خبر أعجب من..؟! _علي عقلة عرسان

الساعة 04:40 م|08 يونيو 2013

لا يشك أحدٌ في أن معركة القُصَيْر التي جرت صبيحة الخامس من حزيران 2013 شكلت وتشكل فاصلاً مهماً بين ما قبلها وما بعدها: "عسكرياً وأمنياً وسياسياً" من حيث المعطيات المادية والروح المعنوية والأبعاد الاجتماعية ـ الشعبية العامة المؤسسة للأزمة السورية والمرتبطة بها والناتجة عنها.. لأن ما تحقق في تلك المعركة لا تقتصر دلالاته على الجغرافية، ولا على نتائجها المادية والبشرية والاستراتيجية، بل تنسحب أيضاً على أبعاد لها في اتجاهين: اتجاه الجيش العربي السوري والسياسة السورية من جهة، واتجاه المسلحين الذين يتصدى لهم الجيش ويشتبك معهم ويلاحقهم من جهة أخرى، أياً كانت تشكيلاتهم وأصنافهم وتوجهاتهم ومناطق وجودهم وتبعياتهم والجهات التي تقف خلفهم.. وستتوالى ارتدادات هذا الحدث كاشفة عمق تأثيره السلبي على من خسروا تلك المعركة من سياسيين ومسلحين ومحركين وداعمين ومستثمرين في الأزمة السورية بصورة عامة.. وتأثيره الإيجابي على من ربحها.

لا أذهب في القول إلى أن معركة "القصير.. حاسمة قاصمة"، وأرفض رفضاً مطلقاً القول الذي استُنبت باستهانة وبـ " فهلوية إعلامية" على ذاك الحدث الكبير في القصير وتتالت موجاته الكلامية دوائر ضيقة كتلك التي يسببها إلقاءُ حجر في بركة ماء، وأعني به القول: "إن الخامس من حزيران 2013 أزال، أو ينبغي أن يزيل ولو من الذاكرة السطحية أو سطح الذاكرة، آثار الخامس من حزيران 1967"؟! فلا يوجد وجه لقبول هذا القول بأي معيار ولا على أي مستوى ومدار، حتى لو كانت معركة القصير انتصاراً على الكيان الصهيوني العنصري بشروره وأبعاده الأخطبوطية.. ذلك أن آثار عدوان حزيران 1967 ما زالت احتلالاً على الأرض وعدواناً يتكرر، واستيطاناً وتهويداً وتهديداً وتفتيتاً للأمة العربية.. وهي تلك الماثلة أمامنا صباح مساء، التي ما زالت تتوالد وتتفاعل سياسياً واجتماعياً وأمنياً واقتصادياً منذ ستتة وستين عاماً وحتى الآن وتنهك بلدنا ومجتمعنا وأمتنا العربية.. ولن يضع لها حداً ويغسلنا من عارها ويزيل عنا آثارها ويشفي جراحها ويمحو عقابيلها.. إلا نصر كاسح على الكيان الصهيوني، العدو الرئيس لسورية والأمة العربية والإسلام الحق، يسفر عن تحرير للأرض والإرادة وعن هزيمة تامة له.. ولن نشعر بالنصر والزهو والأمان والاستقرار والافتخار إلا عندما نستعيد الجولان ومزارع شبعا وإقليم العرقوب وفلسطين كل فلسطين، من النهر إلى البحر، ويعود إليها الشعب الفلسطيني سيداً حراً حاكماً، وينتهي وجود الكيان العنصري الدخيل " إسرائيل" من أرضنا ومجتمعنا وفضاءاتنا السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية كافة.

