خبر بعد 46 عاماً من الاحتلال ..المجتمع الاسرائيلي أكثر صهيونية وعنفاً واحتلالاً

الساعة 11:12 ص|10 يونيو 2013

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية (9/6/2013)

قبل هزيمة 67 كان بعض يسار فلسطينيي الـ48 يحلم بتحول كيان اسرائيل المغتصب الى كيان دولة طبيعية، قد يشق طريقا لتحولات ديمقراطية واجتماعية وصراعات طبقية كما يحدث في كل بلاد الدنيا، تؤدى الى تعظيم القيم الانسانية وأهمها قيم العدل والحرية والمساواة، وبعد توقيع اتفاقية أوسلو اعتقد تيار واسع من النخب السياسية والثقافية لفلسطينيي الارض المحتلة 67 ان كيان اسرائيل يدخل عهد ما بعد الصهيونية، أي اسرائيل بلا صهيونية، بلا عدوان واحلال، بلا كراهية الاخر، وان الشعب الاسرائيلي أصبح شعبا ككل الشعوب يمقت احتلاله لشعب آخر، وانه يقترب أكثر فأكثر من الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وان بإمكاننا المراهنة على التطورات والتجاذبات السياسية داخل الحلبة السياسية والمجتمعية في إسرائيل، وما علينا الا تشجيعهم عبر تقديم خطاب سياسي معتدل يطمئنون اليه، تنتفى معه هواجسهم ومخاوفهم وشكوكهم المتعلقة بمستقبل وجودهم ليتسلح به المعتدلون منهم في صراعهم مع اليمين، وقد شجعهم على هذا الاعتقاد الكثير من الاقوال المعسولة لأمثال شمعون بيرس وبيلين وسريد وغناء رابين "للسلام" وظهور عدد من الباحثين في تاريخ النكبة داخل الاكاديمية الاسرائيلية الذين أطلق عليهم المؤرخون الجدد الذين شكلوا نواة لتيار "ما بعد الصهيونية "مع مجموعة من الادباء والنخب الليبرالية اليسارية، علاوة على انتخاب ايهود باراك سنة 1999، الذى اعتبره بعض الصهاينة كرئيس الوزراء الأول لما بعد الصهيونية في حملة تسويق وتضليل غير مسبوقة.

وفى هذه الأيام تمر علينا الذكرى الـ65 لاحتلال كل ما تبقى من فلسطين، وعلى الرغم من كل الاعتدال الذى يمثله الرئيس عباس والجامعة العربية، اعتدال يصل حد المهانة والاستجداء، فإن من حقنا ومن حق العالم أجمع ان يسأل مستنكراً اين هو موقف الشارع الاسرائيلي من استمرار الطرد والاحلال والقتل والعدوان الذى يمارس بأبشع صورة ضد الانسان والارض والشجر والتاريخ والثقافة والهوية والذاكرة وحتى ضد عظام الأموات؟ أين هي النخب الاسرائيلية من ذلك؟ لقد رأيناهم يخرجون ويحتجون لأهداف اجتماعية واقتصادية، ينتقدون ويعارضون كل اشكال الانفاق الحكومي التي يعتبرونها في غير محلها، لكن ما يتصل بإنفاق المليارات على المشروع الاستيطاني وعلى تكلفة الاحتلال، فلا أحد يلوم أو ينتقد، فكلهم وطنيون، وبات الاستيطان يمثل اجماعاً صهيونياً، انه أمر شديد الغرابة وغير مسبوق في التاريخ الانساني أن يساند تجمع بشرى بأسره بكل أطيافه وطبقاته ونخبه احتلاله لشعب آخر على مدار عقود  طويلة، هذا أمر لم يحدث حتى في دولة الأبارتهايد الجنوب افريقية، انه مجتمع من القتلة المتعصبين الذى يعيش على أساطير مزعومة خلقتها ورعتها الصهيونية، نشأ بحق القوة ولا يفهم غيرها لغة، ويجيد كل أشكال الخداع والتضليل مسنوداً بكل امكانيات الصهيونية العالمية التي توفر له دعم دولي يصم أذنيه ويغلق عينيه عن جرائمه بحق الانسانية.

