خبر ليس ربيع اسطنبول -معاريف

الساعة 07:28 ص|05 يونيو 2013

بقلم: نداف ايال

        (المضمون: الاحتجاج في تركيا هو محاولة ليبرالية للتغيير، فرص نجاحها قليلة. فهو يشبه بشكل أكبر، في طبيعته وفي تركيبته البشرية، حركات occupy الامريكية من ان تشبه ميدان التحرير في القاهرة - المصدر).

        ما تشهده عيوننا في تركيا هو على ما يبدو ليس ربيع اسطنبول، في اقصى الاحوال هو ربيع براغ: محاولة ليبرالية للتغيير، فرص نجاحها قليلة. فالاحتجاجات في تركيا تشبه بشكل أكبر، في طبيعتها وفي تركيبتها البشرية، حركات occupy الامريكية من ان تشبه ميدان التحرير في القاهرة. بتعبير آخر: النخب على أنواعها، الى جانب جماعات سياسية مقموعة ومكبوتة، تخرج الى الشوارع لانعدام فرص التغيير من خلال الساحة السياسية المؤطرة.

        حركة اردوغان، حزب العدالة والتنمية التركي، تخلى في السنوات الاخيرة عن ادعائه بان يجمع تحت علمه في نفس الوقت التقليدي والليبرالي البرجوازي. وحذر اردوغان بنفسه هذه السنة من أنهم لن يعودوا يدعمونا وكان يعرف عما يتحدث. وبقدر اكثر فأكثر تخلى حزبه عن الغطاء الرقيق الذي حرص عليه وبدأ يكشف النقاب عن المواقف والسياسات التي تتسلل الى حياة المواطنين ممن يرى الكثيرون منهم أنفسهم كعلمانيين بوضوح. لقد تحدث رئيس الوزراء التركي عن أن "الاجهاض هو قتل" فأثار غضب المنظمات النسائية. وقيد بيع الكحول باساليب متنوعة وهذا الميل يتعزز فقط. مشاريع طموحة، وعلى رأسها بناء الجسر الاضافي على البوسفور جاءت لتجسد ارثا عثمانيا على أفضل التقاليد الداخلية لحزب العدالة والتنمية الذي ينشغل بكثافة باعادة مكانة تركيا كزعيمة الخلافة.

        الطبقات المدينية، الميسورة والعلمانية كان يمكنها أن تدحر الحركات الاسلامية طالما عبرت هذه عن نفسها في نمط حياة الافراد (لنقل، مزيدا من النساء المحجبات في الشوارع). ولكن الضغط المتصاعد لهذه السياسة جاء من فوق، من الحكومة نفسها. فقد تحولت نزعة المحافظة الشعبية لدى اردوغان بالنسبة لهذه الطبقات الى اكراه ديني حاد.

        ما خدم اردوغان هو بالطبع التعزز الموضوعي لمكانة تركيا واقتصادها. اين انقرة واين الاتحاد الاوروبي الذي درج ذات مرة على اهانة الاتراك الذين دقوا ابوابه. اما اليوم فالاتراك يثبتون نموا اقتصاديا قويا وثابتا فيما ان الاوروبيين هم الذين يلحقون بهم. طبقة جديدة من الاغنياء ترسخت في الدولة الجديدة الناشئة. وأمس ظهر اردوغان وسأل، وعن حق، كيف كانت تبدو اسطنبول قبل أن يصبح رئيس البلدية وبعد ذلك رئيس الوزراء. وكان هذا سؤال في مكانه: فقد كانت المدينة مهملة، تعاني من التلوث الشديد، وكانت توشك على الافلاس. ولكن النجاح كان يمينيا صرفا: الاغنياء ازدادوا غنى، الدولة تنمو، والكن الفارق بين الفقراء والاغنياء اتسع جدا. والمعارضة تشعر بان اردوغان يشطب كل أمل في ان تعود في أي يوم الى الحكم.

        في دمي لا يجري الطغيان، هتف أمس اردوغان (وهو يهتف احيانا في خطاباته على سبيل الاسلوب)، وهكذا لذع المعارضة التي من داخل صفوفها ومن صفوف الجيش الذي ايدها خرج الحكام الذين علقوا الديمقراطية في تركيا المرة تلو الاخرى. استطلاعات خارجية ودولية تجرى في تركيا تظهر أن التأييد لاردوغان قوي، ولكن قويا بقدر لا يقل عنه هو التأييد للمصالح الاقتصادية. ليس صدفة أن عذر اردوغان لهدم الحديقة كان ضمن امور اخرى مسجدا ومبنى عثمانيا كانا في المكان قبل ان يكون الرئة الخضراء ولكن في الواقع سيبنى هناك اساسا مجمعا تجاريا.