من المؤكد أن ردود الفعل على حدث "القصر" كانت مشوبة بالكثير من الانفعال، وأن الإعلام غير المسؤول افتعل وافتعل من دون حساب أو رادع أو عقاب.. وقد ذهبت بعض المعارضات إلى حد الهوس في إنكار ما حدث واستنكاره، ومضى بعضها إلى ابتكار يشبه السحر والخرافة في تطلع إلى تغيير وجه الحدث، فجعلت "اسفلت" شوارع مدينة القصير ينفجر في الجيش العربي السوري الذي يتجول فيها، وبشَّرت بأن ما جرى مجرد " تكتيك" وبأن الهجوم الارتدادي قائم وقادم وحاسم، وبأن.. وأن..؟؟ ولكن.. لا الأرض في تلك المواقع ابتلعت السائرين فوقها، ولا الحماسة في الطرف المقابل أنهت وجود المسلحين والخطر والتطرف وفصول المأساة.. وحتى السيء الذكر جون ماكين بقي وأشباهه من الحاقدين على سورية كلها وعلى عرب خارج جيوبه، بقي وبقوا على سعيهم الشيطاني للعبث بنا، وكرروا وعدهم ووعيدهم وتهديدهم بتغيير دفة الأحداث وفق ما يشتهي الأميركي ـ الصهيوني الذي يستمتع بنزيف دمنا حتى الموت وبضعفنا حتى الهلاك. وقد برزت مواقف متشددة في بيانات وتصريحات ومواقف لأحزاب وتنظيمات وتجمعات وفي كلمات لمسؤولين وأشخاص معنيين أو متابعين أو.. أو.. لا أحسبها إلا خطِرة على كل من يأخذ بها، لأنها تنادي بمزيد من الاقتتال، وتنشر الكراهية والحقد، وتؤسس أكثر فأكثر وأشد فأشد.. لفتنة مذهبية كريهة " سنية ـ شيعية" إن اشتدت لن تبقي ولن تذر.. وهم يفعلزم ذلك في وقت الدعوة لمؤتمر يقال إنه يسعى لحل سياسي للأزمة السورية الخانقة؟! ولا أحسب أن أصحاب ذلك النهج التهييجي الدموي إلا ضحايا لمن يسوسهم ولما توسوس لهم به نفوسهم وما يمنونها به، والنفس أمارة بالسوء.. وهم إلى ابن سلول أقرب منهم إلى أي مسلم واعٍ مدرك تقيٍ مسؤول، إنهم صانعو الغلو ومثمّروه ومستثمروه، وهم محرّك ما يطحنهم ويطحن سواهم من شهوات وأحقاد وتحديات ومكابرات، وإن فيهم وفي دعواهم خطراً على الحياة وحق الإنسان في الحياة، وعلى المنطق والعقل والحكمة، وعلى المجتمعات والدول والشعوب، وعلى المعارضات والأنظمة، لأن دافعهم الجهل ووسيلتهم القتل ودافعهم البغضاء، وهم أبعد ما يكونون عن روح القيادة والمسؤولية والحكمة والرشد والريادة على كثرة في الادعاء، ولا يهمهم ما يُراق من دماء ولا ما يُزهق من أرواح الأبرياء وغير الأبرياء.. ولا تعني لهم المعاناة البشرية المأساوية في سورية شيئاً، بل هم يحولون تلك المعاناة إلى سلع وتجارات ومغذِّيات للانتهاكات والبؤس واليأس وتعقيد الأمور.. إن أولئك يعنيهم أن يرتفعوا على أكوام الجثث، وأن يسيروا فوق سجاد أحمر ينزّ دماً وينبعث من تحت أقدامهم أنين الجرحى والأبرياء والفقراء ومن يكتوون بنار الحروب والكوارث والأزمات التي تستثمِر فيها السياسات وتكثر فيها التجارات.. وهو شأن أناس هم أقرب إلى مرضى يستشفون بذل الناس وقتلهم مما في أنفسهم من مرض وفي شخصياتهم من ضعف وجبن وعَتَهٍ وغل.. وتراهم يزأرون في مكبرات الصوت من وراء جدران الفنادق والقصور من وراء البحار والصحارى والبوادي.. يريدون "نصراً" بأي ثمن، حتى لو هلك كل من في الخنادق والشعب والنصر والانتصار.؟!! إن ذلك النوع من البشر لا يؤتمن على قضية، ولا على روح بشرية، ولا على وطن، ولا على أمة، ولا على قيم، ولا على عقيدة، ولا على ثقافة وحضارة.. فكيف يقودونا أمثال أولئك إلى مزيد مناقع الدم والخراب وأنواع الدمار المادي والمعنوي ونحن نركض أو نصمت؟! وكيف نتبعهم ونتبع من يحركهم ممن يقودوننا إلى حتوفنا، ونفعل ذلك من دون وعي منا ومن دون تبصر بما يجري لنا ولغيرنا ولوطننا وأجيالنا وأمتنا، ومن دون تراجع عما يزحلق أقدامنا إلى المهاوي ويجر رقابنا إلى المقاصل؟! نفعل ذلك ويُفْعَل بنا ذلك بينما جثث أحبتنا وقبورهم وقبورنا ومقابرنا أمامنا، ودمنا يجري تحت أقدامنا.. وكل ذلك دروس وعِبر وما من معتبِر.؟!