انه تجمع استيطاني احلالي وظيفي لا تنطبق علية قوانين المجتمعات الإنسانية؛ لأنه ليس منها والاستيطان والعدوان والاحلال "أحد أهم أدوات الصهيونية وغايتها" ستبقى أحد أهم مركباته البنيوية لأنها مرتبطة به بشكل عضوي، فلا حياة لأحدهما دون الآخر.

 

من صهيونية سياسية الى صهيونية توراتية

ان حلم صهيونية التيار المركزي قديماً الذى كان يمثله حزب "مباي" و"العمل" لاحقاً وامثال بيرس اليوم ان يستسلم الفلسطينيون لقدرهم وأن يسالموا الاحتلال وأن يقبلوا برضى وامتنان أي تغيير إيجابي على حياتهم تقترحه عليهم اسرائيل يفضى الى تغنم اسرائيل بالأرض والشرعية والسلام والامن؛ هذا الحلم الصهيوني وجد تعبيراته في المبادئ التي قامت عليها اتفاقية أوسلو وأصرت عليها حكومة رابين بيرس، ومن بينها: ان حرب العام 1948 ونتائجها ليسا موضوعاً للتفاوض، وان المدى الإقليمي والجغرافي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني محصور بالمناطق التي احتلت عام 67 باستثناء القدس ومحيطها وفى هذا المدى يجب أن يتحقق الحل الدائم للنزاع، وتمسك اسرائيل بإملاء شروط التسوية، وبقاء السيادة الاسرائيلية على حدود الدولة الفلسطينية، ان الفلسطينيين موجودون في أسفل درجات السلم وتتوقع الصهيونية منهم ان يقبلوا أي تغيير ملموس يطرأ على حياتهم، وعليهم أن يتفهموا أن قدرة اسرائيل على منحهم  تغييراً كبيراً محدودة جداً، أي على الفلسطينيين أن يقبلوا بقاعدة "المنتصرون يفرضون شروطهم".

هذه المبادئ الصهيونية التي شكلت المنطلقات السياسية لتوجهات حكومات العمل للتسوية السياسية مع هامش مناورة يستجيب لمتطلبات الحل، كانت تحظى بشعبية كبيرة داخل اسرائيل الى ان تزايد وتعاظم تيار صهيونية توراتية أكثر عدوانية وعنفاً بات يسيطر على الحلبة السياسية الاسرائيلية يتمتع بقوة شديدة في مؤسسات الحكم والاحزاب والجيش، وله امتداد واسع في الثقافة والاعلام، هذا التيار هو مزيج من تحالف صهيوني جديد يجمع بين علمانيين متطرفين في أحزاب الليكود وليبرمان والبيت اليهودي والمستقبل والحركة وبين ممثلي الاستيطان وممثلي الصهيونية الدنية بقيادة زعماء دينيون سواء أكانوا حاخامات ام قاده دينيون ام ساسة ام مربين، وهو يفرز صهيونية جديدة متجددة أكثر حيوية واندفاعاً في عدوانيهاً، وأكثر فظاظة في كراهيتها، لا تخشى ولا تخجل من التعبير عنها ولا تختبئ خلف شعارات النيوليبرالية، انها التيار المركزي الصاعد اليوم تغيب الصهيونية الكلاسيكية وتدفن ما بعد الصهيونية، وتكشف الوجه الحقيقي لمجتمع دولة المستوطنين الذى يحمل الكراهية للأغيار سواء عرباً او مهاجرين أفارقة أو حتى أوروبيون يدعون فقط لمقاطعة بضائع المستوطنات.

ان التوجهات السياسية للصهيونية الجديدة تنطلق من رؤية ثيوقراطية توراتية تعيد طرح أرض اسرائيل الكبرى في فلسطين، وتعتبر أن أرض الضفة أكثر قداسة وارتباطاً باليهود والتوراة من تل أبيب وحيفا، وتسعى لفرض السيادة الاسرائيلية على الضفة وافراغها من سكانها عبر استمرار الاستيطان والعدوان والتضييق من جهة، وعبر التشجيع على الهجرة من جهة أخرى.

ان ما يشهده المجتمع الصهيوني اليوم يتعدى كونه مجرد انزياح سياسي نحو اليمين، انه غرق في أيديولوجية توراتية متعصبة، والانغماس الى حد التشرب لثقافة عنصرية تبتهج للدماء، وتحث على العنف ولا تقيم وزناً لأي قيم إنسانية، يسيطر عليها الجشع المادي وعنجهية القوة، وشهوة احتلال الآخر واحتقاره.