خبر المبادرة الأميركية لتفعيل المفاوضات تكريس للحل المرحلي ..حلمي موسى

الساعة 08:13 ص|03 يونيو 2013

شكل اجتماع المنتدى الاقتصادي على الشاطئ الأردني من البحر الميت مناسبة هامة لإظهار مقدار التناقض بين الأقوال والأفعال على صعيد العملية السياسية في المنطقة. فالإدارة الأميركية التي عجزت منذ أكثر من أربع سنوات على تحريك المفاوضات جراء فشلها في إقناع أو إجبار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على تجميد الاستيطان وجدت نفسها تتظاهر بعرض الحل الاقتصادي الإسرائيلي وكأنه ذروة العبقرية السياسية الأميركية. ونقلت الإدارة الأميركية وجهة ضغوطها من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات عبر إغراءات اقتصادية إسرائيلية وأميركية.

ورغم التركيز في أكثر من جهة على ما عُرف بمبادرة «كسر الجمود» التي وقف خلفها رجال أعمال إسرائيليون وفلسطينيون، فإن الأنظار توجّهت نحو جوهر المواقف الإسرائيلية والفلسطينية. صحيح أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز حضر اللقاء وألقى كلمة بليغة فيه إلا أن خطابه أثار في إسرائيل ذاتها انتقادات شديدة. فكلمات بيريز «اللطيفة» ونواياه «السلمية» ليست ما تريد الاتجاهات اليمينية الحاكمة حتى تلك التي ترى في الكلام مجرد وسيلة لتخفيف الضغوط الدولية. فبيريز، في نظر الكثيرين، لم يعد يمثل سياسة إسرائيل الرسمية كما أنه في نظر آخرين مجرد غطاء يخفي الاتجاه الحقيقي الإسرائيلي الرافض لعملية السلام.

صحيح أن أنصار «كسر الجمود» من الفلسطينيين اعتبروا أن نجاحهم في جذب رجال أعمال إسرائيليين نحو الضغط من أجل التوصل إلى حل سياسي يشكل إنجازاً لكنهم، ربما، لم يدركوا السياق الذي جاء فيه هذا الإنجاز. وربما أن هذا ما دفع السلطة الفلسطينية نفسها، التي تسعى بكل جهدها لـ«كسر الجمود» إلى التنصل من المبادرة والتركيز على المطلب الأساسي بالعودة إلى المفاوضات ضمن رؤية واضحة وأهداف محددة. وهذا كان جوهر خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي بيّن الألاعيب الإسرائيلية التي ماطلت ومددت في المفاوضات، تارة عبر تشديد الخلافات، وطوراً عبر تجميد العملية، وأحياناً عبر التلاعب في الأولويات ومواقعها. ولذلك كانت الرؤية التفاوضية الفلسطينية بعيدة كل البعد عن الرؤية الإسرائيلية وربما، للمرة الأولى، خالية من الأوهام.

فالسلطة الفلسطينية، بأغلبية قادتها، لم تعد تراهن لا على المفاوضات ولا على التدخل الأميركي، ولذلك فإن مبادرة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لا تنال الرضا. ولكن الفارق كبير بين عدم المراهنة على المفاوضات وعدم الرضا عن الموقف الأميركي وبين اختيار بديل واضح. ففي وضع عربي متصارع ومشرذم، كالقائم حالياً، يصعب على السلطة الفلسطينية تحديد الوجهة. فهي من ناحية لا يمكنها التنازل عن الدعم والرعاية الأميركية خشية أن تقف عارية أمام البطش الإسرائيلي. وهي من ناحية أخرى لا يمكنها قول كلمة لا جازمة وواضحة وتحاول أن تدير أزمة بأقل قدر ممكن من الخسائر. ومن الجائز أن هناك من سيقول إن السلطة هي من أوصلت نفسها إلى هذا الوضع، ولكن ذلك ليس كافياً لا لتفسير ما جرى ولا لتحديد الموقف الواجب اتخاذه من الآن فصاعداً.

وفي الخيارات تبدو الصورة أشد تعقيداً. فالرئيس الفلسطيني، ذاته، بين أبرز من استخلص أن الميل للعنف في الصراع مع إسرائيل ينطوي على بعد تدميري ذاتي. وقد صرح مراراً أنه ضد كل خيار يلجأ إلى العنف وأن أقصى ما يطالب به ويدعو إليه هو «المقاومة الشعبية» التي باتت محددة الوجهة. ويكثر رسميون فلسطينيون من الحديث عن «انتفاضة ثالثة»، لكنها بالتأكيد ليست ما عرفه الفلسطينيون حتى الآن عن الانتفاضات وهي في كل الأحوال «خالية من الدسم» في ظل وجود السلطة الفلسطينية وتعاونها الأمني مع إسرائيل. ورغم أن الرئيس عباس تحدث مراراً إلى مقربيه بنيته «تسليم مفاتيح» السلطة إلا أنه بين الأشدّ ميلاً إلى الحفاظ عليها بوصفها «إنجازاً» سياسياً دولياً للشعب الفلسطيني. وهذا يقود إلى تأكيد خيار السلطة الذي أعلنته مراراً وجوهره أنه مقابل فرض الإسرائيليين وقائع على الأرض بشكل بؤر استيطانية يمكن فرض وقائع على الأرض الدولية على شكل اعترافات متزايدة بحقوق فلسطينية أو حتى بالدولة الفلسطينية.

ولكن الفلسطيني يعرف أيضاً أنه لا يلعب وحيداً، وأن في الجانب الآخر من الملعب يقف الإسرائيلي. ولذلك يمارس بعض قادة السلطة نحواً من التحريض ضد الحكومة الإسرائيلية المماطلة في تحقيق حل الدولتين عبر التهديد بالتخلي عن هذا الخيار والمطالبة بدولة ثنائية القومية. وهناك بين الإسرائيليين من لا يرهبه هذا التهديد ويتخيل ظروفاً أفضل يمكن خلالها فرض واقع يتمثل في الانفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما حدث في قطاع غزة. ويرى هؤلاء أنه إذا تم ذلك فإن إسرائيل عبر قوتها وقدراتها قادرة على احتواء أية فعاليات معادية من جانب من تبقوا تحت السيطرة الإسرائيلية من الفلسطينيين وتحويل حياة الآخرين، خارج السيطرة، إلى جحيم إلا إذا وافقوا على ترتيبات تعايش وليس مصالحة.

وفي كل الأحوال ثمة قناعة بأن الحديث عن حل دائم عبر المفاوضات بات بعيداً وأن الحل الممكن هو الحل المرحلي سواء جاء عبر المفاوضات أو عن طريق فرض الوقائع على الأرض.