 إن الأيام القادمات حبالى بالكثير من الأحداث، والحدث أياً كان سببه ومسببه وحجمه والقائم به، يُترجم في الحرب إلى جثث ودمار وتشرد ومآسٍ تصيب الناس، ونحن نعي هذا ونتوقعه لأننا ما زلنا في مستنقع الدم والحقد والحرب نعسكر ونسير.. أفلا يليق بنا، وقد رأينا ما رأينا وعانينا ما عانينا، أن نتوقف قليلاً للتدبر والتفكير في المآل والمصير؟! وإذا كان من الجلي لكل ذي بصر وبصيرة وعقل وضمير أن مؤتمر جنيف 2 الذي يتم التوجه نحوه بعد عشرات الآلاف من الضحايا والجرحى، وملايين المشريدن والمهجَّرين والمعذبين، وبعد سبعة وعشرين شهراً من عمر الأزمة الكارثة.. هو مؤتمر حوار يؤدي إلى حل سياسي أصبح يأخذ به أكثر العالم ويفضله ويسعى إليه، على الرغم من وجود من يزرع الطريق إليه ألغاماً ومكائد ومصائب، وأنه يجيء بعد رفض مطلق من بعض أطراف الأزمة السورية لمبدأ الحوار استمر وما زال لبعض ذلك الرفض ظلال.. فلماذا لا تقبل عليه كل الأطراف المعنية بالأزمة السورية بحسن نية، فنختصر الزمن ونوفر قتلى ودماراً ومعاناة وما لا يحصى من أمور مهمة أخرى؟! إنه ليعلم حق العلم من يريد أن يعلم ويذكر من يريد أن يتذكر.. أنه منذ الأسابيع الأولى للأزمة قال قائل البعض " لا حوار.." وكان ذلك خلل وخطل في السياسة، واليوم يدرك ذلك البعض بأنه أمام بوابة الحوار، وأنه داخلها لا محالة من دون شروط على الرغم من أنه يشترط ما يشترط لكي يدخلها.. فلم التردد وإلى متى في الدخول الحتمي، حسب سياق الأحداث والمعنيين بها، إلى حوار يسفر عن حل ويحقن الدماء ويحقق ما هو في صالح الشعب والبلد مما يتم عليه الاتفاق؟! والكل يدرك، لاس يما أولئك الذين يعنيهم أن يقرأوا درس القصير وسواها من المعارك والمواجهات، ومن يستخلصون العبر من دروس الشعوب والدول وتجاربها في الحروب.. أنه لا معدى عن الحوار بين العقلاء والحكماء والمسؤولين والساسة الجديرين بموقع ومكانة ودور في السياسة، لحل المستعصي من الصراعات والأمور والقضايا؟ كما يدرك أن العنف الدامي والعسكرة ومنطق القوة واستعداء من يُستعدى بشتى السبل والوسائل، ومنها "استخدام الكيمياوي"، لن يزيد إلا في الموت والدمار والخرائب والمصائب التي تلحق بالوطن والشعب والدولة.؟!

أعجب، ويحق لي ولغيري أن يعجب، من ساسة يقاتلون بالناس، وبأس لا يحكمه عقل في الراس، وعلم لا ينفع الحياة والناس، وحكم لا يقوم إلا بالرصاص، ومن زعامات تنمو وتكبر وتنتفش كلما تغذت بالدم وتعثرت بالبؤس، ومن أمة تستقيل من حضورها وحاضرها وتركض وراء ظلال الأمم، وتختم قلوب أبنائها وعقولهم باليأس.

ألا إن لله في خلقه شؤؤون.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.