوة والمرارة شهد فيها غزو صدام حسين للكويت واحتلالها سبق أن عقد في القاهرة عام ،1998 ومنذ ذلك الوقت لم يستطع أن يعقد أياً من دوراته في مصر، لأن النظام المصري كان من بين الأدوار التي كلف بأدائها مواجهة التيار القومي العربي والقصاص منه ومحاصرته وإبعاده نهائياً عن أي موقع للتأثير، وهذه سياسة ورثها نظام مبارك من نظام أنور السادات، الذي انقلب منذ مايو/أيار 1971 على نظام جمال عبدالناصر، وانتهج سياسة تصفية العهد الناصري والانحياز كلية إلى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ومن يتحالف معهما لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء كل أمل في الوحدة العربية .

وأستطيع أن أقول إن اللجنة التحضيرية للمؤتمر التي تشرفت برئاستها وجميع الجهات الرسمية المعنية في مصر تعاونت تعاوناً لا نظير له وكان في مقدمة هؤلاء تلك الصفوة الرائعة من شباب الثورة من أبناء التيار القومي الناصري والقيادات الناصرية البارزة .

ولم يمنع أحد من دخول مصر بقرار رئاسي مدعوم بالموافقات الأمنية، وكانت المفاجأة هي الإقبال المذهل من أعضاء المؤتمر للمشاركة خاصة أن المؤتمر عقد على مشارف ميدان التحرير في رسالة واضحة تقول إن المؤتمر القومي العربي يدعم الثورة المصرية وكل الثورات العربية، ويرى أن هذه الثورات هي من سيجدد الأمل العربي في الوحدة وإنجاح المشروع القومي العربي بكل تفاصيله وأهدافه في الديمقراطية والاستقلال الوطني والقومي والعدل الاجتماعي والتنمية المجتمعية الشاملة المستدامة والتجدد الحضاري . وكان على المؤتمر أن يؤكد ذلك عملياً، ومن هنا جاء اقتراح اللجنة التحضيرية على الأمانة العامة والأمين العام للمؤتمر أن يتحدث واحد من رموز شباب الثورة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر وأن يتحدث حمدين صباحي كعضو سابق بالأمانة العامة وكرمز للناصرية والثورة ليقول كلمة مصر أمام المؤتمر .

كان الحرص على إنجاز مسيرة المؤتمر هدفاً لكل التيارات، لكن كانت هناك خصوصية لتمكين العلاقة بين التيارين القومي والإسلامي وتجاوز سلبيات التجارب السابقة، والحرص على جعل العروبة والإسلام ركيزتين لمشروع نهضة الأمة، وأسفر هذا الحرص عن تأسيس المؤتمر القومي الإسلامي ليكون رديفاً داعماً لمسيرة المؤتمر القومي العربي وأهدافه ولتقوية وتطوير العلاقة بين التيارين .

كل هذا تبدد، للأسف، بعد موجة الثورات العربية ووصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في تونس ومصر على وجه الخصوص، وحرصهم على الاستئثار دون غيرهم بالحكم والتنكر لكل وعود الشراكة الوطنية الجامعة، ما أدى ألى تفاقم الاحتقان الشعبي ضد حكم الإخوان في مصر وتونس، وأخذ هذا الاحتقان يتفاقم خلال الأشهر الماضية مع كل فشل وإخفاق لحكم الإخوان، ومع كل هدر وتفريط في أهداف الثورات .

كل هذا تفجر داخل المؤتمر القومي العربي بسبب ما جرى في الجلسة الافتتاحية من صخب وتوتر أمكن احتواؤه من جانب عقلاء المؤتمر خاصة بعد مجيء راشد الغنوشي ولقاءاته مع رموز التيار القومي داخل المؤتمر والتوافق على ضرورة نبذ الفرقة ووضع أسس وقواعد لحوار جاد قائم على احترام الإخوان  لمبدأ “الشراكة الوطنية” واحترام مطالب المعارضة .

الأهم من ذلك أن المؤتمر، باعتماده مبدأ حرية الرأي، والثقة في أن تعقيدات الواقع العربي الراهن لا يمكن معالجتها عن طريق القبول بالاستبداد بذريعة مقاومة التدخل الخارجي، ولا باستدعاء التدخل الخارجي بحجة التخلص من الاستبداد، استطاع أن يتجاوز تلك العقبة بالتأكيد على دعم حق الشعب العربي السوري في نيل مطالبه في الحرية والكرامة والتغيير الديمقراطي وبناء دولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، والحفاظ على سوريا موحدة أرضاً وشعباً ورفض كل أشكال التدخل الخارجي، وإعطاء الأولوية لوقف فوري للقتال وإدانة كل الحلول العسكرية، ودعم انعقاد “مؤتمر جنيف - 2” وبدء مرحلة انتقالية تضمن الانتقال السلمي للسلطة والدعوة إلى نظام سياسي ديمقراطي تعددي يختاره السوريون من دون ضغوط أو إملاء من أحد.

هذه المواقف بقدر ما حققت من توافق بقدر ما اعتبرت انتصاراً لمسيرة ومشروع المؤتمر القومي العربي ونجاحاً لدورته الرابعة والعشرين بالقاهرة التي اعتبرت من أهم دورات المؤتمر بفضل الإقبال الشديد من الأعضاء على المشاركة وبفضل الثورة وشبابها وشهدائها .