خبر العنف ومواجهته / مصطفى ابراهيم

الساعة 08:41 م|01 يونيو 2013

وكأن الاخبار الفاجعة والموجعة هي قدر الناس، فهي نازفة بوسائل مختلفة، حرق النفس بطريقة مهينة، ربما فقراً او مرضاً و خوفاً أو هرباً، خلال يومين في مخيم الشابورة برفح حرق رجل يعاني مرضا نفسياً نفسه حتى الموت، و بعد ساعات قليلة من خبر الحرق وصل خبر آخر مقتل صراف في مدينة خان يونس بدم بارد، وبعد يوم من وفاة الرجل المحروق حاول شخص اخر ايضا من مخيم الشابورة برفح حرق نفسه فمنعه الناس.

حالات عنف متكررة و جرائم بقصد ومن دون قصد، تفضي الى ازهاق ارواح، بإطلاق النار او بأدوات اخرى، و موجات العنف نقابلها بالاستنكار والتنديد والمزايدة والشماتة والدعاء لله باللطف بنا وسترنا، وترافقها الشائعات التي تتحول الى حقيقة، التشخيص والتوصيف للعنف يكون سهلاً، لكنه يبقى من دون دراسة علمية و بموضوعية لمواجهته والحد منه.

العنف كان موجودا في الماضي، وربما كان أشد وطأة، لكنه يزداد الان وترتفع نسبه خاصة بين فئات مهمشة تعاني الاحباط والضياع والفقر والبطالة خاصة الشباب والفتيان الذين يعانون الفراغ والمستقبل الغامض و يرفضون تعنيف الاباء والمعلمين ويتصدون لهم، ومنهم من يهرب الى عالم الهلوسة بتعاطي المخدرات والحبوب المخدرة وهي منتشرة بنسب مرعبة تتحفظ الحكومة على الحديث عنها، وتركت شان مواجهتها للشرطة والأجهزة الامنية فقط.

العنف في مجتمعنا المحافظ اصبح نوعا من “فشة الخلق” الذي يبحث عن ما يسمى “كبش فداء” ليواجه العنف ضده، وهذا ليس بالضرورة ان يكون له علاقة بالإحباط النابع من الاشخاص، فعنف المعلمين ضد الطلاب ليس له مبرر في توجيه سلوك الطلاب، بل يتعلق بإحباط المعلمين في حياتهم المهنية أو الشخصية.

كما العنف في العائلة، فالأب العاطل عن العمل و المحبط اقتصاديا واجتماعيا يمارس العنف ضد زوجته ويفش خلقه فيها وأولاده، والمرأة المحبطة و الممارس ضدها العنف من قبل زوجها تفش خلقها في أولادها، والأولاد المحبطون من والديهم أو معلميهم يفشون خلقهم بمن هم اضعف واصغر منهم سناً، والعنف لا يتوقف عند حدود العائلة فهو يمتد الى المجتمع.

السلطة تمارس القمع والاستبداد ضد المواطنين، الشرطة والأجهزة الامنية تمارس العنف بجميع اشكاله من الاعتقالات غير القانونية والتقييد على الحريات وحرية الرأي والتعبير والتدهور مستمر في حقوق الانسان، الضرب والتعذيب في مراكز التوقيف وأثناء التحقيق اصبح نهج.

وهكذا ترتفع نسب العنف، فالانقسام احدث هزة كبيرة في المجتمع، وما خلفه من تفسخ اجتماعي، نصف المجتمع خائف من قطع راتبه وتوقفه، ومن عدوان اسرائيلي مستمر، ومن ممارسات حكومية غير متوقعة، بطالة وفقر وضغط ونفسي وعصبي من الهم اليومي من انقطاع التيار الكهربائي وعشرات آلاف الموظفين لا يعملون و يعيشون فراغ قاتل لا يستغلون وقتهم المهدر.

والمجتمع يتخبط بين قيم ومحرمات تمنع فيها بعض أنواع العنف وتشرع أنواعا أخرى، تمنع العنف والضرب في المدارس ويمارسه المعلمين، ورجال الشرطة والأمن بالرغم من التعليمات والأنظمة الصادرة، والجهات الرقابية الحكومية غير فاعلة وليست كافية فهي من دون ارادة سياسية توقف كل ذلك.

نعيش حالة إحباط اجتماعي وسياسي، ونتخبط بين حكومتين متضاربتين، ينتقي كل طرف منها ما يناسبه، كل وفق مصالحه دون التزام أخلاقي بمبدأ أو مرجعية وطنية جامعة، و حالة العنف ليست منفصلة عن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الاحتلال والعدوان والقتل اليومي والحصار، والانقسام والفقر، يجعل حياة الناس مشحونة بالخوف والإحباط والغضب، ما يشكل تربة خصبة للعنف والانحراف وحرق النفس ومحاولة الانتحار.

وهنا لا يقتصر دور الحكومة والمطلوب منها على مكافحة العنف وعلى الردع فقط، واستمرار تكرار التصريحات ان البلد تعيش حالة من الامن والأمان غير المسبوقة، ومن دون ان تتوفر لديها الارادة السياسية ومصارحة الناس بشفافية عن ما يجري، مثلا عن حجم متعاطي الحبوب المخدرة وخطورة انتشارها، لمشاركتها في مكافحتها ومكافحة العنف و دور الحكومة في التدخل الفوري ووقف التعذيب وردع القائمين به بمحاسبتهم.

ودورها ليس التأكيد على القيم وبثها بين الناس كشعارات مرفوعة فقط، فمن دون العمل بشكل حقيقي على التأكيد على القيم القائمة على حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والمساواة، والتسامح، والمساواة وعدم التمييز، وقبول الاخر، والشراكة في اتخاذ القرارات والحد من البطالة ونسب الفقر المتفاقمة، وعدم التضييق على المؤسسات الاهلية والتعامل معها بسوء النية والشك فيها، و التي تلعب دروا مهما ومكملا للحكومة في بناء المجتمع والحد من العنف.

وفي حالتنا يطرح التساؤل كيف نقيم نظاماً بوجود سلطتين منقسمتين تحت احتلال عنصري وفاشي يمارس ابشع الجرائم ضد الكل الفلسطيني؟ و هناك تغييب لأي دور وطني في اعادة الاعتبار للقضية الوطنية، والاتفاق على برنامج الحد الادنى لإعادة رتق وحياكة نسيجنا المجتمعي ورفع نهضة المجتمع.